29-03-2024 12:53 AM بتوقيت القدس المحتلة

أوهام الأمير تركي الفيصل وجراح غزة

أوهام الأمير تركي الفيصل وجراح غزة

عدتُ من جديد إلى "رسالة السلام " الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية صاحبة اليد الممدودة إلى مؤتمر إسرائيل للسلام، الذي عقد يوم الثلاثاء ٨ تموز ٢٠١٤ ، برعاية صحيفة "هاريتس" في تل ابيب.

خالد عياصرة
 

عدتُ من جديد إلى  "رسالة  السلام" الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية صاحبة اليد الممدودة إلى مؤتمر إسرائيل للسلام، الذي عقد يوم الثلاثاء ٨ تموز ٢٠١٤ ، برعاية صحيفة "هاريتس" في تل ابيب.  

تعالوا نحلم للحظة.. تخيلوا أن أستطيع أن أركب الطائرة من الرياض وأطير مباشرة إلى القدس، وأركب من هناك سيارة أجرة لأزور قبة الصخرة، ومن ثم أزور قبر إبراهيم في الخليل. ثم أعود إلى بيت لحم لأزور كنيسة المهد، وبعدها إلى متحف المحرقة اليهودية، تماماً كما قمت سابقاً بزيارة متحف الكارثة في واشنطن، عندما كنت سفيراً هناك.

يقول الأمير تركي، مطلقا العنان لاوهامة. وكأنه بذلك لا يفرق بين الأوهام وبين الأحلام، إذ كيف يبيت الذئب مع الحمل، وكيف يقبل المسروق اعتذار السارق، وباي دين أو قانون او خلق، يرضى الشهيد مصافحة الجزار.

ويتابع منتشياً :” يا لها من لذة ألا أدعو الفلسطينيين فقط، بل الإسرائيليين الذين سألقاهم أيضاً، ليأتوا لزيارتي في الرياض، حيث يستطيعون التجول في بيت آبائي في الدرعية التي تشبه معاناتها التي نالتها من قهر إبراهيم باشا معاناة القدس على يد نبوخذ نصر والرومان».

أليس من باب أولى أن تستقبل أهالي غزة، وتدعمهم، وتلبي احتياجاتهم، قبل أن تلبي دعوة اصدقائك ممن استباحهم على مرائ ومسمع خام الحرمين  - هل يدري - اأيس من باب أولى أن تلتفتوا إلى الدماء المراقة والأجساد المحترقة، وشح الأكفان، بعدما أنشبت إسرائيل مخالبها في الجسد الفلسطيني.

 كمن يقتل القتيل ومن ثم يمشي في جنازته، هذه الجملة تنطبق على بعض انظمتنا العربية، في تعاملها مع الحاصل لا في غزة فقط، بل في كامل فلسطين، إذ لا فرق بين غطرسة إسرائيل وجبروتها التي صبت لجام غضبها على غزة، وبين غطرسة وجبروت سلطة التنسيق الأمني في الضفة الغربية بقيادة محمود عباس، وزمرته، وبينكم.

 انظمة، تلوك لنا معسول الكلام، لكنها في سهراتها ولياليها الحمراء تنصب لنا شراك الموت، تطبيقا لرغاباتها، ومشاريعها ذات الارتباط الدولي.

لا فرق هنا بين من أمير المؤمنين، وبين خادم الحرمين، وبين سلطان أو ملك بين وزير أو سفير، في هذا، فالجميع في العمالة سواسية، وما الشعوب التي يحكمونها في نظهرهم إلا خراف تساق إلى حتفها، وقتما يشاؤون، دون سؤال، يأمرون فيطيعون.

أجساد شعبنا تتساقط كما أوراق الشجر، على البطئ، كل يوم جرعة، كل يوم وجبة، وأنتم تكتفون بالتنديد  والاستنكار، لكنكم لا تتحركون، فبين معاق حركي، ثمة معاق عقلي، وبين هذا وذاك يوجد مجنون.

لا بل أن بعضكم يطالب بفتح تحقيق للوقوف على ملابسات تفجير الطائرة الماليزية فوق اوكرانيا، ولا يطالب بفتح تحقيق للكشف عن جرائم الاحتلال في غزة، وجرائم عباس في الضفة.

 كما غيري أتابع ما يجري في غزة، أشعر في احياناً أن الروح وصلت الحلقوم، وفي أخرى ان الجسد مكبل بقيود، لا يستطيع أن يتحرك، لا نملك شيئاً نقدمه، إلا  الدعاء، وهذا حجة المتخاذل، الضعيف، فمنذ عقود نحن ندعو دون مجيب، اسأل هل يرانا الله، أصمت، واستغفره فهو قريب او شيء من هذا القبيل، لا نملك إلا بعض الكلام، قد لا يشكل فارقاً، أمام كل هذه الرواح التي استبيحت والأجساد التي قطع بعضها، فيما الآخر ينتظر الجولة الجديدة !

اجساد تتساقط، لتعتلي، واجساد تموت وهي في الحياة، فرق كبير بين هذه وتلك، بين من أخذت ناصية الدفاع عن شرفها، وبين من توارت خوفا من انظمتها وجبروتها، مع أن الجهاد واجب في كلا الحالتين. لكن ثمة فرق كبير بين الذي يقدم روحه في سبيل غيره، وبين من يتحسس رقبته رعباً .

غزة تقصف لا جديد، في ذلك، فقد اعتدنا على فلسطين، وعلى جراحها التي تفتح بيد الأخ القريب قبل العدو الغريب، اعتدنا مشاهد الشهداء، والجرحي وشلالات الدماء، على الحصار والتجويع، والتركيع لشعب يرفض الخنوع.

 اعتدنا ذلك، لكننا لم نتحرك، فكم شهيد إعتلى من هناك إلى جانب الله، كم جريح مازال مسك جرحه يسيل لكنه ممسكاً على جذوة الحق المبين، كم أرملة، وكم طفل يصحو في غياهب الليل ليبحث عن أمه، او ليذهب لحضن أبيه.

 كم بيت هدم ليتحول إلى صفيح أو خيمة في صحراء، كم شجرة اجتثت من جذورها، لأن حكامنا العرب لم يصحو بعد من سكراتهم، ولياليهم الحمراء، لأن مسؤولينا فضلوا حماية جسد ليفني والتوقيع عليه، دون أن يلتفتوا لحماية اجساد الآخرين.

ان تطلق المقاومة الفلسطينية صاروخا، دفاعا عن شرفها، وارضها وعرضها، وخياراتها واستراتجياتها، تصير في نظر المنبطحين من عوالق اوسلوا وتوابها، صواريخ عبثية، لكن ان تقصف اسرائيل احياء باكملها، وان لا تفرق بين مدرسة وسيارة اسعاف ومسجد، تصير اسرائيل مدافعة عن شرعيتها، وان تعدتي اسرائيل على غزة على مرئى من الحكومة الكرتونية المسماه الوفاق الوطني بقيادة الممثل رامي الحمد لله، ومباركة الارجاوج محمود عباس، دون ان تنطق بكلمة دفاعا عن شعبنا في غزة، تصير حماس والجهاد الاسلامي وباقي المقاومة السبب في استثارة حفيظة اسرائيل وجبروتها، وان ترفض المقاومة المبادرة الذل والعار المصرية، تصير هنا عميلية تريد ابادة الشعب الفلسطيني، لكن ان يرضى على نفسه السيد محمود عباس اعتقال وتعذيب الفلسطينين في الضفة الغربية، حفاظا على راحة وامن اسرائيل، فهذا الجنون بعينه.

ما نراه اليوم، من تخاذل، وانبطاح ونباح وانسطاح عربي، بقيادة انظمة، ليدعونا جميعا، للترحيب بداعش، واخواتها وشقيقاتها وبنات عمها، اذ يكفيها الوضح، لا مثلكم، تسكرون في النهار وتصحون في الليل، تقولون في النهار وتفعلون في الليل، او يفعل بكم .