خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش

الشيخ علي دعموش

نص الخطبة

هذه الايام هي ايام الزهراء(ع) التي تسمى بالايام الفاطمية التي تقع فيها ذكرى شهادتها في الثالث من شهر جمادى الثاني بحسب الرواية الثالثة لتاريخ شهادتها وهي الرواية الارجح بحسب المشهوربين العلماء، وقد تحدثت في الاسبوع الماضي عن فاطمة الزوجة وساتحدث في هذه الخطبة عن فاطمة الأم، فكما كانت فاطمة الزوجة المثالية فقد كانت الأم المثالية التي قدمت لنا منهجا متميزا في تربية الابناء، فقد ربت الزهراء(ع) ابناءها الاربعة الحسن والحسين وزينب وام كلثوم تربية صالحة، فقدّمت للبشريّة شخصيات عظيمة كانت في قمة الايمان والتقوى والاخلاق والجهاد والتزام القيم وتحمل المسؤولية، فصنعوا بذلك تاريخا مشرفا للأمة .

وعندما تدقق في الاسلوب الذي اتبعته الزهراء(ع) كأم في تربية أولادها، سنجد انها لم تركز في عملية التربية على اسلوب التلقين والوعظ والإرشاد والتوجيه الكلامي المباشر، بل ركزت على اسلوب التربية بالعمل والسلوك والقدوة وتقديم النموذج الصالح.

فهي مثلا كانت عليها السلام تحب اولادها ولديها عاطفة جياشة تجاههم لكنها لم تكن تعبرعن حبها وعاطفتها بكلمات الحب المباشرة فقط بل بسلوك عملي يعبر عن حبها لهم وفرحها بهم، كانت تُشعر اولادها بحبها وسرورها بوجودهم بالعمل والممارسة التي تدل على تعلقها بهم وحبها لهم وعطفها عليهم فكانت مثلا تلاعبهم وتدللهم وتحيطهم بعاطفتها ورعايتها، ولم تكن تتأفف او تنزعج من لعبهم ومشاغبتهم وضجيجهم وما شابه ذلك، فكان الحسن والحسين عليهما السلام كما في الروايات يلعبان بين يدي أمّهما وهي فرحة بهما، وكانت تدللهما، فتقول للحسن مثلّا وهي تدلله بين يدها وفي أحضانها : “أَشبِه أَباكَ يا حَسَن · وَاِخلَع عَنِ الحقّ الرسَن · وَاِعبُد إِلهاً ذا مَنن · وَلا توالِ ذا الأحَن..” وتدلل الحسين وتقول له: “أنت شبيه بأبي، لست شبيهاً بعليّ..”.

كانت عليها السلام ومن اجل ان تعبر عن حبها الشديد لهما وتعلقها بهما تناديهما بجملة: “يا ثمرة فؤادي، ويا قرة عيني..”.

كذلك كانت تهتمّ بأطفالها، فتمضغ لهم الطعام وتطعمهم عندما كانوا صغارًا، وتتولّى تغسيلهم وترتيبهم، وكانت شديدة الحرص على مشاعرهم وأحاسيسهم وعواطفهم.

فالزهراء كانت تربي اولادها على المحبة وتعبر عن حبها لهم بهذا الاسلوب العملي الذي يجسد الحب والحنان بالممارسة وطريقة التعامل مع الاولاد.

وكانت عليها السلام تربي اولادها على القيم الاسلامية التي جاء بها محمد (ص)، على قيم الإيمان والأخلاق والحق والصدق والامانة والعفاف والحياء، كانت تؤدبهم بآداب الاسلام، لكنها كانت تزرع تلك القيم الايمانية والاخلاقية والرسالية في نفوسهم من خلال تجسيدها لتلك القيم امامهم وبشكلٍ عمليّ، فاعتمدت أسلوب القدوة والأسوة وتقديم النموذج الصالح وليس اسلوب التوجيه المباشر، ولذلك من النادر أن نجد في سيرة الزهراء(ع) موقفا فيه توجيه او نصائح مباشرة لأولادها، فتربيتها (ع) كانت: مضموناً قيميّاً، بأسلوب تقديم النموذج العملي .

إنّ تقديم النموذج الصالح من قبل الاهل وتجسيده أمام أبنائهم هو أمر في غاية الأهمّيّة، وهو في الحقيقة أسلوبٌ قرآنيّ، حيث يقول الله عزّ وجلّ في كتابه العزيز: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾، فالنبي(ع) اسوة وقدوة في كل ما امر الناس به وفي كل ما دعا البشرية اليه وقد جسد كل ذلك بالعمل والممارسة، فكان قدوة في عبادته وطاعته وخشوعه وانقطاعه الى الله، واسوة في صدقه وأمانته وعفافه وسمو أخلاقه، وقدوة في جهاده وشجاعته ووتضحياته، وقدوة في صبره وصموده وتحمله للاذى والاساءات والالام والحصار والمضايقات وسيل الاكاذيب والافتراءات التي كانت تكال عليه، ولذلك ما دعى النبي(ص) الى شيء الا وجسده في حياته وشخصيته فكان النموذج الصالح الذي جعله الله قدوة للناس .

و لا شك ان التعليم والتربية بتقديم النموذج ومن خلال تجسيد القيم بالعمل والممارسة هو ابلغ من التعليم والتربية بالتوجيه والوعظ والكلمات والنصائح المباشرة، التربية بتقديم النموذج وتجسيد القيم بالعمل يترك اثرا اكبر في النفوس من النصح والتلقين والتوجيه وخصوصاً لدى الأطفال. فعندما يرى الولد مثلا ان امه تقوم للصلاة في وقتها او تقوم بقراءة القران والادعية، اوان أباه يأتي للصلاة جماعة في المسجد او يتكلم الصدق ولا يكذب او يصدق في وعوده ومعاملاته للاخرين او يعامل الناس باحترام او او الخ.. فانه يتعلم من خلال هذا السلوك ويتربى على العبادة والصدق والامانة والوفاء بالوعد وتقدير الآخرين واحترامهم ، فهو يتعلم القيم من خلال تجسيد ابويه لها في سلوكهم وعملهم  وفي مختلف جوانب حياتهم.

وهنا نجد فاطمة الزهراء (ع) تقدّم لأولادها بل لكلّ الأمهات نموذجًا كاملًا للتأسّي والاقتداء به، فهي بتجسيدها القيم والمفاهيم والاداب الاسلامية في حياتها تربي اولادها بشكل عمليّ على القيم الايمانية والاخلاقية والانسانية .

ربتهم بعملها وممارستها الفعلية على قيمة الارتباط بالله، وقيمة العبادة، وقيمة الزهد بالدنيا ، وقيمة التقوى والورع عن الحرام، وقيمة مساعد الآخرين واعانتهم والشعور بحاجاتهم … وهنا يمكننا ان نذكر بعض نماذج القيم التي ربّت فاطمة الزهراء (ع) أطفالها عليها:

1- قيمة الارتباط بالله: فالزهراء (ع) كانت شديدة الارتباط بالله في كلّ خطواتها، وارتباطها بالله هو الذي صبّرها على شظف العيش ومتاعب الحياة، وعندما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرى حجم الجهد الذي تقوم به فاطمة في بيتها حيث كانت تطحن وتعجن وتخبز وترضع وتقوم بكل شؤون البيت لوحدها، كان يقول لها صلى الله عليه وآله وسلم: “ يَا بِنْتَاهْ تَعَجَّلِي‏ مَرَارَةَ الدُّنْيَا بِحَلَاوَةِ الْآخِرَةِ” فَترد عليه: “يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى  نَعْمَائِهِ وَالشُّكْرُ لِلَّهِ عَلَى آلَائِه‏” فهي لم تكن تتأفف من القيام بشؤون بيتها وتربية اطفالها بل كانت تحمد الله وتشكر الله على نعمه ، فهي تضع كل ذلك في عين الله وهذا هو الارتباط بالله.

الارتباط بالله واعتبار ان المعيار هو رضا الله من شأنه أن يغيّر نظرة الفرد حتى الطفل إلى الحياة، فاذا وقع في ازمة او تعرض لشدة معينة او متاعب  مثلًا يتمسّك بالله ويلجأ الى الله، فيطمئنّ، واذا اصيب ببلاء معين او تكاثرت عليه المصائب والبلايا يعتبر انها امتحان من الله وان عليه ان ينجح فيه، فعندما نربط  اولادنا بالله عز وجل نكون قد أعطيناهم مفتاح النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة .

2-قيمة العبادة: فقد كانت فاطمة في قمة العبادة كانت الانسانة العابدة المتهجّدة الذاكرة ، كانت تقوم ليلها حتّى تتورّم قدماها، وقد كان الحسن يراها كيف تتعبد لله في جوف الليل وتدعو لجيرانها فهي لم تكن توقظ أولادها  ليقوموا بالتعبّد مثلها ، بل كان الإمام الحسن يستيقظ ويرى أمّه واقفة في محرابها تصلّي الليل ويسمعها كيف تدعو لجيرانها ولا تدعو لنفسها، ولمّا سألها الإمام الحسن عن ذلك قالت: الجار ثمّ الدار، فدلّته بشكل سلوكيّ وعملي على قيمة العبادة وقيمة محبة الآخرين والدعاء لهم.

كما ان الزهراء اكدت مدى اهتمامها بالعبادة لله من خلال اهتمامها بتفاصيل العبادة واهتمامها بأوقات استجابة الدعاء، فقد كانت تقوم ببعض الأعمال والاذكار قبل النوم حيث كان قد علّمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه: إذا لزمت مضجعك فسبحي الله ثلاثاً وثلاثين، وكبري الله ثلاثاً وثلاثين، واحمدي أربعاً وثلاثين، فذلك مائة مرة، فهو خير لك من الخادم. وإذا صليت الصبح، فقولي: لاإله إلا الله وحده لاشريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، عشر مرات بعد صلاة الصبح، وعشر مرات بعد صلاة المغرب، فإن كل واحدة منهن يُكتب لك بها عشرُ حسنات، وتُحط عنك عشرُ سيئات.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة: (ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به وتقولين إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين) .

كل هذه التفاصيل العبادية جسدتها فاطمة في حياتها وربت اولادها عليها عمليا من خلال مواظبتها عليها.

3- قيمة الزهد بالدنيا وعدم التعلق بزينتها ومظاهرها مصالحها، فقد علّمت الهراء(ع)أطفالها كيف يزهدون في هذه الدنيا بشكل عملي ايضا، ففي احدى المرّات أرسلت ابنيها بسوارين (كان قد اهداهما الإمام علي (ع) لها) إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وطلبت منه ان يبيعهما وينفق ثمنهما على الفقراء، زهدًا منها بهذه الشكليات والمظاهر، فهي ارادت ان تعلم ولديها كيف يزهدون بمظاهر الدنيا ولا يتمسكون بها، وتربيهم على الإحساس والشعور بالفقراء والمحتاجين ، وعلى المبادرة الى مساعدتهم وتكافلهم والاهتمام بهذه الطبقة المعدومة.

وهناك مواقف كثيرة جسدت فيها الزهراء(ع) القيم الاسلامية بصورةعملية، وقدّمت فيها النموذج والقدوة، وكانت تلك هي الطريقة التي غرست من خلالها القيم والمفاهيم والاداب الاسلامية في نفوس أولادها، وربّتهم على تعظيمها والدفاع عنها بكلّ وجودهم.

وبهذا الاسلوب التربوي العملي استطاعت الزهراء(ع) ان تصنع عظماء كالإمام الحسن والحسين وزينب عليهم السلام، وهذا ما ينبغي ان تتعلمه كل الامهات من الزهراء(ع) .

المطلوب من الاهل ان يكونوا قدوة لابنائهم في الارتباط بالله وطاعة الله والخوف من الله ان يكونوا قدوة لهم في الايمان والاستقامة والاخلاق قدوة لهم في الصدق والامانة والتزم الحق والورع عن الحرام والحفاظ على حرمات الناس وحقوق الناس، ان يكونوا قدوة لهم في في الصبر على المكاره والازمات والضغوط  والثبات على الحقفي الزمن الذي تتعدد فيه اشكال الباطل والانحرافات وتكثر فيه الشبهات وتشن فيه الحملات من اجل حرف الناس عن دينهم وقيمهم .

لا يكفي التوجيه والوعظ والارشاد والتأنيب والتنبيه والنهي والزجر ان لم يترافق ذلك مع سلوك عملي يعبر فيه الاهل عن التزامهم بالقيم وابتعادهم عن المحرمات والموبقات.

وهذا مانحتاجه حتى على المستوى السياسي فاطلاق الشعارات والمواقف والوعود الرنانة من دون المبادرة الى العمل لا قيمة لها وتُفقد مصداقية اصحابها.

ولذلك اليوم من يدعي الحرص على مصلحة البلد واخراجه من ازماته والحفاظ على سيادته واستقلاله  يجب ان يبادر الى خطوات عملية تصب في ذلك وان لا يكتفي بالشعارات والمواقف الكلامية التي لا تقدم ولا تؤخر.

من يريد الحل في لبنان ويحرص على انجاز الاستحقاق الرئاسي لا يطلق مواقف استفزازية ولا يرفع شعار المواجهة مع قسم من اللبنانيين ولا يقف موقفا سلبيا من الحوار بل يبادر الى الحوار باعتباره الشيء الوحيد الذي يمكن ان يكسر الجمود السياسي ويفتح ثغرة في جدار الاستحقاق الرئاسي.

ولذلك من يتحمل اليوم مسؤولية الانسداد السياسي وتعطيل الانتخابات الرئاسية ليس حزب الله ومحور المقاومة الذي طالما دعى الى التفاهم والتوافق بين اللبنانيين بل انصياع فريق من اللبنانيين لاملاءات السفارتين الامريكية والسعودية واصراره على مرشح مواجهة ورفضه للحوار الذي بات الخيار الوحيد لانقاذ البلد والخروج من ازماته .

من يتحمل اليوم مسؤولية تفاقم الاوضاع المعيشية والتدهور الجديد للعملة الوطنية هو المصارف التي تتلاعب بسعر الدولار والادارة الامريكية ومحور الشر التابع لها، الذي يصر على محاصرة اللبنانيين ومنع المساعدات عنهم وليس محور المقاومة الذي طالما أبدى استعداده لمساعدة لبنان بالكهرباء والفيول والبنى التحتية وكانت اميركا والخائفون منها في الداخل على الدوام هم من يعطل مثل هذه المبادرات ويساهم في تعميق الازمة .

الحديث عن ان حزب الله هو سبب الانسداد السياسي وتاليا هو سبب التدهور هو محض كذب لتضليل الرأي العام واخفاء السبب الحقيقي الذي هو الحصار الامريكي ، الامريكي الذي ترتعبون امامه ولا تجرؤون على قول الحقيقة خوفا من غضبه وعقوباته، لذلك كفاكم تضليلا وتحريضا وكذبا على الناس قولوا للبنانيين من عطل المساعدات والهبات الايرانية ومن كذب على اللبنانيين ووعدهم باستجرار الكهرباء من الاردن والغاز من مصر ومن امتنع من التوجه شرقا ورفض التعاون مع الصين وروسيا خوفا من عضب الامريكي، صارحوا شعبكم انتم تسكتون عندما يتعلق الامر بالامريكي والسعودي لانكم جبناء وتخافون ان يقطعوا عنكم الدعم المالي وهذه هي الحقيقة التي يجب ان يعرفها الجميع .