خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 3-3-2023 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 3-3-2023

الشيخ علي دعموش

 

حركة المهدي(ع) وبناء الشخصية الرسالية

الشيخ دعموش: التعنت ‏والتصلب بالمواقف في الملف الرئاسي لا يفيد أحدًا .

دعا نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش “اللبنانيين الى تحمل مسؤولياتهم في هذه المرحلة التي ‏يشهد فيها بلدنا استهدافًا مركبًا سياسيًا واقتصاديًا ومعيشيًا وثقافيًا واجتماعيًا ‏وأمنيًا”.‏

وشدد الشيخ دعموش في خطبة الجمعة، على أن “المطلوب في مواجهة كل ذلك هو أن نصمد ونصبر ونعض على ‏الجراح ونتحلى بالثبات والوعي والبصيرة الى جانب العمل والسعي الدؤوب ‏لحل ما أمكن من مشكلات البلد وأزماته”. وقال: “يجب أن نعرف أننا لسنا في ‏لبنان وحدنا حتى نحل كل مشاكل البلد، فالبلد فيه قوى عديدة وتركيبته معقدة ‏سياسيًا وطائفيًا واجتماعياً ومع ذلك نعمل ونسعى بكل إمكاناتنا لإنقاذ البلد والخروج من المأزق الذي وقع فيه”.‏

وأشار إلى “أننا اليوم نقوم بتكليفنا في المقاومة وفي حماية البلد والدفاع عن مصالحه ‏وخدمة شعبه والحفاظ على سيادته وحقوقه وثرواته بكل قدراتنا”.‏

وقال سماحته: “في كل ما نقوم به لا نفتش عن مكاسب سياسية، وما نريده هو أن ‏يبقى لبنان قويًا بمقاومته وجيشه وشعبه في مواجهة العدو الصهيوني، وأن لا ‏يعود إلى زمن الضعف كما تريده أميركا، وأن تكون الأولوية في هذه المرحلة ‏لمعالجة ما يعاني منه اللبنانيون على المستوى المعيشي والحياتي، وهذان ‏الأمران يتطلبان مقاربة واقعية وأكثر جدية لاستحقاق الرئاسة”، معتبرًا أن “التعنت ‏والتصلب بالمواقف وانتظار الخارج في الملف الرئاسي لا يفيد أحدًا بل يعمق ‏المشكلة ويطيل أمد الفراغ.‏‎ ‎

وأكد أن “من يريد بصدق إنجاز الاستحقاق الرئاسي بالسرعة المطلوبة، عليه ‏الذهاب نحو التوافق باعتباره مفتاح الحل الوحيد المتاح أمام اللبنانيين وإبداء ‏المرونة وتقديم مصلحة الناس والبلد على المصالح الخاصة، والا سنبقى ندور ‏في نفس الحلقة المفرغة دون أن نتمكن من انتخاب رئيس يساهم في إنقاذ ‏البلد”.‏

نص الخطبة

نبارك لكم ولجميع المسلمين ذكرى ولادة بقية الله الاعظم الامام الحجة المنتظر محمد بن الحسن العسكري الذي تصادف ذكرى ولادته في الخامس عشر من شهر شعبان المعظم سنة 255 هجرية .

من المعلوم ان الامام المهدي(ع) كانت له غيبتان صغرى واستمرت حوالى سبعين سنة ثم بدأت بعد ذلك الغيبة الكبرى وهي مستمرة حتى الآن والى ان يأذن الله له بالظهور.

لقد ادخر الله هذا الامام العظيم لمرحلة مستقبلية يخلص فيها العالم كله من الظلم والطغيان والاستكبار، ويقيم فيه دولة العدل الالهي فيحقق بذلك آمال واهداف انبياء الله ورسله الذين سعوا على مر التاريخ لاحقاق الحق واقامة العدل في هذا العالم .

ولا شك ان اهم وظيفة يجب القيام بها في هذه المرحلة من مراحل انتظار الإمام المهدي(ع) هي بناء الذات، اي بناء شخصيتنا وتربية أنفسنا تربية ايمانية وجهادية تجعلنا نتحمل مسؤولياتنا الرسالية، ونسعى لنكون بمستوى أنصار الإمام الذين نحمل ايمانهم ويقينهم وبصيرتهم وولائهم وشجاعتهم وحماستهم وانضباطهم وكل صفاتهم وخصائصهم .

ففي دعاء العهد نقرأ : (اَللّـهُمَّ اجْعَلْني مِنْ اَنْصارِهِ وَاَعْوانِهِ وَالذّابّينَ عَنْهُ وَالْمُسارِعينَ اِلَيْهِ في قَضاءِ حَوائِجِهِ، وَالْمُمْتَثِلينَ لأوامِرِهِ وَالْمحامينَ عَنْهُ، وَالسّابِقينَ اِلى اِرادَتِهِ وَالْمُسْتَشْهَدينَ بَيْنَ يَدَيْهِ).

فإذا كنا ندعو الله ونتطلع بصدق لنكون من انصاره واعوانه والذابين عنه ، فان علينا ان نبني شخصيتنا بناء قويا ومستقيما ومتماسكا تؤهلنا لنكون من انصاره، لكن كيف نبني شخصية بهذا المستوى بحيث نبادر لنصرته من دون شك او تأمل او تردد.

هناك العديد من الخطوات التي تساعدنا على ذلك:

اولا: معرفة الامام(ع)، معرفة هويته وشخصه، وانه الامام المعصوم الذي اخفاه الله لينقذ البشرية وينقلها من مرحلة الظلم والجور وانعدام الامن وغياب العدالة والبعد عن القيم والاخلاق الى مرحلة الايمان والاحسان والعدل والامن والسلام، وفهم طبيعة وماهية حركته وثورته ومشروعه ، فهم اهدافه وتطلعاته، فهم ما تتطلبه هذه الحركة وهذه الثورة من استعدادات وما تتطلبه المشاركة فيها من مسؤوليات واعباء وجهوزية واستعدادات نفسية وايمانية واجتماعية وعملية،  معرفة معالم دولته وانجازاته التي سيحققها .. كل هذه العناوين وغيرها مما يتصل بمعرفة الامامة وابعاد حركته لا بد من تحصيلها ليكون الانسان لائقا ومستعدا لنصرته، اذ لا يمكن للانسان ان ينصر قضية يجهلها ويجهل قائدها واهدافه.

ثانيا: تعميق العلاقة بالامام المهدي(ع)، العلاقة العملية والعلاقة العاطفية والعلاقة النفسية والوجدانية، علاقة المحب بحبيبه وعلاقة العاشق بمعشوقه، بحيث يشعر الانسان بحضور الامام معه باستمرار، يناجيه ويكلمه ويشكو اليه حاله ويتمنى ان يراه ويلقاه ويكحل ناظريه برؤيته، ولذلك نقرأ في دعاء العهد: ( اَللّـهُمَّ اَرِنيِ الطَّلْعَةَ الرَّشيدَةَ، وَالْغُرَّةَ الْحَميدَةَ، وَاكْحُلْ ناظِري بِنَظْرَة منِّي اِلَيْهِ).

يجب ان نبني في أنفسنا وشخصيتنا هذا المستوى من العلاقة الخاصة والحميمية بالامام(ع) بحيث يصبح همنا الاكبر ان نكحل عيوننا ولو بنظرة بسيطة منا اليه.

لكن كيف يستطيع الانسان المؤمن ان يصل الى هذا المستوى من العلاقة الخاصة الوثيقة والمتينة ؟

يستطيع ذلك من خلال المواظبة على قراءة دعاء العهد، فالروايات الواردة عن أئمة اهل البيت(ع) تؤكد على ان قراءة هذا الدعاء في كل صباح، فهذا الدعاء يجعلك مشتاقًا للقاءه حتى انك تتمنى بعد وفاتك ان تخرج من قبرك للقاءه والجهاد بين يديه ونصرته .

نقرأ في الدعاء: (اَللّـهُمَّ اِنْ حالَ بَيْني وَبَيْنَهُ الْمَوْتُ الَّذي جَعَلْتَهُ عَلى عِبادِكَ حَتْماً مَقْضِيّاً فَاَخْرِجْني مِنْ قَبْري مُؤْتَزِراً كَفَنى شاهِراً سَيْفي مُجَرِّداً قَناتي مُلَبِّياً دَعْوَةَ الدّاعي فِي الْحاضِرِ وَالْبادي).

وقد رُوِيَ بِسَنَدٍ مُعْتَبَرٍ عَنِ الْإِمَامِ الصَّادِقِ (عليه السلام) في فضل قراءة هذا الدعاء: أَنَّ مَنْ قَرَأَ هَذَا الْعَهْدَ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً كَانَ مِنْ أَنْصَارِ الْإِمَامِ (عج) وَ إِذَا مَاتَ قَبْلَ ظُهُورِهِ يُخْرِجُهُ اللَّهُ مِنْ قَبْرِهِ لِيُجَاهِدَ بَيْنَ يَدَيِه، وَيُعْطِيهِ اللَّهُ إِزَاءَ كُلِّ كَلِمَةٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ مِنْ كَرَامَتِهِ، وَيَمْحُو عَنْهُ أَلْفَ سَيِّئَةٍ.

وهذا الدعاء له آثار وبركات عديدة في الدنيا والآخرة.

ينقل أحد المقرّبين من الإمام الخمينيّ قدس سره أنّه قال: “أحد الأمور التي أوصاني بها الإمام (قده) في أيّامه الأخيرة هي قراءة دعاء العهد. كان يقول: اقرأ هذا الدعاء في كلّ صباح، فإنّ له دوراً في تحديد مصيرك”.

والمعروف من سيرة الامام الخميني: أنّه لم يغفل عن قراءة كتاب مفاتيح الجنان والانس بادعيته حتّى في تلك الحالة التي كان فيها في المستشفى لإجراء عملية جراحيّة. وبعد رحيله عندما جاؤوا بمفاتيح الجنان الخاصّ بالإمام ليعيدوه من المستشفى إلى البيت وجدوا على هامش دعاء العهد الذي كان يقرأه الإمام أربعين صباحاً، أنّه قد كتب: “تاريخ الابتداء الثامن من شوّال”.

وذكر بعض العلماء أنّ من أهمّ آثار المداومة على هذا الدعاء هو ثلاثة أمور:

1- ان المداوم على هذا الدعاء يكون في خدمة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في زمان ظهوره ومن انصاره.

2-  يكون سبباً لثبات ورسوخ محبّة الإمام(ع) والاخلاص له في قلب الانسان وكذلك التفاني من اجله.

3- يكون سبباً لكي ينظر الامام الى مواليه نظرة خاصة ملؤها الرحمة والرأفة والحنان والعطف والشفقة .

اذن المداومة على قراءة العهد وذكر الامام(ع) والسلام عليه باستمرار يمتن العلاقة الخاصة بالامام(ع) فيصبح الامام(ع) جزءا من حياتنا وكياننا وتفكيرنا وقلوبنا وممارساتنا وخطواتنا في الحياة .

هذا النوع من العلاقة بالامام(ع) تمكننا من بناء أنفسنا وشخصيتنا الرسالية التي تؤهلنا لنكون من انصاره واعوانه والذابين عنه والمجاهدين بين يديه.

ثالثا: ما يساعدنا كي نكون من أنصاره هو تنمية الروح الجهادية في أنفسنا تنمية خاصة، بحيث نرغب في الجهاد في سبيل الله، ونندفع اليه بحماسة، ولا نتردد ولا نخاف ولا نوجد المبررات والاعذار للهروب منه او التراخي فيه، ان نكون على استعداد للصمود والثبات في مواقع الجهاد، ان نملك القدرة على التحمل والصبر تحمل تداعياته واعباءه، ان نكون على استعداد لتقديم التضيحة عل طريق الجهاد والمقاومة تماما كما كان شهداؤنا وكما هم مجاهدونا الذين لم يترددوا ولم يبخلوا في تقديم ارواحهم في طريق المقاومة والجهاد.

فحركة الامام المهدي(ع) ليست حركة سياسية وثقافية وايمانية واجتماعية فقط بل هي بالدرجة الاولى حركة جهادية ولذلك بمجرد ان يظهر الامام(ع) تبدأ حركته الجهادية في مواجهة الطغاة والمستكبرين.

واذا كانت حركة الامام(ع) هي حركة جهادية وتلتزم خيار الجهاد والمقاومة فهذا يعني انه لابد للانسان المؤمن الذي ينتظر الامام ويتطلع ليكون من انصاره واعوانه والذابين عنه، ان يربي وينمي في شخصيته الروح الجهادية بصورة عملية من خلال مشاركاته الجهادية وحضوره في المحاور والمرابطات الجهادية واستعداده للتضحية لينضم بعد ظهور الامام(ع) على الفور الى معسكره فيجاهد بين يديه وينتصر لمشروعه الالهي.

خصوصا ان اجيانا وشبابنا يواجهون اليوم من قبل اعدائهم محاولات لحرفهم عن مسار المقاومة والجهاد مما يتطلب منا دائما ان نعزز ونقوي هذه الروح فينا باستمرار لنحبط اهداف العدو ومحاولاته ولنتحمل مسؤولياتنا المختلفة

رابعا: الولاء المطلق للامام(ع)، والطاعة المطلقة له، والالتزام الكامل باداء التكاليف التي تصدر عنه من تردد او تراخي او تقاعس او قلة ثقة.

وهذا هو حال انصار المهدي(ع) حيث يصفهم الامام الصادق(ع) بقوله : هم أطوع له من الأمة لسيدها.

ولا يمكن ان نكون كذلك الا اذا ربينا أنفسنا من الآن على الالتزام بولاية نائبه، والالتزام باداء التكليف وحملنا هذه الثقافة وعملنا بها، وقمنا بواجباتنا ومسؤولياتنا على مستوى حماية الوطن وخدمة الناس والتخفيف من معاناتهم والامهم خصوصا في هذه المرحلة التي يشهد فيها بلدنا استهدافا مركبا سياسيا واقتصاديا ومعيشيا وثقافيا واجتماعيا وامنيا، ولا بد من مواجهة هذا الاستهداف .

وفي مواجهة كل ذلك علينا ان نصمد ونصبر ونعض على الجراح ونتحلى بالثبات والوعي والبصيرة الى جانب العمل والسعي الدؤوب لحل ما امكن من مشكلات البلد وازماته، لكن يجب ان نعرف اننا لسنا في لبنان لوحدنا حتى نحل كل مشاكل البلد، فالبلد فيه قوى عديدة وتركيبته معقدة سياسيا وطائفيا واجتماعيا، ولكن مع ذلك نعمل ونسعى بكل امكاناتنا من اجل انقاذ البلد والخروج من المأزق الذي وقع فيه .

نحن اليوم نقوم بتكليفنا في المقاومة وفي حماية البلد والدفاع عن مصالحه وخدمة شعبه والحفاظ على سيادته وحقوقه وثرواته بكل قدراتنا  .

ونحن في كل ما نقوم به لا نفتش عن مكاسب سياسية، وما نريده هو ان يبقى لبنان قويا بمقاومته وجيشه وشعبه في مواجهة العدو الصهيوني، وان لا يعود الى زمن الضعف كما تريده أميركا، وان تكون الاولوية في هذه المرحلة لمعالجة ما يعاني منه اللبنانيون على المستوى المعيشي والحياتي، وهذان الامران يتطلبان مقاربة واقعية وأكثر جدية لاستحقاق الرئاسة، فالتعنت والتصلب بالمواقف وانتظار الخارج في الملف الرئاسي لا يفيد احدا، بل يعمق المشكلة ويطيل أمد الفراغ.

ولذلك من يريد بصدق انجاز الاستحقاق الرئاسي بالسرعة المطلوبة عليه الذهاب نحو التوافق باعتباره مفتاح الحل الوحيد المتاح امام اللبنانيين وإبداء المرونة وتقديم مصلحة الناس والبلد على المصالح الخاصة، والا سنبقى ندور في نفس الحلقة المفرغة؛ دون ان نتمكن من انتخاب رئيس يساعد ويساهم في انقاذ البلد .