28-03-2024 08:36 PM بتوقيت القدس المحتلة

حُسِمت للفارس الإيراني على الكاوبوي الأميركي!

حُسِمت للفارس الإيراني على الكاوبوي الأميركي!

مشكلة أميركا منذ مستنقع فيتنام وصولاً لسقوطها في وحول الشام، مرورأ بخيباتها في أفغانستان والعراق، أنها كما وصفها ديبلوماسي أميركي سابق "تُجِيدُ صنع الفوضى لكنها لا تفقه قواعد الخروج منها"

أمين أبوراشد

سواء طالت مفاوضات الملف النووي الإيراني مع دول (5+1)، أو قَصُرت، فإن هذا الملف ما كان ليُفتح إلّا لأن أميركا لم يعُد لديها أوراق ضغطٍ على إيران، بعد سقوط الورقة الأخيرة التي تمثَّلت بعشر سنوات من الحصار الظالم على دولةٍ، ظنُّوا أنهم بحرمانها من قطع غيار الأسلحة الأميركية الموروثة من عصر الشاه سوف يطوِّعون إرادتها، فأطلَّت عليهم بصناعة نووية أبدعتها عقول علماء فيزياء إيرانيين دون الحاجة لصديقٍ تتوسَّل طهران مساعدته ولا لعدوٍّ تتسوَّل رضاه.

ولأن الملف النووي ذاهبٌ لا محالة الى الحلّ الذي تراه إيران مناسباً لتحقيق الغايات السلمية، بصرف النظر عن المفاوضات التي تتم بشأن عدد مفاعلات الطرد المركزي والنسبة المئوية لتخصيب اليورانيوم التي وصلت الى 20%، فيما الغرب يُطالب بأن تكون النسبة أقلّ، فإن أهمية هذه المفاوضات أنها أتت بعد تهديدات أميركية وإسرائيلية بالحلِّ العسكري، وبعد أن ثبُت أن هذه التهديدات زادت الحكومة الإيرانية والشعب الإيراني تمسُّكاً بهذا الملف السياديّ، ولجأت أميركا لفرنسا وبريطانيا وألمانيا لمشاركتها الضغط في مفاوضة إيران، فكان لإيران من الجهة الأخرى روسيا والصين الى جانبها إضافة لدول "البريكس" مما جعل المواجهة متكافئة، وحقَّقت إيران الفوز على الغرب والصهاينة دون الحاجة لإنتظار نتائج المفاوضات المتوقّعة في الرابع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، لأن تعثُّر التوصُّل الى اتفاق في هذا التاريخ لا يعني فشل المفاوضات بل استمرار التفاوض.

قد لا يعطي المتابعون أهميَّة لإنعقاد آخر طاولة مفاوضات نووية بين إيران والغرب، في العاصمة العُمانية بالذات، لكن هنا تكمُن الأهمية لمستقبل إيران الإقليمي، بأن يكون سلطان عُمان، قابوس بن سعيد، عرَّاب المفاوضات منذ بدايتها والمُدافع الخليجي الأوحد والأشرس عن حقوق إيران في الإستخدام النووي للأغراض السلمية، إضافة الى اتفاقيات التعاون وبناء جسر يربط ما بين عُمان وإيران، وتميُّز قابوس في مواقفه الرافضة لأية وحدة سياسية بين دول مجلس التعاون الخليجي بزعامة السعودية، مما قوَّض الأحلام الوهَّابية في السيطرة على القرار الخليجي، وعزَّز من قوة إيران وأخرجها من عزلة "هشَّة" حاولت العروش العائلية الخليجية أن تفرضها عليها.

صفقات بعشرات مليارات الدولارات من الأسلحة، أبرمتها دول الخليج مع أميركا خلال عشر سنوات، تحت ذريعة حماية نفسها في حال اعتُمد الحلّ العسكري ضدَّ إيران، فكانت النتيجة أن أُحِيلت هذه الأسلحة الى المستودعات، أو الى ساحات تذابح "الربيع العربي"، والدليل على ذلك أن مشتريات قطر ذات الثلاثمئة ألف مواطن من الأسلحة الأميركية خلال السنة الأخيرة من أوكتوبر/تشرين الأول 2013 حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2014 بلغت وفق صحيفة "هيرالد تريبيون" الأميركية أكثر من 11 مليار دولار من أصل 34 ملياراً إجمالي مبيعات الأسلحة الأميركية عن الفترة نفسها، ما جعل قطر المستورد الأول للأسلحة الأميركية وعوَّضت شركات إنتاج الأسلحة الأميركية خسائرها!   

وأمام مجلس تعاون خليجي مفكَّك نتيجة إنغماس دُوَلِه في لعبة الإرهاب و"صناعة الموت" ورسم "الإسرائيليات" المذهبية ضمن خديعة ما يُسمَّى بالربيع العربي، وأمام فورة الأكثرية الشيعية في البحرين التي يُحاربها الحُكم البحريني باستيراد وتجنيس خليجيين، وثورة الحوثيين المغبونين في اليمن وخروجهم من صعدة وسيطرتهم على سبع محافظات يمنية حتى الآن ووصولهم الى الحدود السعودية، الى انتصار "الروافض" على التكفيريين في العراق، إضافة الى مسلسل التكفير المتنقِّل بين تونس وليبيا وشمال سيناء، ها هي إيران "الولي الفقيه" تتَّجه بخطى حثيثة لتكون الوالي على هذا الشرق، وقد أكَّد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني السيد علي شمخاني على هامش استقباله وفداً شيوعياً صينياً رفيعاً برفقة مستثمرين كبار في كافة المجالات، أن دولاً عربية تواصلت معه وأبدت أسفها من مواقفها السابقة من إيران وتطلب إعادة تعزيز العلاقات الثنائية معها!

روسيا بصدد بناء مفاعلين نوويَّين في إيران، والصين دخلت في مشاريع حكومية إيرانية ضمن قطاع الطاقة بما فيها الماء والكهرباء والنفط والغاز والبتروكيماويات، إضافة الى قطاعات البناء والصناعة، ورفعت حصتها في تمويل المشاريع الإيرانية الى 52 مليار دولار، وها هي إيران تنتفض على كل حصار يطالها وترفض استكمال البحث في الملف النووي ما لم تُرفع عنها العقوبات الغربية بالكامل، فيما الدول العربية باتت بلا جامعة عربية تجمعها، ومجلس التعاون الخليجي يحاول لململة أشلائه، والإرهاب يقرع أسواراً تحاول السعودية بناءها لحماية حدودها "الرملية" كمن يبني بيوتاً على الرمال، وأوباما يهجُر البيت السعودي المفكَّك على خلفية صراع الأجنحة لوراثة العرش المهزوز، ويُراسل المرشد الأعلى للثورة الإيرانية السيد علي خامنئي طالباً المساعدة في الحرب على داعش، علماً بأن إيران تقوم أصلاً بمكافحة الإرهاب في سوريا والعراق دون استئذان أميركا ولا الدخول في تحالفات صُوَرِيَّة.

في الخُلاصة، مشكلة أميركا منذ مستنقع فيتنام وصولاً لسقوطها في وحول الشام، مرورأ بخيباتها في أفغانستان والعراق، أنها كما وصفها ديبلوماسي أميركي سابق "تُجِيدُ صنع الفوضى لكنها لا تفقه قواعد الخروج منها".
ومشكلتها الأفدح أنها لا تقرأ ثقافات الشعوب، ولا تميِّز بين شعبٍ عقائدي قامت ثورته على الحقِّ في مواجهة الإستكبار، وجاع وصَبَر وأبدَع رغم الحصار، وبين شعبٍ ذليلٍ يستقبل احتلالها برقصة السيوف إرضاء لعرش "وليِّ الأمر".
ومشكلة أميركا الأكثر فداحةً، أنها لا ترغب تصديق فتوى مرشد الثورة الإيرانية، التي تحرِّم من المنظور الديني امتلاك إيران الطاقة النووية لأغراضٍ عسكرية، لأنها تعُتبر من أسلحة الدمار الشامل التي قد يذهب ضحيتها أبرياء، لكن حقَّها في الإستخدام السلمي كرَّسته والى الأبد رغماً عن أميركا والغرب والأنظمة العربية التكفيرية التي تزرع الأبرياء صرعى على أرصفة "الربيع العربي" إرضاء لـ "الفوضى الخلاَّقة" التي ابتدعتها أميركا.

وفي المحصِّلة النهائية، تموضعت إيران بين دول البريكس وتستعد لدخول الحلف الأوراسي، وكرِّست نفسها قوَّة إقليمية عملاقة بالحقّ، تُقارع أميركا وإسرائيل وعرب الإرتهان في ممالك وإمارات أشبه بجمهوريات الموز، واللعبة باتت على وشك النهاية لإعلان فوز الفارس الإيراني في ميادين الحق على امتداد الشرق في مواجهة كاوبوي أميركي يثير الفوضى ولا يفقه الخروج منها، ويتوسَّل إيران للمساعدة بخروجٍ آمنٍ لقواته من أفغانستان بنهاية العام الجاري...