28-03-2024 01:50 PM بتوقيت القدس المحتلة

المقاومة والنصر الممنوع!

المقاومة والنصر الممنوع!

إذا كان البعض يرغب باستغلال السماحة لدى "الرَجُلَ الوقور" في هذا الوطن، فإنه قبل أحداث 7 أيار وخلالها وبعدها أعلن على الملأ أن نصر فريقٍ من اللبنانيين على آخر هو أمرٌ غير جائزٍ



أمين أبوراشد

يُحكى عن رجلٍ وقورٍ طاعنٍ في إحدى القرى اللبنانية، كان من أهل القدر، يعمل مخلصاً في كل ما يتَّصل بالشأن العام وهو ملاذ  قريته في الشدائد. يتصدَّر المجالس ويترأس الوفود، ويطرق الأبواب الموصدة من أجل تأمين الخدمات لوجه الله، وكانت لديه مشكلة واحدة مع قلَّة من أخصامٍ أحجم عن أداء خدمات خاصة لهم على حساب المصلحة العامة، وكان أيضاً الأولاد الصغار في  القرية يكرهون "تقطيبة" حاجبيه وجدِّيته وابتسامته النادرة، ويحاولون مماحكته بألفاظٍ ولّادية ويهربون في الزواريب الضيِّقة، وهو لا يلتفت للصبيانيات ويحدو على عصاه مُكملاً طريقه ويقول لمن يحاول نهرهم ونَهيَهُم: "إتركهم..ولاد.. بكرا بيكبروا".

أردنا سرد ملخَّصٍ عن حكاية هذا القروي الشهم لأبنائنا، ممَّن لم يكونوا قد ولدوا بعد في العام 1975، يوم اندلعت الحرب في لبنان وأحرقت على مدى خمسة عشر عاماً آلافاً من اللبنانيين ودمَّرت الوطن. ونسردها أيضاً لشبابنا وشاباتنا الذين لم يكونوا قد ولدوا بعد في العام 1982 يوم بدأت حكايتنا كلبنانيين مع هالةٍ مُهابة على امتداد العالم العربي إسمها "إسرائيل" وجيش لا يُقهر إسمه "جيش الدفاع الإسرائيلي" إحتلَّ أرضنا ونكَّل وثكَّل ودمَّر وشرَّد، ونحن كنا كما كل العرب نسطِّر  الشكاوى الى مجلس الأمن تماماً كَمَن لا يُجيدُ سوى العويل.

وحيث أننا بلغنا "سن الكرامة" في العام 2000 ونفضنا عنا الذلَّ والمهانة والعار العروبي، بتضحيات ودماء رجالٍ شرفاء من أبناء لبنان، وعمَّدنا جبين الكرامة اللبنانية عام 2006 وقضينا على "بيت عنكبوت" كان بعض العرب وما يزالون يرونه قلعة حصينة يسكنها "حاخامٌ قدِّيس" من "شعب الله المختار"، فحريٌّ بنا على الأقل الإنحناء لأحمر شهدائنا على العلم اللبناني ويكون لنا شرف الإنتماء لوطنٍ سيِّدٍ، وإن تخاصمنا في السياسة فلا يجوز لنا أن ننزل الى لعبة "صبيان الزواريب" ونُماحك ونُقارع الهامات الكبيرة، فلا الرجال هواة ملاعبة صبيان، ولا من يحمل على كتفيه هموم حماية وطن مستعدٌ للإنزلاق بهامته الشامخة الى جماعة الزواريب.

إذا كان البعض يرغب باستغلال السماحة لدى "الرَجُلَ الوقور" في هذا الوطن، فإنه قبل أحداث 7 أيار وخلالها وبعدها أعلن على الملأ أن نصر فريقٍ من اللبنانيين على آخر هو أمرٌ غير جائزٍ وهو "النصرُ الممنوع"، ولا أحد أحرص على الوطن وسيادته ووحدة مكوِّناته وأطيافه الشعبية، أكثر ممَّن حرَّر الوطن وردع عنه أشرس عدوان عرفه التاريخ المعاصر وسَيَّجَه بصدور شبابٍ مؤمنين بالله وبشعبهم وأرضهم.

قبل الأعمال الصبيانية التي قام بها على مثلَّث عبرا الإرهابي الفار أحمد الأسير، والعنتريات التي قام بها بجماهير من حمولة ثلاثة باصات يتجوِّل بهم في لبنان ويزرع الحقد كالأفعى التي تلدغ نفسها، وقبل ظاهرة عمر بكري فستق الذي لم تقُم القيامة في شوارع طرابلس وسواها عند القبض عليه، فالتاريخ لن ينسى من كانوا دون المستوى المطلوب في وطنيتهم عندما طعنوا المقاومة خلال دحر الإحتلال عم 2000 ولا خلال ردع العدوان عام 2006، ولا هُم يرحمون هذه المقاومة خلال مواجهتها تكفيريِّيّ العصر وشياطينه، وما زالوا على إصرارهم أنه ليس من حقِّ حزب الله الدفاع عن بلدة "القصر" الحدودية مع سوريا، ولا عن عشرات آلاف اللبنانيين القاطنين في القصير السورية الذين كانوا مشروع نحرٍ جماعي، ولا عن مواجهة الإرهاب الزاحف الى لبنان قبل أن يدخل حدودنا ويعيث في البشر والحجر ذبحاً وتدميراً.

في هذا الإطار لن ندخل في جدال مع من ينكرون على غبطة الكاردينال الراعي قوله أنه لولا حزب الله لدخلت داعش الى جونيه، ولا تعقيب سماحة الشيخ نعيم قاسم وتأكيده على هذا الواقع، بل نعود الى ما نشرته صحيفة "الأخبار" اليوم من نتائج استفتاء تؤكد أن ثلثي المسيحيين يعتقدون أن حزب الله هو من يحمي لبنان من الإرهاب، وكفى جدالاً في هذا الأمر لأن العيِّنة ولو كانت حصراً من المسيحيين فهي تعطي الفكرة عن كافة الشرائح الشعبية في هذا الوطن...

حَدثَان تزامنا في نهاية الأسبوع الماضي، إطلالة للرئيس السابق ميشال سليمان بمناسبة إفتتاح مستشفى في بلدة ميفوق، وإطلالة لوزير الداخلية في ذكرى استشهاد اللواء وسام الحسن:

لفخامة الرئيس السابق للجمهورية والقائد الأسبق للجيش، الحريص على "إعلان بعبدا" وخوفه من إلغاء هذه الوثيقة التي يعتبرها من إنجازات عهده نقول: هذا الإعلان جاء بعد منع الجيش اللبناني من الإنتشار في عكار لمنع تسلُّل السلاح والمسلحين الى ساحات "الربيع السوري"، وجاء لمنع دخول أسلحة "النأي بالنفس" على متن الباخرة "لطف الله" الى ميناء طرابلس، وقبل تعرُّض بلدة القصر اللبنانية للإعتداءات ودخول حزب الله اليها ومن ثمَّ الى القصير السورية، ومن نأى بنفسه عن متابعة معركة هو أعلنها وورَّط لبنان بها، فليترك لمن هو قادرٌ على حماية لبنان من مغامراته ورهاناته الخائبة أن يُنهيها ويضمن أمن لبنان.

ولمعالي وزير داخلية كل لبنان نقول: الجيش وقوى الأمن هُم لحماية كل لبنان وكل الشعب اللبناني، ولا يجوز تطبيق نظرية 6 و 6 مكرَّر بتطبيق المساواة غير العادلة بين من يُقاتل الجيش ويطعنه، وبين من يؤازره، والقوى الأمنية تُلاحق مرتكبين داخل الأراضي اللبنانية ممَّن يعتدون على الجيش ويتآمرون على وحدة الوطن، وسماحة الأمين العام لحزب الله عندما طلب من اللبنانيين حصر القتال في سوريا فلأن فريقاً كان السبَّاق الى ساحات ربيع العرب في سوريا، وحرصاً من سماحته على عدم الإقتتال في لبنان من منطلق إيمانه بـ "النصر الممنوع" في الداخل اللبناني تصرَّف كما العادة بشموخٍ وطني وتَعَالٍ عن الزواريب...

ختاماً، عسى غمام التكفير يرحل عن سماء الوطن، لأنه مهما اشتدَّت أبواق الشذوذ السياسي والشواذ الوطني، فهي لن تعلو على صرخات الشرفاء من كافة شرائح الشعب اللبناني، وليكُن الوطن بعهدة شعبٍ مؤمن بنفسه وبجيشه ومقاومته، وليكن الميدان للفرسان وأهل الوعي من كافة الأطراف لنجتاز محنة العصر، ولنترك الزواريب لصغار سيكبرون يوماً ...