28-03-2024 05:55 PM بتوقيت القدس المحتلة

الاقتصاد السوري في ظل الحرب: نفق مظلم ومفخخ!

الاقتصاد السوري في ظل الحرب: نفق مظلم ومفخخ!

هذا التقرير ليس هو التقرير الوطني السوري حول تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية والذي يصدر سنوياً عن الحكومة السورية بالتعاون مع منظومة الأمم المتحدة


140 مليار دولار خسائر.. أمراض ووفيات مرتفعة.. وخوف من الأميّة


علي شقير

هذا التقرير ليس هو التقرير الوطني السوري حول تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية والذي يصدر سنوياً عن الحكومة السورية بالتعاون مع منظومة الأمم المتحدة، إنما تقرير أعدته «اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا» في الأمم المتحدة (الإسكوا)، يتطرق إلى هذا الموضوع في معرض التحليل حول تداعيات الأزمة على الاقتصاد الكلّي. والتقرير يتضمن بيانات ومعطيات عن واقع الاقتصاد والتنمية في سوريا حتى نهاية العام 2013، بالإضافة إلى تحليل من فريق الإسكوا بشأن التوقعات المستقبلية، معتمداً على بيانات المؤسسات الحكومية السورية وعلى بيانات مؤسسات ووكالات الأمم المتحدة بحسب اختصاصاتها، وعلى تحليلات ومعلومات الخبراء.

وخلص التقرير إلى أن العام 2013 هو الأسوأ على جميع الصعد منذ بدء النزاع. فقد شهد تدهوراً مستمراً في المؤشرات التنموية، وامتداد النزاع المسلّح إلى مناطق واسعة، وازدياد أعداد النازحين داخل البلد وخارجه. وتقلّص النشاط الاقتصادي في جميع القطاعات والمناطق، وإغلاق أعداد كبيرة من الشركات وتسريح العاملين فيها، الأمر الذي أدى إلى تراجع المعروض من مجموعة كبيرة من السلع والخدمات في السوق، وارتفاع حاد في معدلات البطالة، وتدهور سعر الصرف الرسمي للّيرة السورية في مقابل العملات الأجنبية وانتشار تهريبها والتجارة بها في السوق السوداء، ما أسفر بدوره عن ارتفاع حاد في أسعار السّلع المستوردة.

ولم تستفد القاعدة الإنتاجية للاقتصاد السوري من انخفاض قيمة العملة المحلية، فانخفضت الصّادرات بشكل كبير، في ظلّ تفاقم العجز في الميزان التجاري بفعل العقوبات المفروضة على التجارة الخارجية والمعاملات الماليّة. وبطبيعة الحال، اتّسع العجز في الموازنة مع زيادة مخصصات الإنفاق الجاري، وتقلّصت الإيرادات الضريبية وعائدات النفط، فارتفع الدّين العام ارتفاعاً حادّاً. كذلك تراجعت الخدمات العامة نتيجة تدمير محطّات الطّاقة ومضخّات المياه ومحطّات معالجة الصرف الصحي ووسائل ومحطّات النقل والمستشفيات والمدارس وآبار وخزّانات وأنابيب النفط ومشتقاته وأعداد كبيرة جداً من الأبنية السكنيّة.

وانخفض الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي (بالأسعار الثابتة للعام 2010) من 60 مليار دولار في العام 2010 إلى 56 مليار في العام 2011، ثمّ إلى 40 مليار دولار في العام 2012، وإلى نحو 33 ملياراً في العام 2013. وتقدّر الخسارة الإجمالية للناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي (بأسعار 2010) خلال السنوات الثلاث الماضية بنحو 70.67 مليار دولار.

وتشير البيانات الواردة في التقرير إلى دخول الاقتصاد السوري في ركود تضخّمي، وارتفاع مستويات تضخّم أسعار المستهلك بشكل ملحوظ خلال فترة النزاع حتى بلغت أعلى مستوى لها (89.62 في المئة) في الفترة 2012-2013. وتضخّمت بشكل خاص أسعار المواد الغذائية والمشروبات، التي ارتفعت بنسبة 107.87 في المئة في الفترة نفسها. ويعود تسارع التضخّم إلى انخفاض قيمة الليرة السورية في مقابل العملات الأخرى في السوق السوداء، وارتفاع الأسعار نتيجةً لذلك بنسبة 173 في المئة خلال الفترة 2010-2013.

ويقدَّر مجموع الخسائر التي تكبّدها الاقتصاد السوري طوال السنوات الثلاث للنزاع (2011ـ2013) بنحو 139.77 مليار دولار، تكبّد القطاع الخاص خسائر بقيمة 95.97 مليار دولار (68.7 في المئة) من الخسارة الاقتصادية الإجمالية، بينما بلغت خسائر القطاع العام 43.8 مليار دولار.

وتناول الفصل الثاني من التقرير أهداف الألفية، والتي كانت سورية قد حققت تقدماً كبيرا فيها، وتم تصنيفها في آخر تقرير (2010) في المرتبة الثالثة بين الدول العربية في تحقيق أهداف الالفية، وهي الآن في المرتبة قبل الأخيرة عربياً قبل الصومال.

وكانت سوريا نجحت في خفض نسبة السكان الذين يقل دخلهم عن 1.25 دولاراً في اليوم إلى اجمالي السكان من 7.9 في المئة إلى 0.2 في المئة في الفترة من 1997 إلى 2010. غير أنّ هذا المشهد تغيّر جذرياً مع نشوب النزاع. وسرعان ما ارتفعت جميع مؤشرات الفقر وخطّيه الأعلى والأدنى والفقر المدقع، لعدة عوامل منها ارتفاع معدلات البطالة نتيجة تعطّل النشاط الاقتصادي في معظم القطاعات، والارتفاع الكبير في أسعار المواد كافة نتيجةً لانخفاض مستويات الإنتاج المحلي للبضائع والخدمات وندرة بعضها، والحصار الاقتصادي الذي أدى إلى انخفاض كبير في حجم الواردات، وتراجع القوة الشرائية لليرة السورية، ووصل عدد السكان تحت خط الفقر الأعلى إلى أربعة ملايين شخص (18 في المئة).

من جهة ثانية، انخفضت نسبة الالتحاق الصافي في التعليم الأساسي من 98.4 في المئة في العام 2011 إلى 70 في المئة في العام 2013، وأثّر النزاع بصورة أكبر على تعليم البنات، لا سيما في المرحلتين الثانوية والعالية.

وصحياً، شهدت معدلات تحصين الأطفال ضد الأمراض تدهوراً كبيراً. فبعدما كانت نسبة التحصين بواسطة جميع أنواع اللقاحات تتراوح بين 99-100 في المئة في جميع المحافظات قبل النزاع، انخفضت هذه النسب لمعظم أنواع اللقاحات حتى أصبحت تتراوح بين 50 و70 في المئة حسب المحافظات، وشارفت على الصفر في بعض المناطق.

أما معدل وفيات الأمهات، فيستمر في الارتفاع منذ بداية النزاع في العام 2011. وقدّر أن يصل إلى 62.7 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة بدءاً من العام 2013، نتيجة لضعف خدمات الصحة الإنجابية بفعل تضرر البنى التحتية والمنشآت الصحية، ونقص الأدوية بفعل توقّف معظم الإنتاج المحلي واستمرار الحصار الخارجي، وانعدام الأمن على الطرق في مساحات واسعة من البلد، على امتداد الأرياف والمدن، في عدة محافظات.

وأدى النزاع إلى عودة أمراض كان السوريون قد نسوها، وإلى تفاقم أمراض كانت معدلات انتشارها منخفضة. فقد عاد شلل الأطفال ليظهر من جديد بعد غياب دام لأكثر من 14 عاماً، في موازاة ارتفاع عدد المصابين بأمراض الحصبة والتيفوئيد والتهاب الكبد الفيروسي والغدة النكافية.

وسجل مرض اللاشمانيا انتشاراً واسعاً، حيث أوقع 41 ألف إصابة في النصف الأول من العام 2013، بسبب التلوّث المستشري وسوء النظافة ورداءة الصرف الصحي وانتشار القمامة في مناطق واسعة من البلد، لا سيما في محافظة حلب. وظهرت حالات جديدة من فيروس نقص المناعة البشرية، «الإيدز»، نتيجة ظروف أوجدها النزاع مؤاتية لذلك، مثل دخول أشخاص أجانب إلى البلد، وتردّي الحالة الاقتصادية، وزيادة الضغوط النفسية.

ولم يقتصر تأثير النزاع على البشر والحجر بأبعادهما ومؤشراتهما المتعددة، بل طاول الغطاء النباتي أيضاً. فقد التهمت الحرائق مساحات واسعة من الغابات التي تحتوي أشجاراً ورثتها الأجيال السورية منذ مئات السنين في محافظتي اللاذقية والقنيطرة. كما دفع ارتفاع أسعار وقود التدفئة وقلة توفره بشريحة واسعة من السكان إلى التحطيب الجائر الذي لم يقتصر على الغابات، بل تعداها ليطال أشجار الحدائق والأرصفة والمحميات الطبيعية.

وأوقفت معظم دول التعاون الثنائي مساعداتها وبرامجها الإنمائية، وغادرت معظم البعثات الدولية المعنية بتنسيق هذه البرامج والمساعدات، باستثناء الوكالات التابعة للأمم المتحدة جزئياً، وكل ذلك تحت وطأة عقوبات اقتصادية ومالية فرضتها مجموعة كبيرة من الدول.
وتناول الفصل الأخير من التقرير التوقعات بشأن مستقبل الأهداف الإنمائية للألفية في سوريا في ظل استمرار النزاع، وذلك على صعيد الحوكمة والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وفرص التقدّم المحتملة.

ويؤكّد هذا الفصل أن توقّعات الخبراء بشأن الانهيارات الكبرى في الاقتصاد السوري خلال سنوات النزاع قد تحققت، والخسائر الكبرى قد وقعت. وبطبيعة الحال، انعكس ذلك على الحياة اليومية للناس. فاحتياطي المصرف المركزي السوري من العملات الأجنبية انخفض بنسبة 67 في المئة منه خلال ثلاث سنوات فقط، من أجل تثبيت سعر صرف الليرة السورية عند حدود 150 ـ 160 ليرة للدولار الواحد. وبالتالي، سيكون مصير الليرة السورية في العام 2015 رهناً بمجريات النزاع ومستوى الدعم الخارجي.

كذلك، انخفضت قيمة الناتج المحلي الإجمالي مجدداً في العام 2013 بنسبة 16.7 في المئة، بعدما تراجعت بنسبة 28.2 في المئة في العام 2012 حتى بلغت نصف ما كانت عليه في العام 2011. ومن المتوقع أن يستمر هذا الانخفاض، ولو بوتيرة أقل، بنسبة 14.27 في المئة في العام الحالي، وأن يبلغ في العام 2015 نحو 4.68 في المئة، حتى يصل الناتج المحلي الإجمالي إلى 27.3 مليار دولار، أي ربع مستواه كما كانت المؤسسات الدولية تتوقّعه للعام نفسه.

ومع استمرار النزاع، يُتوقّع أن تترجم انعكاسات هذا التدهور الاقتصادي محنةَ اجتماعية على عدة مستويات:
في العام 2015، يُتوقّع أن يرتفع معدل وفيات الأطفال دون الخامسة إلى 28.8 طفل لكل ألف نسمة، وأن يصل معدل وفيات الأطفال الرضّع دون عمر السنة إلى 28.7 حالة لكل ألف طفل، في مقابل 23.3 في العام 2013. ويُتوقّع أيضا أن تنخفض نسبة الأطفال المحصّنين ضد الحصبة إلى 40 في المئة، وأن يرتفع معدل وفيات الأمهات إلى 73.4 حالة وفاة لكل مئة ألف ولادة. ونتيجة الظروف الراهنة، ستتراجع نسبة الولادات التي يجريها عاملون صحيون مؤهلون إلى 50 في المئة، ونسبة استخدام وسائل تنظيم الأسرة إلى 36 في المئة.

في السنوات القليلة المقبلة، يُتوقّع أن تتدنّى نسبة الالتحاق بالتعليم الأساسي إلى 50 في المئة في الفئة العمرية 6ـ11 سنة، وإلى 30 في المئة في صفوف التلاميذ في الصفين الأول والنهائي من مرحلة التعليم الابتدائي، وهي نسبة متدنية إلى حدّ مخيف ستترك أثرها المدمّر على مستقبل البلد لعقود طويلة. فالخبراء اليوم يتوقّعون أن ينشأ جيل من الأطفال دون الـ15 ضحايا للأمية. وبالرغم من التوقعات بأن يبلغ الإلمام بالقراءة والكتابة في الفئة العمرية 15 ـ 24 نسبة 94.3 في المئة في المستقبل المنظور، فمن المؤكد أنّ هذه النسبة ستنحدر بشكل كبير خلال السنوات المقبلة بسبب الانخفاض الحالي والمتوقّع في نسب الالتحاق بالتعليم.

وفي العام 2015، يُتوقع أن تبلغ نسبة البنات إلى البنين في مرحلة التعليم الأساسي 90.8، وأن تصل إلى 92.5 في مرحلة التعليم الثانوي، و53.6 في التعليم المهني. ويتوقع أن تنخفض نسبة البنات إلى البنين في مرحلة التعليم الجامعي لتصل إلى 76.1.

ولعل أخطر ما تتضمّنه هذه الدراسة هو تقديرات الخبراء بشأن الفقر الذي يُتوقّع أن يصل خطه الأدنى في العام 2015 إلى 59.5 في المئة وخطه الأعلى إلى 89.4 في المئة. وهذا يعني أنه إذا ما استمر النزاع لغاية العام المقبل، فسيكون 90 في المئة من السوريين فقراء.

وفي محور الحوكمة، قال التقرير إنه لا يمكن الحديث عن الحوكمة في سوريا في ظلّ الظروف الراهنة. وفي ظلّ عدم خضوع جميع أجزاء سوريا إلى سلطة مركزيّة أو أقلّه إلى سلطة موحّدة، ونظراً إلى تعطيل أو ضعف مؤسسات الدولة، وتحوّل الميدان إلى آلية الحوكمة الوحيدة والواقعية، تفتقر سوريا في الوقت الراهن إلى المقوّمات الأساسية للحوكمة.
فدستور العام 2012 يسري نظريّاً على جزء من البلد فقط بفعل ظروف الحرب. وينطبق ذلك على التشريعات، بما في ذلك قوانين الانتخابات والأحزاب والإعلام.

وفي هذا الواقع الصعب، لا بدّ من التساؤل حول ما إذا كان إنقاذ ما تبقّى من سوريا وشعبها ممكناً، وحول ما ينبغي القيام به لتحقيق ذلك. ورداً على تلك الأسئلة، تشير الدراسة إلى أنّ هذا الأمر لا يزال غير مستحيل، حتى ولو كان مهمةً عسيرة تزداد صعوبة يوماً بعد يوم في ظل ارتفاع الكلفة المادية والبشرية والسياسية للنزاع لحظة بلحظة.

http://www.assafir.com/Article/1/372380

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه