الصحافة اليوم 19-11-2018: برِّي: الحلول ليست مفقودة.. والحكومة قبل نهاية الشهر؟ – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

الصحافة اليوم 19-11-2018: برِّي: الحلول ليست مفقودة.. والحكومة قبل نهاية الشهر؟

صحف محلية

ركزت افتتاحيات الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم الاثنين 19 تشرين الثاني على ملف تشكيل الحكومة وايجاد حلول للعقد الحكومية، ما دفع بالرئيس بري الى القول بان الحلول ليست مفقودة والحكومة قبل نهاية  هذا الشهر. كما ابرزت الملفين اليمني والسعودي.

البناء* البناء

أنصار الله يوقفون الصواريخ على السعودية ضمن ترتيبات وقف الحرب

نتنياهو وإبن سلمان يترنّحان … وترامب يحاول المستحيل لحماية حليفيه

اللبنانيون أمام انسداد مجاري مياه بيروت… وآمال بفتح مسارب الحلول الحكومية

كتب المحرّر السياسيّ

تقدّمت الخطوات التي تؤكد قرب نهاية حرب اليمن، والفشل الذريع للهجوم الذي راهن عليه الثنائي السعودي الإماراتي على مدينة الحديدة. فبعد إعلان التحالف الذي تقوده الرياض وقف عملياته في الحديدة وإعلان المبعوث الأممي مارتن غريفيت عن التوصل لاتفاق على تبادل الأسرى والمعتقلين، أعلنت قيادة أنصار الله إصدار الأوامر لوحداتها الصاروخية بوقف استهداف العمق السعودي، ووضعت قرارها في إطار تقدّم مهمة المبعوث الأممي نحو وقف الحرب والوصول لحل سياسي تفاوضي.

الحدث اليمني الكبير الذي سيترك آثاره على المنطقة كلها وتوازناتها، بما يعنيه من تراجع مكانة السعودية والإمارات في المعادلة الإقليمية، تزامن مع تصاعد مأزق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على خلفية تورطه في قتل جمال الخاشقجي وتحميله من وكالة المخابرات الأميركية مسؤولية إصدار أمر الإعدام، وفي سابقة توضع ضمن إطار القرار بخوض معركة إطاحة إبن سلمان سرّبت الوكالة رسمياً تقريرها الخاص باتهام إبن سلمان، إلى الصحف ووكالات الأنباء، بعدما تعذّر عليها تلقي الاستجابة المنتظرة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي بقي في جبهة الدفاع عن حليفه ولي العهد السعودي معلناً التشبث به كحليف جيد ، بينما تلاقت أصوات الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس الأميركي بالدعوات لمواقف حاسمة وعقوبات تطال الحكم السعودي حتى إطاحة ولي العهد.

وبالتوازي كان حليف ترامب الآخر المتبقي بين حلفاء أميركا الذين لم يتبق منهم في عهد ترامب إلا السعودية و إسرائيل ، دخل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في مأزق حكومي يمكن أن يؤدي لانفراط عقد التحالف الحاكم والذهاب لانتخابات مبكرة، بعدما تكفلت حرب اليومين على غزة بتشقق التحالف وتساقط وزرائه من الحكومة، في ضوء الهزيمة القاسية التي تلقاها كيان الاحتلال واضطرت نتنياهو لقبول وقف مذلّ لإطلاق النار، كما وصفه معارضوه وفي طليعتهم حليفه المستقيل وزير حربه أفيغدور ليبرمان.

لبنانياً، كان طوفان بيروت بانسداد مجاري المياه فيها، حديث اللبنانيين في العطلة بعدما تناثرت الفضائح حول أسباب هذا الانسداد واحتمالات وجود صفقات تفوح منها روائح الفساد وراء ما جرى. وفيما أعلنت النيابة العامة بدء التحقيق بالأسباب وتحديد المسؤوليات، كانت الآمال الضئيلة بانفراج الوضع الحكومي تنتظر إيجاد مسارب لا يزال محورها الوحيد الاتصالات التي يجريها وزير الخارجية جبران باسيل مكلفاً من رئيس الجمهورية، والتي لا تزال وفقاً لمصادر متابعة في دائرة البحث عن حلول يمكن تسويقها، مع تأكيد التهدئة بين الأطراف المعنية والدعوة لتخفيض سقوف المطالب والمواقف، ومن المنتظر أن ينعقد اليوم لقاء للوزير باسيل مع نواب اللقاء التشاوري إذا برزت إيجابيات على خط مساعي الحلحلة.

لا ريب في أن مَن لجأ الى فرز النفايات طائفياً بعد أن حوّل بيروت والمتن الى مكبّات للقمامة من دون أن يأبه بصحة اللبنانيين على مختلف انتمائهم ومذاهبهم، ويسارع الى تطييف المجارير والتهرب من تحمل المسؤوليات ورميها في مجرور الغبيري بعيداً عن مجرور الرملة البيضاء الذي أقفل عمداً من إدارة الـ ايدن باي روك. ففي بلد مطمور بالفساد والسرقات والسمسرات والصفقات والمجارير والنفايات، ليس مستغرباً أن يسارع مسؤولوه كباراً وصغاراً الى مذهبة كارثة يوم الجمعة الفائت لتبرئة أصحاب رؤوس الأموال.

وبينما كلف النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي سمير حمود رئيس قسم المباحث الجنائية المركزية إجراء التحقيق الفوري في شأن إقدام أشخاص على سد المجارير في أماكن متعدّدة في العاصمة بيروت، وطلب الاستحصال على نسخة من المؤتمر الصحافي لمحافظ مدينة بيروت زياد شبيب، كما طلب من المحافظ تزويد التحقيق بنسخة عن التقرير الذي أعدّته اللجنة الفنية في هذا الشأن والاستماع إلى مُعدّي هذا التقرير، وإجراء كل الاستقصاءات لمعرفة هوية الأشخاص الذين أقدموا على هذا العمل الجرمي من أجل استدعائهم فوراً إلى التحقيق ومن ثم مخابرته بالنتيجة، كان محافظ بيروت قد حمّل مسؤولية ما يجري لمشروع إيدن باي وبلدية الغبيري ومجلس الإنماء والإعمار و3 مطاعم مختلفة. في حين أن بلدية الغبيري أشارت الى ان البلدية قامت بتاريخ 2018-8-4 بتوجيه مراسلات مسجلة في مجلس الإنماء والإعمار، ومصلحة مياه بيروت وجبل لبنان تطلب منهما عدم ضخّ المجاري منعاً للفيضانات المتوقعة لكون البنى التحتية غير مؤهلة لاستيعاب كميات كبيرة من المجاري والسيول، وأما مطلب بلدية الغبيري مضافاً الى الملاحظات المتقدّمة فهو مجرد الطلب من مجلس الإنماء والإعمار شبك مياه الصرف الصحي من منطقة الرحاب الى المحطة في منطقة السلطان ابراهيم، اذ لا يعقل أن تمر شبكة صرف صحي في بلدية الغبيري وتُحرم من الاستفادة منها، وتبقى عائمة بالمجاري التي تصلها من بلدية بيروت .

وعليه يتجه نواب بيروت اليوم بعد اجتماعهم عند التاسعة والنصف في مكتب النائب نزيه نجم الى تقديم شكوى ضد كل من يظهره التحقيق متورطاً بفضيحة الرملة البيضاء.

وإذا كان تسويف الطبقة السياسية سيد الموقف في ما خص قضايا المواطن المعيشية والحياتية والإنمائية والاقتصادية، فإن تحذيرات البنك الدولي وتداول المعلومات عن ان معاشات القطاع العام في خطر مع خلو الاحتياط لم تدفع المعنيين الى المسارعة في تأليف الحكومة. وإذا كان حزب الله على موقفه من ضرورة تمثيل سنّة 8 آذار من الحصة السنية، بالتوازي مع رفض الرئيس المكلف تمثيلهم من حصته من دون أن يقطع الطريق على إمكانية أن يتم توزيرهم من حصة رئيس الجمهورية، كما ألمح الحريري أمام زواره، فان مبادرة وزير الخارجية جبران باسيل لم تخرق الجمود الحاصل بعد. وبينما كان من المنتظر ان يعقد باسيل لقاء مع اللقاء التشاوري نهاية الأسبوع الماضي، تحدثت المعلومات أن اللقاء تمّ تأجيله الى اليوم بعد اتصال الوزير باسيل بعضو اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين عبد الرحيم مراد، غير ان مصادر اللقاء التشاوري أشارت لـ«البناء» الى أن اللقاء لم يؤكد حتى ساعة متأخرة من ليل أمس، لافتة الى ان النواب السنة المستقلين باقون على موقفهم القائم أولاً على توزير شخصية من بينهم. وثانياً أن لا تكون من حصة احد، ومشددة على ان المنطق يقول إن الامور عند الرئيس المكلف سعد الحريري الذي عليه أن يعترف بحقنا وبتمثيلنا وحجمنا ونحن لن نتراجع وعلى الجميع أن يدرك ذلك، مشيرة الى اننا لا نتحمّل تعطيل تأليف الحكومة، إنما الرئيس المكلف الذي عليه ان يحسم تمثيلنا بشخصية من اللقاء التشاوري بأسرع وقت. فمن يكون في موقع المسؤولية عليه أن يتنازل تجاهنا وتجاه لبنان، علماً أن تمثيلنا هو حق وليس منة من أحد.

وأكدت مصادر التيار الوطني الحر لـ«البناء» أن المساعي التي يقوم بها رئيس التيار هي بتكليف من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مشيرة الى ان الأمور وصلت إلى صيغتين قد يتم الاختيار بينهما لحلّ العقدة السنية.

الأولى تفترض بعض التعديلات في ما كان متفقاً عليه مع أطراف أخرى.

الثانية تتمحور حول أكثر من نقطة منها إعادة مبادلة بمقاعد مذهبية أو الوصول الى شخصية ترضي الطرفين. وفي هذا الإطار تردّدت المعلومات ان المبادلة قد تحصل على خط الرئاسة الأولى والثانية بمعنى أن يُسمّي الرئيس ميشال عون وزيراً شيعياً يتنازل عنه الرئيس نبيه بري مقابل أن يذهب الوزير السني الذي كان من المفترض أن يكون من حصة رئيس الجمهورية إلى حصة بري الذي بإمكانه أن يسمّي النائب قاسم هاشم لا سيما أنه من كتلة التحرير والتنمية، علماً أن مصادر عين التينة أكدت أن هذا الطرح لا أساس له من الصحة وان الرئيس بري لم يتحدث عن مقايضة مع أحد.

وفي هذا السياق، وبينما أشارت معلومات «البناء» الى أن من الحلول المطروحة تقديم كل من الرئيس المكلف واللقاء التشاوري لائحتين بأسماء يختار بينها الرئيس عون اسماً ليكون من حصته، دعت مصادر التيار الوطني الحر اللقاء التشاوري الى عدم التصعيد ورفع السقف، لأنه عندما تدق ساعة الإفراج عن الحكومة فإن الحل سيكون على حسابهم.

وأشار الوزير باسيل الى اننا نريد أن نضع حكومة تحافظ على الدولة وعلى وحدتنا الوطنية، ومن واجبنا أن نقوم بهذا العمل من منطلق استقلالنا، لأننا لا نربط حكومتنا بأي مسار خارجي لا هنا ولا هناك، ولا بأي انتظار أو رهان خارجي.

وشدّد رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين على أنه إذا كان البعض صادقاً كما يدّعي في أن الحكومة الوطنية حاجة وضرورة، فليسارع إلى تلبية مطالب محقة طلبها هؤلاء النواب المستقلون بدلاً من أن يضيعوا الأوقات، لأن تضييع الوقت لن يوصل إلى أية نتيجة».

وأمل وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل في «ولادة الحكومة قريباً»، مستبعداً «تشكيلها في وقت بعيد كما يعتقد البعض». أضاف: «لن أحمل مسؤوليات لأننا نريد ان نعطي الفرصة للحركة السياسية القائمة اليوم من اجل الوصول الى تفاهم وانجاز سريع لتشكيل الحكومة، لكن من موقعي اريد ان أؤكد أن الحاجة اكثر من استثنائية إلى تحمل مسؤولية إطلاق العمل التنفيذي عبر تشكيل الحكومة، وأن المخاطر على الوضع الاقتصادي والمالي جدية وتقتضي منا أن نكون منتبهين إلى الكثير من التفاصيل التي تحكم طبيعة الواقع على الصعيد الاقتصادي والمالي، ولكن اليوم ما زال باستطاعتنا أن ننهض ونطلق مشروعاتنا الكبرى التي تسمح بضخ دينامية جديدة في هذا الوضع الاقتصادي، تدفع باتجاه رسم ملامح لإصلاح مالي حقيقي يخرجنا من واقعنا المأزوم».

الجمهورية* الجمهورية

برِّي: الحلول ليست مفقـــودة.. والحكومة قبل نهاية الشهر؟

توقّعت مصادر ديبلوماسية غربية في بيروت ولادة الحكومة الجديدة في مهلة أقصاها نهاية الشهر الجاري، وأكّدت انّ بعض العواصم الغربية والفاعلة، أسدت قبل أيام نصيحة الى المسؤولين المعنيين بوجوب الإسراع في إنجاز هذا الاستحقاق الحكومي. وقالت هذه المصادر لـ«الجمهورية»، إنّ المعنيين بتأليف الحكومة، سيحلّون عقدة تمثيل سنّة 8 آذار باختيار أحدهم وزيراً يُحتسب من حصّة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، من دون ان يترتب عليه في المقابل تقديم وزير مسيحي من حصّته للرئيس المكلّف سعد الحريري، بحيث تبقى هذه الحصّة معطوفة على حصّة «التيّار الوطني الحرّ» 11 وزيراً. لكن هذه المصادر أشارت، الى انّ الحريري، الذي عليه ان يختار أحد النواب السنّة وزيراً، ما زال يرفض هذا الأمر حتى الآن.

وبعيداً من النصيحة الغربية باستعجال التأليف والتي يكتمها المعنيون، إستمرت العقدة السنّية دائرة في حلقة مفرغة، إذ لم تسجّل الاتصالات والمشاورات المُعلنة وغير المعلنة بين المعنيين خلال عطلة نهاية الاسبوع أي تطوّر إيجابي حكومياً، نتيجة استمرار المواقف على حالها من التنازع والتناقض بين مؤيّدي تمثيل النواب السنّة الستة وبين معارضيه. الى حدّ، انّ الأفق بدا مسدوداً حتى الآن، وانّ مقاربة المعنيين لهذه المسألة لا تزال قاصرة عن ادراك كنه الأزمة. فالرئيس المكلّف كان ولا يزال يرفض تمثيل النواب السنّة مباشرة او عبر شخصية يختارونها، فلا الأصل مقبول عنه، ولا البدائل.

وعلمت «الجمهورية»، انّ قيادة «حزب الله» الداعمة لتمثيل هؤلاء النواب، كرّرت القول لكل من اتصل بها او راجعها في هذا الملف، إنّها ليست الطرف المعني وانما النواب الستة أنفسهم، وهي ستقبل بأي خيار يتخذونه.

إفتعال مشكلة

والى ذلك، قالت مصادر مواكبة للاتصالات الجارية لـ«الجمهورية»، انّ عامل الوقت لمعالجة هذه العقدة السنّية مهم سلباً او ايجاباً، وأكّدت «انّ تصوير البعض البلد بأنّه ذاهب للانهيار ليس منطقياً ولا واقعياً الآن، فلماذا لم يكن البلد على هذه الحال ايام العراك الذي دار حول العقدتين المسيحية والدرزية؟ ولماذا لم يُقَل يومها انّ البلد يقف على حافة انهيار مالي واقتصادي؟».

واعتبرت المصادر، انّ التهويل بمخاطر اقتصادية ومالية وشيكة «لا يعدو كونه افتعالاً لمشكلة ليست موجودة خصوصاً، انّ الدولة كانت ولا تزال قادرة على الإيفاء بالتزاماتها المالية للداخل والخارج، ولم يحصل انّها عجزت عن ذلك حتى في ايام الشدائد».

تسوية بالمرصاد

في ظل رفض الحريري المستمر فتح باب التفاوض في احتمال تمثيل «سنّة المعارضة» بوزير من حصّته، نُقِل عن «الوسيط» الوزير جبران باسيل تفاؤله قائلاً «انّ العقدة مهما بلغت درجة تعقيدها فإنّ «التسوية» بالمرصاد، لأنّ أمدّ الأزمة بعد أكثر من 5 أشهر ونصف الشهر من التأخير لا يمكن أن يطول كثيراً، «فيما المطلوب من الجميع التهدئة».

وفيما أعلن النائب الوليد سكرية لـ«الجمهورية» عن اجتماع سيُعقد اليوم بين باسيل وأعضاء «اللقاء التشاوري» الستّة، فإنّ المعطيات تفيد عن تشدّد واضح لدى الأطراف الثلاثة، التي إعتبر باسيل أنّها معنية بحلّ الأزمة، أي «حزب الله» ونواب «اللقاء التشاوري» والرئيس المكلّف، بعدم تقديم تنازلات حتى الآن، خصوصاً أنّ الأسبوع الحالي «المُشبَع» بالعطل، لن يسمح بحصول استنفار على مستوى الحِراك السياسي، هذا مع تخوّف مرجعية وزارية بارزة «بأن يطول أمد التعطيل الى ما بعد أسابيع طويلة من الاحتفال بعيد الاستقلال، الذي سيُشارك فيه الحريري رئيساً مكلّفاً بتأليف الحكومة، بعد مشاركته فيه العام الماضي رئيساً مستقيلاً!».

لكن ما كان لافتاً في اليومين الماضيين، التوجّه البارز في «توضيح» موقف الفريق العوني من مسألة تمثيل سنّة 8 آذار، حيث أكّدت مصادر هذا الفريق، أنّ الحجم النيابي لقوى 8 آذار يسمح بتمثيلها بوزير إضافي، كما أعلن النائب ألان عون صراحة أمس، فيما تبنّى «حزب الله» علناً مطلب توزير سنّة المعارضة، بحيث بات صعباً تجاوز هذا المطلب، مع التسليم بأنّ «التنازل» الآخر المطلوب من «اللقاء التشاوري» هو عدم وضع العصي في دواليب التأليف، وذلك من خلال الاتفاق على إسم وسطي يكون من خارج «اللقاء» منعاً لكسر الحريري.

بري

الى ذلك، قال رئيس المجلس النيابي نبيه بري لـ«الجمهورية» انّه لم يلمس جديداً على خط تذليل عقدة تمثيل «اللقاء التشاوري»، «فحتى الآن لا يوجد شيء».

وكرّر بري التأكيد «انّ الحلول ليست مفقودة، وفي الإمكان الوصول الى حل في القريب العاجل، شرط ان تكون النيّات صادقة لبلوغ هذا الحل».

ورداً على سؤال عمّا يمكن أن يقدّمه لتسهيل الحل، قال بري: «سبق لي ان بادرت في محطات حكومية سابقة الى اقتراح حل «من كيسي»، بهدف تسهيل تشكيل الحكومة، وبهذه الروحية التقيت الرئيس المكلّف في اليوم الاول لاستشاراته في المجلس النيابي، ولم نطالب بحقائب زيادة على رغم من انّ لدينا كتلاً نيابية كبيرة، وقلنا انّ ما نريده ان نبقى كما كنا في السابق أي 3 وزراء لـ«أمل» و3 وزراء لـ«حزب الله». واذا كان هناك من يقول إننا يجب ان نضحّي من جديد، «فأنا أصلاً مضحّي وعامل تقدّمة، فشو المطلوب مني بعد؟».

لكن ما كان لافتاً في الأيام المنصرمة، هو مبادرة بعض المطابخ الى رمي طرح لحل العقدة السنّية، بدا فيه أصحابه يتبرّعون من كيس بري من دون علمه، ويقوم الطرح على تخلّي بري عن وزير شيعي ويستبدله بأحد نواب «سنّة 8 آذار».

واللافت، انّ عين التينة اعتبرت هذا الطرح مفخخاً وخبيثاً، خصوصا انّه أثار شكوكاً والتباسات، ومن هنا بادر رئيس المجلس فوراً الى الاتصال بالنائب فيصل كرامي قائلا: «لسنا معنيين بهذا الطرح ولا علاقة لنا به من قريب او بعيد».

اللواء* اللواء

مهمّة باسيل بين الوسط والحارة: سقطة غامضة في نهر الكلب!

الحريري ينتظر أسماء وزراء الحزب.. ولقاء النوابّ الستة ورئيس التيار في المجلس اليوم

حتى مساعي تأليف الحكومة، ترتاح، أو تأخذ إجازة، فيوم الأحد في 18 ت2 2018، وقبل 43 يوماً من تاريخ جلاء الجيوش الأجنبية عن لبنان في 31 ك1 1946، لم يجد الوزير جبران باسيل، الذي ينسب إليه ان مهمته لمعالجة عقدة تمثيل 6 نواب من سنة 8 آذار ما تزال في أوّلها، لم يجد عملاً أجدى من الذهاب إلى نهر الكلب، والإعلان من امام لوحة الجلاء هناك، انه يطلب «من نواب كسروان أخذ الاذن اللازم لوضع لوحة عن الانسحاب السوري من لبنان»، مما دفع النائب جميل السيّد إلى معاجلته بتغريدة، طالبته بكشف هويته: فلا مشكلة إذا كان يتحدث كرئيس لتيار سياسي، ومشكلة إذا كان يتحدث كوزير للخارجية، يلتزم بالطائف، الذي «لم يعتبر الوجود السوري احتلالاً»، فليعدل الطائف ثم يضع اللوحة..

تأتي هذه التطورات على مسافة أربعة أيام فقط من الاحتفال باستقلال لبنان الـ75، الخميس المقبل، وبعد وقفة باسيل المثيرة للجدل امام لوحة الجلاء في نهر الكلب، وتكرار وزير المال دق ناقوس الخطر من الوضع المالي، وقبل اجتماع الوزير المفوض من رئيس الجمهورية لقاء النواب السنة الستة اليوم في المجلس النيابي، لاقناعهم بتفويض رئيس الجمهورية أي تفويضه بإيجاد حل لعقدة تمثيلهم في حكومة الرئيس سعد الحريري العتيدة..

محطة الاستقلال

سياسياً، لم تظهر بعد أي صيغة حل لعقدة تمثيل نواب سنة 8 آذار، لا سيما في المساعي التي يبذلها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، في ظل انكفاء كل المساعي الأخرى، وتأكيد الرئيس الحريري ان «الحل في موضوع تأليف الحكومة ليس عنده، بل لدى الآخرين»، وأن مراسيم الحكومة تنتظر ان يسلم حزب الله أسماء وزرائه.

ولم تستبعد مصادر مطلعة لـ«اللواء» ان يشكل حفل الاستقبال الذي يقام الخميس المقبل في ذكرى الاستقلال في قصر بعبدا مناسبة للرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري للتداول بالملف الحكومي والعقدة التي تؤخر تشكيل الحكومة. ولفتت المصادر الى ان ما من توقعات مسبقة في ما خص مداولات الرؤساء يوم الخميس المقبل معلنة ان التوافق على الإسراع في تأليف الحكومة هو عنوان يركز عليه الرؤساء، اما تحرك الوزير باسيل وفق المصادر نفسها فهو متواصل دون ان يحدد مهلة لانهاء مهمته، وقالت المصادر نفسها ان اي بداية حل لعقدة تمثيل السنة المستقلين في الحكومة لم يتظهر حتى ان المشهد الحكومي بحد دانه يراوح مكانه بانتظار اي جديد قد يبرز.

وقال مصدر مطلع لـ«اللواء» أن مهمة باسل هي مهمة بين «بيت الوسط» منزل الرئيس الحريري وحارة حريك مقر قيادة حزب الله.
وبينما أكّد باسيل أمس، بأن مساعيه ما تزال في أوّل الطريق، وانه لم يبدأ بعد الكلام الجدي، وسيتابع، تلاقت مصادر النواب السنة المستقلين الذين تتوقف عقدة تشكيل الحكومة عندهم، ومصادر قيادية في قيادة «التيار الحر» عند نقطة ان باسيل لا يحمل مقترحات محددة بل يستمع إلى بعض الأفكار ويطرح أفكاراً، وهو يُركّز على فكرة ان يكون الحل وفق قاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، لا سيما في ما خص عدم اضعاف الرئيس المكلف وبما يؤمن استمرار تفاهمه مع رئيس الجمهورية، إضافة إلى محاولة إرضاء النواب الستة، ومن خلالهم «حزب الله».
وفي اعتقاد مصادر سياسية مطلعة، ان باسيل الذي ما زال يصطدم بسقوف عالية متبادلة بين الرئيس الحريري والنواب السنة المستقلين وبينهما «حزب الله»، يراهن رغم ذلك، على حل من ضمن ثلاثة حلول مقترحة، سقط بعضها فور طرحه، حيث ذكرت بعض المعلومات انه سمع اقتراحاً من من الرئيس نبيه بري بأن يكون الوزير السني المفترض انه من حصة رئيس الجمهورية من النواب السنة المستقلين او شخصية من المقربين منهم، كما سمع اقتراحا بأن يكون عضو كتلة الرئيس بري النائب قاسم هاشم هو الوزير السني على ان يأخذ الرئيس ميشال عون او التيار الحر وزيرا شيعيا، لكن هذا الاقتراح سقط فورا، وثمة من طرح العودة عن تبادل الوزير السني من حصة عون بالوزير الماروني من حصة الحريري بحيث يصبح لعون وزيران مارونيان وللحريري خمسة وزراء سنة والسادس مستقل، لكن هذا الاقتراح سقط ايضا، وبقي الاقتراح الاول (سني من حصة عون) هوالاكثر ترجيحا برغم اعتراض رئيس الجمهورية وباسيل والنواب المستقلين عليه حتى الآن.
لقاء محتمل اليوم

ومع ذلك بقي الوزير باسيل يسعى وستكون اخر محاولاته بلقاء مباشر مع النواب السنة المستقلين يفترض ان يتم مبدئيا اليوم في المجلس النيابي، بعداتصال اجراه مساء امس الاول مع عضو اللقاء النائب عبد الرحيم مراد واتفقا على الاجتماع، لكن النائب مراد أكّد لمحطة N.B.N الناطقة بلسان حركة «أمل» ان اللقاء مع باسيل لم يحسم اليوم الاثنين. فيما أكدت مصادرهم انهم لم يتلقوا لا من باسيل ولا من سواه أي اقتراح حل حتى الآن، وأنه «طالما ان أحداً لا يشاورهم فهم على موقفهم».

وبحسب مصادر «التيار» فإن التفاوض لم يبدأ عملياً بعد، ولا يتوقع الانخراط فيه قبل حسم أو الاتفاق على ثلاثة أمور وهي: تمثيل السنة المستقلين من خارج تيّار المستقبل، ومن حصة من سيكون الوزير المقترح من حصة الرئيس عون أو حصة الرئيس الحريري، وثالثاً وأخيراً الاتفاق على اسم الشخصية التي سيتم توزيرها، من داخل النواب السنة الستة أم من خارجهم.

وقالت هذه المصادر ان الأمور ستبقى تراوح على حالها، إلى ان يتم حسم النقاط الثلاث.

لوحة لجلاء السوريين

وكان باسيل، شارك أمس، في المسيرة التي نظمها «التيار الحر» لمناسبة عيد الاستقلال، طافت الطرق الداخلية للمنطقة الواقعة بين بلدتي قرنة الحمرا وزكريت وصولاً إلى نهر الكلب، حيث يجتمع قضاءا كسروان والمتن.

وعند لوحة الجلاء في نهر الكلب، تجمع المشاركون في المسيرة، وألقى فيهم باسيل كلمة شدّد فيها على انه «لا يربط تشكيل الحكومة بأي مسار خارجي لا هنا ولا هناك، ولا بأي انتظار أو رهان خارجي، وقال: «الرهان فقط هو على الاستقلال وان شاء الله نلتقي كلبنانيين على لبنان ونشكل حكومة الوحدة الوطنية».

واللافت في كلمة باسيل قوله انه سيطلب من نواب كسروان أخذ الاذن اللازم لوضع لوحة عن الانسحاب السوري من لبنان، إلى جانب لوحة الجلاء، مشيراً إلى اننا «هكذا ننسجم مع تاريخنا لأننا ناضلنا حيث كان النضال واجباً، وصالحنا عندما حان وقت المصالحة».

ورد النائب جميل السيّد على طلب باسيل بتغريدتين على «تويتر»، جاء في الأولى انه «ليس لديه تعليق إذا كان كلامه كرئيس للتيار، لكن إذا كان كوزير خارجية يلتزم باتفاق الطائف، فعليه تعديل الطائف الذي لا يعتبر الوجود السوري احتلالاً، ثم يضع بعد ذلك اللوحة التي يريدها»، لكن السيّد استدرك في التغريدة الثانية، معتبراً «ان اللوحة الوحيدة التي تحظى بإجماع وطني هي عن انسحاب الاحتلال الإسرائيلي عام 2000 وهزيمة الإرهاب في 2017 من الجيش اللبناني والمقاومة».

مواقف

إلى ذلك، حفلت نهاية الأسبوع بسلسلة مواقف حذّرت من مخاطر تعطيل تشكيل الحكومة، فقال البطريرك الماروني بشارة الراعي في مطار بيروت، قبيل مغادرته إلى روما، ان «البلد لم يعد باستطاعته تحمل هذا الشكل من التسويف في موضوع تشكيل الحكومة»، متمنياً النجاح لمهمة الوزير باسيل ممثلاً من رئيس الجمهورية خلال لقاءاته مع المسؤولين، عسى ان نصل إلى عيد الاستقلال وعندنا حكومة.

وأمل وزير المال علي حسن خليل «ان تكون ولادة الحكومة قريبة»، مؤكداً ان «المخاطر على الصعيدين الاقتصادي والمالي جدية، وهو أمر يدعونا إلى التنبه».

أما رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، فقد شدّد، خلال كلمة له عبر «سكايب» لمؤتمر حزبي في مقاطعة أميركا الشمالية، على ان مسألة تمثيل سنة 8 آذار مفتعلة، وانه يمكن تبيان ذلك بمجرد مراجعة شريط الاستشارات النيابية، فقد تمّ استجماعهم في الأشهر القليلة الماضية كورقة لاستعمالها في الوقت المناسب.

ولفت إلى أن إيران في وضع دفاعي عن مستوى المنطقة للمرة الأولى منذ 40 عاماً، واصفاً المواجهة بين الإيرانيين والاميركيين «بالجدية»، وانها تأخذ حدودها القصوى والجميع يرى كيف تتدرج من مرحلة إلى اخرى، معرباً عن اعتقاده بأن الإيرانيين قرروا استجماع ما يمكنهم من أوراق على مستوى الشرق الأوسط من أجل مواجهة الضغط الأميركي، ولذا فالتصعيد الذي رأيناه في غزة وثم عرقلة للحكومة العراقية بعد تأليفها، وما نشهده اليوم من تعطيل لتأليف الحكومة يأتي في هذا السياق وليس أي سياق آخر».

على صعيد حزب الله، رأى السيّد هاشم صفي الدين رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله انه «اذا كان البعض صادقاً كما يدعي في ان الحكومة حاجة وضرورة، فليسارع إلى تلبية مطالب محقة طلبها هؤلاء النواب المستقلون بدل ان يضعيوا الأوقات، لأن تضييع الوقت لن يصل إلى أية نتيجة..

فضيحة الرملة البيضاء
في هذه الاثناء، بقيت ردود الفعل على «فضيحة» فضيان مياه المجارير في الرملة البيضاء تتوالى، بعد ان حمّل محافظ بيروت القاضي زياد شبيب، مسؤولية الفيضانات إلى مشروع «ايدن باي» وبلدية الغبيري ومجلس الإنماء والاعمار و3 مطاعم، فيما علمت «اللواء» ان نواب بيروت تداعوا إلى اجتماع سيعقد قبل ظهر اليوم في المجلس النيابي، للتقدم بدعوى قضائية، في ضوء تكليف النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي سمير حمود، رئيس قسم المباحث الجنائية المركزية اجراء التحقيق الفوري بشأن اقدام أشخاص على سد المجارير في أماكن متعددة من العاصمة.

وكشفت النائب رولا الطبش جارودي، ومعها رئيس لجنة الاشغال النيابية نزيه نجم، ان نواب العاصمة سيتقدمون متحدثين بشكوى اليوم ضد كل من يظهره التحقيق متورطاً بفضيحة الرملة البيضاء، وان نواب بيروت سيتابعون الموضوع حتى النهاية، باعتباره مدخلاً إلى مكافحة الفساد.

لكن الخلاف، مثلما علمت «اللواء» سيكون خلال التداول في اجتماع النواب اليوم، حول هل تكون الدعوى ضد معلوم، كما ورد في المؤتمر الصحفي الذي عقده محافظ العاصمة، أم تكون ضد مجهول على ان يترك للقضاء تحديد أسماء كل المتورطين ومحاسبتهم؟

ذلك، انه حتى ولو فتحت المجارير وعادت المياه الآسنة إلى مجاريها في جوف العاصمة، فإن كارثة ما حصل يوم الجمعة الأسود يجب ان تظل تحت الضوء، إلى ان تخرج العدالة المعتدين من اوكارهم ومجاريرهم ومواقعهم إلى السجون، إذا كنا نريد ان نبني دولة، فالمسألة ليست صعبة، بل يلزمها قرار، والقرار بيد ممثلي الشعب.

ورأت أوساط بيروتية ان «المصيبة» وقعت ويمكن ان تتكرر نتيجة غياب الرقابة، فكيف استطاع مشروع إيدن باي إنهاء مشروعه وطمر خط المجرور دون الحصول على ترخيص؟ وأين كانت أجهزة بلدية بيروت؟ وأليس قبل أسابيع حصل نفس الطوفان؟ ولماذا جرى الحديث عن استحداث خط تصريف جديد؟ وهل هو بديل عن الخط الذي اقفله المعتدون؟ ولماذا خلال السنوات الماضية لم نشهد طوفاناً مماثلاً؟ وكيف تجرأت بلدية الغبيري على التعدّي على خط شبكة محطة التكرير؟

وطالبت الاوساط البيروتية المعنيين عدم التذاكي وتقاذف المسؤوليات، مشددة ضرورة محاسبة المسؤولين مهما علا شأنهم لكي لا تتكرر الحوادث المماثلة في عاصمة الوطن.

لكن الخوف كل الخوف، من ان يصار إلى «تطييف» المجارير، فيصبح مجرور بيروت في مقابل مجرور الغبيري، وعند التطييف يصبح انتصار مجرور على مجرور مستحيلاً لئلا يهتز السلم الأهلي، بحسب تعبير مقدمة شاشة L.B.C.I التي لاحظت ان رئيس بلدية بيروت رفع المسؤولية عن نفسه، فيما المحافظ يحمل بلدية الغبيري المسؤولية، وترد البلدية إليه المسؤولية وإلى بلدية بيروت، وهناك من يوجه السهام إلى مجلس الإنماء والاعمار، وختمت متسائلة: «أليس فوق رؤوس هؤلاء مسؤولين من وزراء ورؤساء؟».

الاخبار* الاخبار

المحافظ يكذب

ليس غريباً على أي مسؤول في لبنان التنصل من المسؤولية. منذ سنوات طويلة، لم يسمع اللبنانيون بمسؤول استقال بسبب شعوره بالذنب عن فضيحة ما، او خطأ ما، في نطاق عمله. لكن محافظ بيروت زياد شبيب تفوّق على جميع أقرانه: تنصّل من مسؤولية ما شارك في ارتكابه على مدى سنوات. لم يرمِ الخطايا عن كاهله وحسب، بل قرر اللجوء إلى الكذب، وتحميل بلدية الغبيري مسؤولية طوفان مياه الصرف الصحي في الرملة البيضاء الأسبوع الماضي، مع ما تحمله اتهاماته من تحريض طائفي ومناطقي. المحافظ، وهو المسؤول التنفيذي الأعلى في العاصمة، شريك في المسؤولية عن سوء الخدمات في العاصمة، وتحويل أملاكها العامة مرتعاً لأصحاب الأموال، على حساب أهلها. المطلوب منه إظهار شجاعة الاستقالة… لا الكذب.

وفقاً للقانون، تختلف محافظة بيروت عن أي محافظة أخرى من ناحية دور المحافظ وسلطته. ففي العاصمة، تناط السلطة التنفيذية بشخص المحافظ، فيما للمجلس البلدي سلطة تقريرية. لكن يطيب لمحافظ بيروت زياد شبيب التمسك بصلاحياته الواسعة عندما تكون في خدمة مشاريع سياحية خاصة، والتنازل عنها عندما يحين وقت تحمّل مسؤولية ما فعله وغطّاه في السنوات السابقة. هكذا، لعب شبيب دور الموظف «المعتّر» خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده يوم السبت الماضي، نافضاً يديه من أيّ مسؤولية عن فيضان المجارير على كورنيش الرملة البيضاء يوم الجمعة الماضي؛ فاتهم الجميع ونسي نفسه. ووصلت جرأته حدّ التحريض على بلدية الغبيري، متّهماً إياها بالتعدي على أملاك بيروت العامة. بمعنى آخر، المحافظ يحرّض طائفياً بين الضاحية وبيروت لتغطية إهماله وتواطئه مع رجل الأعمال وسام عاشور على حساب صحة وتسيير أمور سكان بيروت وأهلها والوافدين اليها. وبدلاً من أن ينهي شبيب ورئيس بلدية بيروت وأعضاؤها فضيحة «الإيدن باي» بالاستقالة، أكان عبر تستّرهم على البناء غير القانوني أو الافتتاح الذي جرى في حزيران الماضي من دون رخصة إسكان ورخصة سياحية، أو مبادرة بعض العمال الى رمي الاسمنت في الريغار الرئيسي لتصريف المجارير في منطقة الرملة البيضاء بأمر من عاشور، تمادوا في طمس ما حصل محاولين إنكار علمهم بالأمر. وتلك فضيحة أخرى، إن جاز تصديقها، وتستدعي استقالة أو إقالة لإهمال الدور الرقابي التي يتمتع فيه المحافظ والبلدية وثبوت عدم أهليتهما لإدارة العاصمة حيث يمكن لأي كان أن يعبث بشبكات الصرف الصحي وغيرها كما يحلو له.
بعد طوفان «المجارير» في الرملة البيضاء الأسبوع الماضي، قرر محافظ بيروت الهرب من المسؤولية عبر رمي التهمة، كذباً، على بلدية الغبيري (هيثم الموسوي)

الإنكار وتحوير الحقائق كانا الفحوى الأساسي لمؤتمر شبيب. حاول تسويق أن تحويل شبكة المجارير البيضاء إلى محطة الغدير (جنوب المطار)، عبر محطة الضخ في منطقة السلطان إبراهيم (PS2)، سببه «حرصه» على سباحة اللبنانيين بلا مجارير على شاطئ الرملة البيضاء. شبيب نفسه لم يكن حريصاً في السنوات التي مضت. لكن، بالصدفة، وتزامناً مع افتتاح رجل الأعمال وسام عاشور لمنتجع «الايدن باي»، الحائز رخصة بناء من المحافظ، باتت «منفعة» اللبنانيين أولوية قبيل 5 أيام على موعد الافتتاح، أي في 20 حزيران. فكان أن نعم عاشور بمنظر استثنائي لمنتجعه. يتابع شبيب: «تبين أن محطة PS2 غير شغالة وتعطلت بسبب الزمن، فتمّ إغلاق المسرب الذي يؤدي الى هذه المحطة على جادة الصباح. وبلدية الغبيري هي من قامت بالتعدي على الملك العام في هذا الموقع، أي على الممر من نطاق بيروت الاداري جادة الصباح باتجاه محطة الضخ ومنعت هذا المسار، لأن محطة الضخ لا تعمل». إذاً يريد شبيب لسكان منطقة السان سيمون الفقراء أن يغرقوا في المجارير نتيجة تجمعها هناك بفعل المحطة المعطلة، كي يتنعّم عاشور وزواره. أما حديثه عن اعتداء بلدية الغبيري على نطاق بيروت الادراي فأشبه بفيلم هوليودي يرسل فيه الرئيس معن الخليل فرقة كومندوس الى داخل حدود بيروت الادارية لتدخل في مجارير مستديرة الجناح وتقوم بتكسير المسرب الرئيسي هناك من الجهة الجنوبية، فيما الواقع يناقض كل ما تكلم به شبيب، إذ تؤكد مصادر بلدية الغبيري أن اجتماعاً حصل في شهر حزيران في مكتب المحافظ زياد شبيب وبحضور مندوبين عن مجلس الانماء والاعمار ومصلحة مياه بيروت وجبل لبنان وممثلين عن بلدية الغبيري، تقرر فيه تجربة محطة الضخ في السلطان ابراهيم (PS2) قبل البدء بضخ المجارير التي تصبّ في الرملة البيضاء. لكن بلدية بيروت، وخلافاً للاتفاق، حولت خط المجرور تلقائياً تحت عنوان التجربة، ربما لتسيير أمور عاشور يومها. تتابع المصادر: «لما تأكدنا من أن المحطة لا تزال بحاجة الى صيانة وتأهيل، أبلغنا المعنيين، بمن فيهم مجلس الانماء والاعمار، بأن الخطوط لا تعمل ولا قدرة للبنى التحتية على استيعاب مياه الامطار والمجاري الوافدة من الرملة البيضاء، لأن منطقة السان سيمون ستغرق بكاملها بالمجارير». على الأثر، «بدأت الاتصالات تردنا من كل حدب وصوب للسماح لبلدية بيروت بالاستمرار في تجربة المحطة في فترة الصحو. في أوائل شهر آب، بعثنا برسائل الى بلدية بيروت والانماء والاعمار بأن الأوضاع لا يمكن أن تستمر على هذا النحو، تلى ذلك اجتماع في مكتب محافظ بيروت بحضور الانماء والاعمار ومصلحة مياه بيروت وقسم الأشغال في الغبيري. أبلغناهم يومها أننا لن نتحمّل رمي المجارير في المنطقة أكثر من ذلك، وكانت قد بدأت التظاهرات الرافضة لهذا الأمر في منطقة السان سيمون. يومها، طلب المحافظ والبلدية مهلة 10 الى 15 يوماً من أجل تحويل خط المجارير الى قناة في منطقة الروشة. لكن المهلة طالت، وطافت المجارير في السان سيمون. لذلك قررنا إنشاء «سِكْر» في نطاق بلديتنا حتى نغلق تدفق مجارير بيروت إلينا، بعد أن كشفنا على موقع المحطة ووجدنا أن ما كان مقرراً أن يكون تجربة لأيام نفّذه المتعهد ليكون أبدياً، بمعنى أنه جرى «تلحيم السِّكر» حتى لا نتمكن من إغلاقه». وتابع المصدر أن «إعادة إغلاق السكر تطلّبت عودة المتعهد من جديد لإقفاله واستعمال معدات غطس، وعمل لمدة 5 أيام». في غضون ذلك، لزّم مجلس الانماء والاعمار إعادة صيانة محطة الضخ الى أحد المتعهدين منذ نحو شهر. وتكشف المصادر أن لا علاقة لكل ما جرى بما يتم التداول به من اشتراط الغبيري لتشغيل محطة الضخ ربطَ مجارير منطقة الرحاب بها. فصحيح أن ذلك هو مطلبنا منذ زمن، ولكن لم ينفذ المشروع حتى الساعة، رغم أن دراسته كلفت 12 مليون دولار في مجلس الانماء والاعمار».

«المحافظ أول من يعلم»

ورداً على استغراب المحافظ رمي إسمنت في ريغار الرملة البيضاء، وتصرفه على أساس أنه لا يعلم، تقول مصادر بلدية الغبيري إن «المحافظ يعرف ولكنه يتصرف مع الأمر كمزحة. فحقوق أهل بيروت وإغراقهم بالمجارير مجرد أمر ثانوي بالنسبة اليه». وتروي المصادر: «بعد أن وضعنا المحافظ أمام الأمر الواقع بإقفال خط السلطان ابراهيم، لم يتبقّ أمامه سوى إعادة فتح المجرى القديم الذي يصب في الرملة البيضاء. حينها أرسلنا مدرب الأشغال في بلدية الغبيري ليشرف على أعمال اعادة فتح مجرور الرملة البيضاء تأكيداً لالتزام بلدية بيروت بالوعد، فتبين أن المجرور مسدود بالباطون، وبدأت بلدية بيروت بتكسيره. الكمية كانت كبيرة جداً بحيث لم يتمكنوا خلال خمسة أيام سوى من إزالة 30% من الباطون المرمي داخل الريغار. حصل ذلك منذ شهر تقريباً. ولكن اعتقد المعنيون أن ما تمت إزالته كاف لإعادة تصريف المياه، قبل أن يفاجأوا يوم الجمعة الماضي بأن الأمر غير كاف وبحاجة إلى عمل اضافي». اذاً، اختار محافظ بيروت أن يخبر نصف الحقيقة. واذا كان من إخبار يفترض وضعه في عهدة المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم، فهو علم شبيب بإقفال خط الصرف الصحي، من دون أن يبلغ عن هذه المخالفة الجسيمة التي يعاقب القانون مرتكبيها بالسجن. أما وضع المحافظ كلامه بمثابة إخبار للنائب العام المالي القاضي علي ابراهيم، فذلك بمثابة استغباء للبنانيين، فضلاً عن كونه تستّراً إضافياً على مخالفات عاشور. ولماذا توضع المخالفات في عهدة النائب العام المالي بدلاً من وضعها في عهدة النيابة العامة التمييزية؟

نواب بيروت السابقون
والحاليون لم يحركوا ساكناً
لإدانة التعديات على الملك العام

الفضيحة الأخرى تكمن في إنكار رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني هو الآخر علمه بأي تفصيل بشأن ما جرى، بما فيه إقفال مجرى الصرف الصحي بالاسمنت، ملقياً المسؤولية على «شخص في البلدية كان على علم بصبّ الباطون»، وسائلاً بكل «براءة» عمّن غطّى هذا الموضوع، وكأنه مجرد مواطن عادي لا رئيس مجلس بلدية بيروت. وأكد عيتاني «إصرار رئيس الحكومة سعد الحريري على كشف الحقيقة لجميع الناس». وهنا يجدر التذكير بأن قوى الأمن الداخلي التي تعرف الشاردة والواردة في بيروت، تابعة للواء عماد عثمان، القريب من الرئيس سعد الحريري، والتابع إدارياً لوزير الداخلية نهاد المشنوق. ويجدر التذكير أيضا أن رجل الأعمال وسام عاشور ليس سوى واجهة لآل الحريري، وقد سبق لـ«الأخبار» أن نشرت «توكيلاً عاماً شاملاً مطلقاً» من عاشور لصالح المسؤول المالي الخاص للرئيس الحريري، وليد السبع أعين («الأخبار»، 30 نيسان 2016) يتيح له التصرف بكل ممتلكات عاشور العقارية والمصرفية.

في مقابل ذلك، يتوجه نواب بيروت اليوم لتقديم دعوى موقّعة منهم جميعاً أمام المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود، وقد علمت «الأخبار» أن رئيس مجلس النواب نبيه بري طلب من النائب محمد خواجة عدم التوقيع على الدعوى إذا كانت موجهة ضد مجهول، ولم تُسَمَّ الجهات التي قامت بالمخالفة. إشارة هنا الى أن نواب بيروت السابقين والحاليين لم يحركوا ساكناً أو يتفوّهوا بكلمة واحدة تدين التعديات الحاصلة على الملك العام، والممثلة بمبنى «الايدن باي» الذي افتتح في حزيران الماضي على مرأى منهم من دون تراخيص. وما زالوا حتى اليوم يغضون النظر هم وسائر ممثلي بيروت عن هذا المنتجع المخالف.

محامي عاشور: التقصير من المحافظ والبلدية

«الأخبار» اتصلت بمحامي «الايدن باي» بهيج أبو مجاهد لسؤاله عمن منح القيّمين على المنتجع الموافقة على سدّ الصرف الصحي بالاسمنت، فأنكر مسؤولية أصحاب المشروع، أي وسام عاشور، عن الجريمة، طالباً أن يأخذ القضاء مجراه، ومحمّلاً في الوقت عينه مسؤولية التقصير الى المحافظ والبلدية ومجلس الانماء والاعمار، في مقابل تحميل المحافظ وبلدية بيروت «القائمين على الايدن باي بصبّ الباطون». وفي ما خص تشغيل المنتجع من دون رخصة إسكان أو سياحة، أجاب أبو مجاهد بأن «90% من المؤسسات السياحية تعمل وفق رخصة سياحية مرحلة أولى»، لكن فات المحامي أن تلك المؤسسات تكون ضمن بناء موجود وحائز رخصة إسكان وليس في بناء جديد صدر بحقه قرار هدم من مصلحة الهندسة في بلدية بيروت، ولا يزال المحافظ يتجاهله.

فيضان المجارير آت؟

قال الناشط المدني رجا نجيم لـ«الأخبار» أنه بعد أن قام برفقة فريق من الناشطين بمعاينة ميدانية لمنطقة الرملة البيضاء، تبيّن أن بلدية بيروت لم تُعِد شبك كل خطوط الصرف الصحي بالمجرور الاساسي في المنطقة، وقد أبقت على بعض هذه الخطوط لتصبّ في مجرور منطقة الروشة المحاذي لمقهى «الغران كافيه». ويضيف نجيم أنه «جرى التواصل مع بعض المعنيين في البلدية الذين أكدوا الأمر». وبرأي نجيم، لا يمكن تفسير هذه الخطوة سوى بأنها مخطط لتبرئة عاشور من «فيضان المجارير في الرملة البيضاء، عبر تحميل شبكة الروشة أكثر مما تتحمّل للتأكد من فيضان المجارير من جديد عند أي هطل مقبل للأمطار. عندها يخرج من يقول إن صب الباطون داخل الريغار لم يكن سبباً رئيسياً في الفيضان، فتسقط التهمة عن عاشور».

ويطلب نجيم من القضاء «التحقيق في هذا الموضوع، وإلزام بلدية بيروت بنقل كافة الخطوط فوراً الى مجرور الرملة البيضاء لإعادة الامور كما كانت عليه قبل شهر حزيران 2018»، على أن تقوم البلدية في ما بعد «بتمديدات لإلقاء مياه الصرف الصحي في عمق 200 متر داخل البحر، الى أن يتم تأهيل محطة الضخ، فترفع المجارير عن شاطئ الرملة البيضاء نهائياً».

شبيب ينكر وقائع مخالفة البناء في «الايدن باي»

الاعتراف بالخطأ فضيلة، ذلك في المطلق، ولكن تلك الفضيلة مغيّبة تماماً عن قاموس محافظ بيروت زياد شبيب. ففي معرض دفاعه عن مبنى “الايدن باي” المخالف للقانون، يؤكد شبيب أن رخصة بناء الايدن باي الممنوحة من قبله ليست سوى قرار خاضع لمرسوم عام 2005 الذي سمح بالبناء في المنطقة العاشرة. ويضيف أن هناك حكماً قضائياً من محكمة البداية سمح بمبدأ الوحدة العقارية، فأتاح لعاشور زيادة مساحة البناء بنحو 20%، في حين أن الحقيقة تثبت عكس ذلك تماماً؛ فالنص القانوني لمرسوم الـ2005 والذي يحمل الرقم 14817 ثبت العمل بمرسوم 4811 الصادر عام 1966. وفي ما خص المنطقة 10/6 يؤكد البند (1) من القسم السادس من المادة الثانية (1.6.2) من المرسوم منع البناء منعاً باتاً. أما في موضوع الوحدة العقارية (أي العقار الرقم 3689 المصيطبة، وهو العقار الذي بُني عليه الايدن باي والعقار الرقم 3687 المصيطبة)، فقد تمّ إلغاؤها عن طريق مجلس الشورى بواسطة لوائح تم تقديمها اليه بأن الوحدة العقارية قد ألغيت منذ تاريخ 24/11/2016، وذلك واضح على الصحيفة العقارية للعقار 3689 المصيطبة.

فوفق المادة 25 من قانون البناء، لا وحدة عقارية بين عقارين غير متلاصقين. لكن رغم ذلك، أصدر المحافظ ترخيص البناء لصالح “الايدن باي” في 19/1/2017 والذي أخذ بالاعتبار الوحدة العقارية، ويتيح له الاستفادة من الاستثمار بمساحة 20% اضافية. وهو ما أدى لاحقاً الى عدم حصول عاشور على رخصة إسكان لمشروعه بعد أن أصدرت مصلحة الهندسة في بلدية بيروت كتاباً تفنّد فيه مخالفات “الايدن باي” وتوصي بهدم 3 طبقات على الأقل منه. في سياق آخر، كلّف القضاء في تشرين الأول 2017 لجنة خبراء للكشف على المشروع، وحتى الساعة لم يسمح لها عاشور بدخول المبنى. لذلك لا تزال القضية عالقة في مجلس شورى الدولة، من دون أن يبتها لأسباب مجهولة.

تهديد استقرار لبنان: ابتزاز أميركي مزدوج

طوال السنوات الماضية، على الأقل منذ 2005 حتى اليوم، سوّق الأميركيون وحلفاؤهم في لبنان لأسطورة حاجة الأميركيين إلى الاستقرار في الساحة اللبنانية. وعلى الرغم من الدعم المادي والمعنوي والأمني الذي قدّمه الأميركيون لفريق 14 آذار وشركائه الإقليميين، بهدف قلب المعادلة الداخلية وإضعاف المقاومة وحلفائها وما تبعها من فشل في أكثر من محطة، استمرت الأسطورة الأميركية بالتمدّد، وزادت عمقاً مع استعار الحرب على سوريا.

استند مروّجو الأسطورة إلى أكثر من مؤشّر. أوّلها، اعتبار الأميركيين لبنان ساحة تواصل لا اشتباك، أو «اشتباك» تحت سقف الانفجار، في ظلّ الساحات المتفجّرة من العراق إلى سوريا وفلسطين واليمن، وصولاً إلى شمال أفريقيا وأوكرانيا. وهذه الرغبة الأميركية، بحسب أصحاب النظرية، سببها خشية الأميركيين من رفع مستوى الضغط على حزب الله وحلفائه، إلى الحدّ الذي يدفعه إلى التحرك عسكرياً وشعبياً للسيطرة على البلاد، وضرب مراكز قوى خصومه في لبنان، على شاكلة التجربة التي حصلت في 7 أيار 2008، لكن مع نتائج سياسية مختلفة عن تلك التي أنتجها اتفاق الدوحة. ثاني هذه المؤشرات، ودائماً بحسب أصحاب الأسطورة، أن الولايات المتحدة تخشى في حال اندلاع فوضى في لبنان، من انهيار التفاهم الذي أنتجه القرار 1701، بما يعرّض أمن إسرائيل للخطر، مع تطوّر قدرات حزب الله القتالية إلى أضعاف ما كانت عليه في حرب تمّوز. وثالث هذه المؤشّرات، الدعم الأميركي لمؤسستين رسميتين في لبنان، هما المصرف المركزي الذي يضبط القطاع المصرفي اللبناني، والجيش اللبناني الذي جعلته السلطة السياسية يتصرّف مع الجيش الأميركي كشريك أساسي في المنطقة، على غرار جيوش الخليج والجيش الأردني.

قبل أعوام، وقف دانيال غلايزر، معاون وزير الخزانة الأميركية لشؤون تمويل الإرهاب أمام الكونغرس، معلناً أن أي عقوبات على حزب الله أو على لبنان يجب أن تراعي القطاع المصرفي اللبناني، باعتباره «ضرورة للأمن القومي الأميركي». غير أن ما بعد وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة، وما تبعه من تحوّلات في بنية الإدارة الأميركية، فتحا الباب أمام مواقف أميركية جديدة حيال لبنان، لا سيّما الربط بين استقرار لبنان الدولة والمؤسسات، وبين مصلحة حزب الله. وما لم يعد سرّاً، هو المواقف التي نقلتها السفيرة الأميركية في بيروت إليزابيث ريتشارد للرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري وآخرين، عن خروج أصوات داخل البيت الأبيض تنادي بهزّ الاستقرار اللبناني، لا سيّما القطاع المصرفي، لرفع الضغط على حزب الله وتأليب اللبنانيين عليه. وبحسب مصدر لبناني مطّلع على النقاشات داخل الإدارة الاميركية، وتحديداً حول الأوضاع المالية في لبنان، فإن تلك الأصوات الجديدة لم تعد تعتبر الحفاظ على القطاع المصرفي أمراً مهمّاً لـ«الأمن القومي الاميركي»، بل على العكس، فإن استقرار القطاع المصرفي بات بالنسبة إليها «منفعة لحزب الله». غير أن هذه المواقف لا تعني وجود قرار أميركي بهز الاستقرار المالي، ولو أن فريق ترامب في الإدارة يعبّر علناً عن نيته استعمال كافة الوسائل للضغط على المقاومة اللبنانية وإيران وسوريا والمقاومة الفلسطينية، في إطار إخضاع هذه القوى للتسليم بانتفاء منطق مواجهة إسرائيل والانتظام في مزاج الاستسلام العربي. وفيما بدا القانون الذي وقّعه ترامب في مناسبة ذكرى تفجير المارينز في بيروت نهاية الشهر الماضي، ضد حزب الله، مشابهاً لسابقه، إلّا أن القانون أتى ليشدّد على تطبيق ما سبقه من إجراءات، وليطال «الكيانات» المرتبطة بالحزب أو تلك التي لديها صلة به أو تدعمه، بالإضافة إلى تأكيد القانون ضرورة تقديم تقرير مفصّل كل 180 يوماً عمّا تم التوصل إليه من عقوبات.

الحكومة البريطانية
عازمة على وضع
حزب الله بأكمله
على لوائح الإرهاب

«الجنون» الأميركي تجاه لبنان لا يوازيه سوى الاندفاعة البريطانية لملاقاته، مع المعلومات عن نقاش داخل الإدارة البريطانية حيال نية الحكومة وضع حزب الله بشقه السياسي هذه المرّة على لوائح الإرهاب، بعد أن قامت بريطانيا بوضع ما سمّته «الجناح العسكري» على لوائح الإرهاب، في خطوة يصفها مصدر أمني أوروبي لـ«الأخبار» بـ«المتهوّرة».

غير أن اهتزاز الاستقرار في لبنان، وإن كان ورقة يحاول الأميركيون استخدامها في إطار الضغط على إيران ومحور المقاومة، فإن الخشية الأوروبية، وتحديداً الألمانية والفرنسية، تتعدّى القلق على لبنان إلى الخوف من تدفّق موجات من النازحين مجدداً، لا تنحصر بالسوريين في لبنان، بل بنازحين لبنانيين وفلسطينيين. ويقول المصدر الأوروبي إن «ما يراه الأوروبيون خطراً، ليس بالضرورة أن يراه الأميركيون كذلك، وربّما، بورقة الضغط هذه، يسعون إلى عرقلة التحوّلات التي قد تطرأ على المشهد الأوروبي مستقبلاً، وتحديداً التقارب الفرنسي ـــ الألماني ـــ الروسي، الذي عبّر الأميركيون علناً عن رفضهم له أمام قادة الدول الأوروبية، وعبْر الضغوط لعرقلة تنفيذ خط نقل الغاز نورد ستريم 2».
وبالتوازي مع كلام المصدر الأوروبي، نقلت مصادر روسية مشاركة في اللقاء الذي أقامه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو مع رجال الدبلوماسية الروسية في العالم قبل نحو شهرين، لـ«الأخبار»، ما قاله بوتين للجسم الدبلوماسي، عن كيفية استغلال الأميركيين لأزمة اللجوء في أوروبا بهدف تطويع الدول الأوروبية الراغبة في الخروج من الهيمنة الأميركية. وقالت المصادر إن «الرئيس بوتين أكد أمام الحاضرين في اللقاء الدبلوماسي أن الأميركيين يسعّرون موجات العنصرية الأوروبية والحركات اليمينية عبر التحريض على اللاجئين لاستخدامها في مواجهة روسيا في كامل القارة الأوروبية».

التهديد بهزّ الاستقرار اللبناني ابتزاز مزدوج إذاً، للمقاومة وحلفائها في الإقليم من جهة عبر التهويل بالفوضى المطلقة في البلاد، ولأوروبا عبر ورقة النزوح من لبنان، وهي الغارقة في تجاذبات أزمات اللجوء وصعود اليمين، مع الحاجات الاقتصادية المتزايدة لتحالف اقتصادي جدي مع روسيا في مواجهة جشع أميركي في سلب المزيد من الأموال الأوروبية، على غرار ما يحصل في الخليج.

المصدر: صحف

البث المباشر