29-03-2024 04:31 PM بتوقيت القدس المحتلة

قانون الإيجارات: القضاء ضاع و"ضيّعنا"

قانون الإيجارات: القضاء ضاع و

يمتلك المضاربون العقاريون قوّة هائلة: مجلس النواب أعطاهم قانوناً للإيجارات يؤمن مصالحهم على حساب 180 ألف عائلة مستأجرة. المجلس الدستوري أرضاهم بعدم الطعن بدستورية هذا القانون

 

فراس أبو مصلح


يمتلك المضاربون العقاريون قوّة هائلة: مجلس النواب أعطاهم قانوناً للإيجارات يؤمن مصالحهم على حساب 180 ألف عائلة مستأجرة. المجلس الدستوري أرضاهم بعدم الطعن بدستورية هذا القانون، بل بثلاث مواد منه فقط. هيئة التشريع والاستشارات أجازت تطبيق المواد غير المطعون بها على بعض عقود الإيجارات... في ظل هذا التخبّط، خرجت النقابة التي تمثّل المضاربين لتهدّد بأن مالكي الأبنية سيرفعون دعاوى لإخلاء المساكن بناءً على قانون الموجبات والعقود، أي بناءً على حرية التعاقد.

 

أصدرت هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، أخيراً، رأيها الاستشاري في ما إذا كانت المواد التي لم يبطلها المجلس الدستوري من قانون الإيجارات الجديد لا تزال سارية المفعول. أهم ما توصلت إليه الهيئة بالنسبة إلى الأماكن السكنية غير الفخمة هو أن مواد القانون من 3 إلى 37 غير قابلة للتطبيق، وأن القاضي المنفرد لا يستطيع الحلول محل لجنة التخمين التي استحدثها القانون وأبطلها المجلس الدستوري.

 

تعني النتائج تلك أن «القانون تعطل برمته في ما يتعلق بالإيجارات العادية»، بحسب المحامي نزار صاغية، ويوافقه في ذلك المحامي عادل يمّين الذي رأى أن المواد التي اعتبرتها الهيئة لا تزال صالحة لبتّ قضايا الأماكن السكنية غير الفخمة «غير جوهرية ولا تكفي لتنظيم العلاقة بين المستأجر والمالك وفصل المنازعات بين الفريقين». يتفق الجميع، رغم اختلاف الغايات، على ضرورة عودة القانون إلى مجلس النواب، فالأخير يقع عليه «واجب معالجة النواقص الناجمة عن قرار المجلس الدستوري (إبطال مواد أساسية من القانون)، تجنباً للإرباك القانوني والقضائي المتوقع»، بحسب يمّين، الذي يبدي قلقاً من أن يؤدي تطبيق القضاة لما ذهبت إليه الهيئة، في ظل انتهاء صلاحية قانون الإيجارات القديم، إلى اعتماد قانون العقود والموجبات، ما يترك علاقة المالك بالمستأجر للتعاقد الحر، وهو ما يؤدي عملياً إلى إخلاء المأجور، إذ إن مدّة العقود انتهت منذ سنين طويلة، وهي تخضع للتمديد بموجب قوانين استثنائية.

يرى صاغية في رأي هيئة التشريع، تطبيق قانون الإيجار الجديد على الأبنية الفخمة، «تمديداً» لوضعيتها المتميزة لتسع سنوات، وبالتالي «خلق لامساواة بين المستأجرين»، من شأن تطبيق قانون الموجبات والعقود على الأبنية العادية أن يعمقها، بما يناقض نية المشترع الذي رمى إلى مراعاة وضعية ساكني الأبنية العادية، لا الفخمة، ويتوقع صاغية بالتالي أن يرفض القضاة اعتماد قانون الموجبات والعقود، ويستندوا في أحكامهم إلى عرف تطبيق قانون الإيجارات القديم، ريثما يرمم المجلس النيابي القانون الجديد ويصدره. بحسب صاغية، لم يطبق القضاة سابقاً قانون الموجبات والعقود على عقود الإيجارات السكنية، «رغم الفجوات الزمنية الكبيرة»، التي كانت تحدث بسبب تأخر تمديد قانون الإيجارات القديم (الاستثنائي) لأكثر من مرة، وذلك سنداً إلى عرف يقضي بالاستمرار في تطبيق القانون القديم وعدم مخالفة نية المشترع. فاعتماد قانون الموجبات والعقود يشكل خرقاً لمبدأ المساواة، ولهذا التقليد القضائي، يقول صاغية.

 

قد يطمئن البعض إلى ما ذهب إليه صاغية، غير أن البعض الآخر يتوجس من دعوة نقابة مالكي الأبنية المؤجرة «للجوء إلى المحاكم المختصة في حال تمنُّع بعض المستأجرين عن تطبيق (قانون الإيجار الجديد)، فإما أن تصدر الأحكام بتطبيق القانون أو سيضطر المالك إلى اللجوء لقانون الموجبات والعقود لاستعادة حقه بالتصرف بملكيته الخاصة»! لكن إذا كان «13% فقط من أعضاء نقابة المالكين هم مالكون قدامى بالفعل، والباقون تجار وشركات عقارية» اشتروا العقارات بأسعار بخسة بعد حسم قيمة التعويضات المفترضة منها، كما يقول المحامي جاد صوان، فثمة سبب حقيقي للقلق، فالتهديد بقانون الموجبات والعقود (القائم على مبدأ حرية التعاقد) صادر عن جهة نجحت مراراً بإصدار القوانين وتعديلها على مقاس مصالحها وامتيازاتها.

تواظب نقابة المالكين على دفع الأمور باتجاه إخلاء قدامى المستأجرين لعقاراتهم، أو العقارات التي استحوذت عليها الشركات العقارية حديثاً، فقد كررت النقابة في بيان أصدرته أمس دعوتها "المالكين القدامى إلى استكمال التقدم بدعاوى الإخلاء وفق قانون الموجبات والعقود، قبل الوصول إلى تاريخ 28 كانون الأول ودخول القانون الجديد للايجارات حيز التطبيق»! جاء تكرار الدعوة تلك في سياق ردّ النقابة على اقتراحات تعديل قانون الإيجار الجديد التي تقدم بها النائب زياد أسود، إذ اعتبرت النقابة أنه «لا يقيم أي اعتبار للمالكين القدامى كفئة من المواطنين من حقها التصرف بملكيتها الخاصة وتوفير الدخل الشهري اللائق لها ولعائلاتها، ويتضمن نواحي تعسفية وظالمة بمعظم بنوده في حق المالكين، كالزيادة في عدد سنوات التمديد للمستأجرين عما ورد في القانون الجديد، وخفض نسبة الزيادة على بدلات الإيجار بشكل معيب يقارب البدلات شبه المجانية التي كانت مفروضة في القوانين الاستثنائية السّابقة للإيجارات».

من جانبه، رأى عضو لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين كاسترو عبدالله، أن استشارة هيئة التشريع «تؤكد أنه لا يمكن تطبيق قانون الإيجار الجديد، خاصة بعد اجتماع رئيس مجلس القضاء الأعلى مع القضاة المعنيين»، إذ ظهرت التباينات العميقة بين القضاة حول كيفية تعاطيهم مع قضايا الإيجارات القديمة. يرى عبد الله أن القانون الجديد «قسّم المستأجرين» عبر استثناء القانون لـ«الدولة» (التي تستأجر معظم مقارها الآن، بحسب عبد الله) ومستأجري المحالّ التجارية، ليُترك مستأجرو الأماكن السكنية في مواجهة مصيرهم بمفردهم اليوم. غير أن «الآراء المتناقضة» للقضاة ورأي هيئة التشريع والاستشارات وتقديم اقتراح تعديل للقانون من قبل نواب كتل «التغيير والإصلاح» و«جبهة النضال» والكتائب و«الوفاء للمقاومة» وعدد من النواب «لا بد أن يفرض على مجلس النواب إعادة درس مواد القانون جميعها، ليكون عادلاً وإنسانياً وله بعده الاجتماعي والاقتصادي، ولا يُحدث شرخاً طبقياً ومذهبياً».

 

http://www.al-akhbar.com/node/218152

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه