سوق البالة في لبنان: حل لمشكلة معيشية، ولكن…؟ – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

سوق البالة في لبنان: حل لمشكلة معيشية، ولكن…؟

البالة في لبنان

شذى مرمر

“خيارنا الأول هو البالة، وحين نضطر  جداً نلجأ إلى الجديد”

سوق البالة في لبنان عبارةٌ يسمعها أي متقصٍ عن سبب الإقبال الملحوظ من قبل المواطنين اللبنانيين على محلات بيع الألبسة المتسعملة، أو المعروفة بـ”محلات البالة”. فقد عادت هذه التجارة (البالة) الى الاسواق، مكتسحة سوق الملابس بقوة، لتصبح ظاهرة يعشيها لبنان اليّوم.

إنَّ إنهيار الوضع الاقتصادي في لبنان ليس بخبر جديد، انّما أصبح الشّعب يتأقلم معه ويبحث عن حلول بديلة في محاولة الإستمرار في الحياة بأقل خسائر ممكنة. الطعام هو الحاجة الوحيدة الاساسية  في حياة المواطن اللبناني الذي يسعى كل يوم لتأمينه، أما دون ذلك من ضروريات المعيشة فقد بات العديد منها حلماً صّعب المنال في ظل اقتصاد يعتمد في جلّه على الاستيراد وليس الإنتاج، ولاسيما الملابس.

في السابق، كان اللبنانيون يُعرفون بأناقتهم وحرصهم على “الفخفخة” بملابس الموضة، أما اليوم فقد أصبحت الملابس عبءاً على عاتقهم، وجلّ ما يمكن للبنانيين واللبنانيات الحصول عليه، هو قطعة ملابس “سينييه”… ولكن هذه المرّة مستعملة.

كثيرٌ منهم لم يعتادوا بعد على هذا النوع من الشراء، فتراهم يخفون وجوههم على بسطة البالية وهم يبحثون عن احدث صيحات الموضة.

في إحدى أحياء العاصمة بيروت، قمنا في موقع المنار بجولةٍ ميدانية على عددٍ من محلّات البالة، وبسؤالنا لعدد من التّجار عن الواقع وحجم الاقبال على هذه الظاهرة، كانت خلاصة ذلك ان ” الاقبال على الشراء زاد كثيراً مقارنةً بالاعوام الماضية، حيّثُ تجاوزت نسبة الاقبال هذا العام حد الـ100% عن العام الماضي كما قالوا. يقول محمود، صاحب محل ألبسة مستعملة منذ العام 2015 أن “النّاس تُقبل على الثياب المستعملة أكثر من إقبالهم على الستوك او الاوتلت”، وأكد: “لم تعد البالية لفئة معينة، بل اصبحت جميع الفئات تتهافت لشراء وتلبية حاجاتهم من الملابس على قاعدة أفضل قطعة بأقل كلفة”.

ملابس بـ”الكيلو” !!

البالة في لبنانلكن تردي الأوضاع لا يقتصر على المواطنين فقط. فقاعدة “مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد” لا تنطبق على تجار البالة الذين لهم نصيبهم من هذا الألم. “الله يعينا ويعينن”، يقول “سلمان” أحد تجار البالة في سوق معوّض التجاري، فإن “50% من ربحنا يذهب إلى مصاريف التشغيل: إيجارات، كهرباء، رواتب الموظفين، وما لا يعلمه الكثيرون أن 20% على الأقل من الملابس التي نستوردها تذهب إلى التّلف، كوننا نشتري البالة بالكيلو من تجار الجملة، وتالياً إنت وحظّك”.

بالإضافة إلى ذلك، سألنا خلال الجولة الميدانية عن الحال بعد زيادة الدولار الجمركي. أحد تجار الجملة أفاد بأن الأعباء لم تزد عليه إلاّ 7% ايّ ما يساوي 15 دولار على كل “كونتينر”،ولكن لتجار المفرق رأي آخر.

تتذمر “سامية” صاحبة محل البالة فتقول: “بحجّةِ الرسوم الجمركية، صرتُ أدفع للتجار ثمن حزمة البالة الواحدة بما يزيد عن %10 الى 20% عن ذي قبل، ولا يمكن أبداً زيادة هذاه النسبة على الزبون، لأن السعر سيصبح قريباً من سعر البضائع الجديدة المستوردة”.

هذا الواقع دفع بالباعة إلى اعتماد نفس أسلوب شرائهم البالة من سوق الجملة، فصار الزبون في بعض الأحياء يشتري البالة بالكيلو. وعلى الرغم من أنَّ أسعار “قطعة” البالة، من قميص أو بنطال أو كنزة شتوية تترواح بين نصف دولار الى 4 دولارات، إلا أن الأحذية والمعاطف الشتوية المستعملة تفوق هذا السعر بكثير، فيصل سعر الحذاء أو المعطف إلى حدود الـ20 دولاراً في بعض الأحيان، وهكذا، يصبح الشراء بالكيلو أفضل من ناحية السعر، حيث يتم تسعير كيلو البالة “بقلب بعضه” ما بين 4 إلى 6 دولار في الأسواق الشعبية.

ولكن لا تنصدموا، فخلال الجولة الميدانية ترى بعض الزبائن يطلبون من أصحاب المتاجر بتخفيضات أكثر على هذا السّعر. أم في العقد الثالث من عمرها تبحث عما يناسب أولادها الثلاثة بين الثياب المبعثرة على “بسطة” البالة، حين تشاهد الكاميرا تشيح بوجهها طالبةً عدم التصوير. سألناها عن سبب ردة فعلها دون تصوير، قالت:” بعد تردّي الاوضاع أصبحنا نلجأ للبالة التي لم نعتد ابداً اللجوء إليها”. لكن مريم، الواقفة بجانبها تتدخل: “بعد الازمة أصبحت أتردد الى هنا ورايت أن البالة أفضل من الجديد لانني أستطيع أخذ الماركة والقطعة التّي أريدها بكلفة أقل وبجودة أفضل أحياناً كثيرة”. أما نهى فتقول: “خيارنا الاوّل هو البالة وحين نضطر جداً نلجأ الى متّاجر الألبسة الجديدة…” حتّى أطفالها أضافوا: “اصلاَ البالة احلى شي”..

يوماً بعد يوم تنخفض قدرة الناس الشّرائية مع الإرتفاع المستمر لسعر صرف الدولار وبقاء الدولة على سياسة انتظار الدعم الخارجي بالديون والودائع، دون أي تحرك جدي باتجاه تحريك عجلة الإنتاج. “سوق البالة” هو إحدى ظواهر هذا الواقع، البعض كما رأينا يعتبره حلاً والبعض الآخر يراه عيباً، ولكن ثمة سؤال يطرح نفسه بين كوم الملابس المستعملة: ماذا عن السلامة الصحية لهذه الألبسة في عالم بات مليئاً بالأوبئة؟ وهل هناك جهازاً رسمياً وقائياً يضمن عدم انتقال الأوبئة والأمراض عبر هذه البضائع؟.

الإجابة تكون في القسم الثاني من هذا التقرير.

بالة

المصدر: موقع المنار