29-03-2024 05:20 PM بتوقيت القدس المحتلة

سوريا: حرب الوهابية والاعتدال!

سوريا: حرب الوهابية والاعتدال!

مع انطلاق شرارة الأحداث في سوريا في العام 2011، خرجت أصوات كثيرة حاولت تصويب البوصلة، ومحاكاة الأحداث من منظور أكثر شمولية، لكنها بدت بصوت مبحوح لا صدى له

 

 

علاء حلبي

 

مع انطلاق شرارة الأحداث في سوريا في العام 2011، خرجت أصوات كثيرة حاولت تصويب البوصلة، ومحاكاة الأحداث من منظور أكثر شمولية، لكنها بدت بصوت مبحوح لا صدى له، متهمة بالتآمر على «الثورة» تارة، وبمحاباة النظام تارة أخرى، لتذهب تحذيراتها أدراج الرياح، قبل أن يقضي أصحابها الواحد تلو الآخر، دافعين حياتهم ثمناً لموقفهم. ولعل أبرزهم الشيخ العلامة محمد سعيد رمضان البوطي، الذي أحيا محبوه قبل أيام الذكرى الثانية لمقتله في 21 آذار العام 2013 بتفجير انتحاري استهدفه خلال أحد دروس العلم في مسجد الإيمان بدمشق.


فماذا كانت النتيجة؟.

التحذيرات العديدة التي أطلقها رموز وعلماء الإسلام في الشام مع بداية الأحداث، المبطنة تارة والواضحة تارة أخرى، حول ماهية الأحداث ودوافعها الحقيقية، التي قالوا إنها «تستهدف بشكل أساسي شكل الإسلام في سوريا»، حيث يتم بشكل ممنهج قلب الإسلام في البلد الصوفي المعتدل إلى «نسخة طبق الأصل عن الوهابية السعودية»، لا يبدو أنها خرجت بشكل عبثي حينها، أو دفاعاً عن نظام سياسي أو تملقاً لموقف.

وللتذكير، فإن الوهابية هي مصطلح أطلق على حركة إسلامية سياسية قامت في منطقة نجد في السعودية، في القرن الثامن عشر، على يد محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود حيث تحالفا لنشر الدعوة. إذ أعلن محمد بن عبد الوهاب «الجهاد» فشن سلسلة من الحروب (وكانوا يسمونها غزوات) صادروا فيها أموال خصومهم من المسلمين في شبه الجزيرة (وكانوا يسمونها غنائم).

«ما شهدته سوريا لاحقاً بين صوابية موقفنا ووضوح رؤيتنا»، يقول باحث إسلامي صوفي، فضل عدم الكشف عن اسمه. ويضيف، خلال حديثه إلى «السفير»، إن «دفاعنا عن الدولة السورية بكل مكوناتها، وتأكيدنا أن ما يجري هدفه ضرب سوريا في مقتلها هما الموقف الأشمل الذي اتخذناه لأسباب عديدة، فالحرب في سوريا امتدت، ضربت الاقتصاد، ومؤسسات الدولة، والتراث، ومكونات المجتمع كافة، بما فيها العلامة الفارقة للشام، وأعني هنا: الإسلام الشامي الصوفي المعتدل». ويتابع: «انظر بشكل أوسع لما جرى في سوريا خلال السنوات الماضية، وقارن ما جرى فيها مع العراق. ما يجري فعلياً هو عملية مسح للتسامح، وإلغاء للتيار النوراني الروحاني البناء، وتنمية للتطرف والتكفير والهدم».

ويشدد الباحث على أن «التيار السلفي الجهادي المتجذر عن الوهابية تمكن فعلاً من غرس بذوره في التربة السورية، وتمدد بفعل القوة والدموية على حساب التيار الروحاني المسالم»، موضحاً «قبل خمسة أعوام كانت الشام مقصداً للباحث عن الله بعقله وقلبه، أما الآن فأضحت مقصداً للباحث عن الدماء والدمار».

ويتقاطع حديث الباحث الصوفي مع حديث مصدر متابع لنشاط «الجهاديين» في سوريا. ويؤكد المصدر، خلال حديثه إلى «السفير»، أن «السلفية الجهادية وبفعل السنوات الأربع تجذرت في سوريا». ويشرح «منذ بداية الأحداث سعى الجهاديون لنشر أفكارهم، كفّروا الآخرين وقطعوا الكثير من الرؤوس، هرب كثيرون، ومن بقي انساق في نهجهم، فكفر بالاعتدال وحمل سيفه هو الآخر».

ويضيف: «كما اهتم الوهابيون بالأطفال، كثفوا مناهجهم لترسيخ أفكارهم التي أقاموا لأجلها عدداً كبيراً من الجمعيات في البداية تحت ستار تحفيظ القرآن، أو تعويض توقف المدارس، فضمنوا جيلاً مشبعاً بأفكارهم». ويضرب المصدر مثالاً على ما قام به أصحاب الفكر السلفي في سوريا بأنهم «كمن قام باقتلاع الأشجار، وقلب التربة، وإعادة زراعتها من جديد بأنواع أخرى».

وتعالت، قبل عامين وبعيد اغتيال البوطي، الأصوات المحذّرة من تمدد الوهابية، فأعيد نشر دراسات وخطب العلامة التي تحذر من خطر الوهابية، وأبرزها محاضرته الشهيرة، التي ألقاها في العام 2003 تحت عنوان: «الأسافين البريطانية الثلاثة لتفتيت الوحدة الإسلامية»، التي قال فيها بشكل صريح إن «الوهابية من صنع بريطانيا.. الهدف أن يقضي الإسلام نفسُه على نفسِه». (تناولت «السفير» قضية الحرب الوهابية على الصوفية حينها بمادة حملت عنوان: مشهد أعمق من أزمة سوريا: حرب وهابية على الإسلام الصوفي).

إلا أن «الهبّة» عادت لتنطفئ تدريجياً، على وقع استمرار التفجيرات، واستمرار تدفق الدماء، التي التهمت، وما زالت تلتهم «الإسلام الشامي» بشكل متتال، الأمر الذي دفع عدداً كبيراً من أعلام هذا التيار لمغادرة سوريا إلى تركيا، ومصر، ودولة الإمارات، حسب ما أكد الباحث الإسلامي، في حين أصر آخرون على البقاء في سوريا.

الدكتور محمود عكام، مفتي حلب والباحث الإسلامي وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يرفض خلال حديثه لـ «السفير» تسمية الإسلام المعتدل بـ «تيار»، موضحاً أن «الاعتدال هو البحث عن العدل في القضية التي يتم بحثها، ثم التحقق به والتزامه، ولهذا لا يمكن أن يكون هناك تيار معتدل وغير معتدل، بل كلا التيارين مسلمان، لكن ثمة من يبحث عن الإسلام الحق ومقولاته الأكيدة الثابتة في الأمر المعروض، ويبذل من أجل ذلك قصارى جهده الفكري والبحثي، وقد تسلح بأدوات أصول الاستنباط أيّما تسلح، وثمة آخر من لا يكلف نفسه هذا العناء، فيكتفي بظاهر النص ودلالاته القريبة فيطبقه وينفذه، غير ناظر إلى روح النص ولا إلى مآلاته ونتائجه، ولا إلى سياقاته الزمنية والمكانية».

ويضيف عكام: «من هنا نعتبر أن التطرف وجهة نظر إسلامية، لكنها منقوصة، فهي التي تقف على طرف واحد من دون استيعاب للطرف الآخر»، مُفَرِّقاً في الوقت ذاته بين أشكال التطرف «فهناك المتطرف المتشدد اليميني، وهناك المتطرف اليساري المتسيّب».

ويرفض عكام، الحاصل على الدكتوراه في الفكر الإسلامي السياسي من جامعة «السوربون»، وصف شكل الإسلام في سوريا بـ «الإسلام الشامي»، موضحاً أن «هذا تقسيم ديني جغرافي فوضوي»، مضيفاً أن ما يمكن الحديث عنه هو «عالم صادق جاد ذو عقل واعٍ، وذو اطلاع كافٍ على النص من حيث ثبوته وخصوصه وعمومه وإطلاقه وتقييده، وظروفه، وآخر ربما كان صادقاً، لكنه غير مؤهل عقلاً ونقلاً لاستنباط الأحكام بناءً على النظر في المآلات المعتبرة وامتلاكه الأدوات الاستنباطية، ومعرفته الظروف، فهو لا يدرك ذلك كلّه».

وخلال حديثه، يستعمل مفتي حلب لغة علمية، مستخدماً المحاكمة العقلية البعيدة عن التهجم أو الاتهام، إلا أنه في الوقت ذاته يشدد على أن هناك «قاعدة حاكمة على كل حكم ينسب للإسلام، هي: إذا لم تر العدل والرحمة يشعان من كل حكم أو فتوى يصدران تحت اسم الإسلام، فاعلم أنهما الحكم والفتوى بحاجة إلى إعادة نظر». ويضيف: «على الذين يصدرون الفتاوى والأحكام أن يكونوا من أولي العقول الواعية الذكية، ومن مستوعبي النصوص الموثقة الصحيحة المتعلقة بالشأن المبحوث والمدروس».

وعلى الرغم من تمدد التيار المتشدد في سوريا، وانحسار الخطاب العقلاني التنويري للإسلام، يبدو خطيب الجامع الأموي الكبير في حلب متفائلاً بالمستقبل. ويقول إن «سوريا بلد عريقة وهي ذات حضارات متعددة متنوعة، وقد اعتاد أبناؤها على عمق التفكير وإجراء المقارنات وإقامة المقاربات، نتيجة التجارب الحياتية الوفيرة الغنية التي مرت بهم ومروا بها، ولهذا فأهل العلم فيها ـ في مختلف المجالات - خاصة أهل العلم الشرعي، لا يمكن أن يستقبلوا فكرة أو رأياً إلا إذا قلّبوه من كل الوجوه، وقارنوه وقارنوا به ونفذوا إلى عمقه». ويتابع: «لأنهم كذلك، فإني أستبعد رسوخ تيار متطرف في شتى الصعد الفكرية والثقافية والعلمية والدينية، فسوريا محط رحال العلماء واستراحة التجار العابرين للقارات، وهي رابطة الشرق مع الغرب. فالإسلام الذي سيتجذر فيها، بإذن الله، هو الإسلام الصافي الذي لم يمسه ضعف فكر، أو كسل توثيق، أو استغلال دنيء».


http://assafir.com/Article/410892

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه