خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش

thumbnail_خطبة الجمعة 14-2-2020 075

نص الخطبة

نبارك لكم ولكل الموالين والمسلمين عيد غدير خم، عيد الولاية والامامة، وهو اليوم الذي نصب فيه رسول الله(ص) علي بن ابي طالب (ع) امامنا ووليا على المسلمين وهو في طريق العودة من آخر حجة حجها النبي(ص) الى بيت الله الحرام في العام العاشر للهجرة وهي التي عرفت بحجة الوداع.
هذه المناسبة هي مدعاة كي نسأل الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا من المتمسكين بولاية علي(ع) ومحبته والملتزمين بنهجه وقيمه واخلاقه.
لم يكن الغدير مجرد يوم للاعلان عن ولاية علي (ع) لان الاعلان عن امامته وخلافته من بعد النبي(ص) كان قد حصل مرارا وتكرارا وفي اكثر من مناسبة، ما جرى في غدير خم هو ان النبي(ص) اعاد تأكيد الاعلانات السابقة امام تلك الحشود العظيمة التي لم تكن قد سمعت من النبي مباشرة اعلاناته السابقة بولاية علي، وقام بخطوة جديدة هي تنصيب علي(ع) وتتويجه رسميا إماما وولياً والطلب من المسلمين المحتشدين في ذلك المكان (وكانوا مِائة ألف، أو يَزيدونَ) مبايعته بالامامة، ولذلك نجد في الروايات التي تنقل وقائع ذلك اليوم التاريخي ان افواج المسلمين وأقطابهم وكبارهم والشخصيات البارزة فيهم، ومنهم الخليفة الثاني، تقدموا وبايعوا عليا(ع) بالخلافة.

تقول الرواية ان النبي(ص) بعد اتم الاعلان وقال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله ” نزل من على المنبر وصلى ركعتين ثم أذن مؤذنه لصلاة الظهر فصلى بهم الظهر وجلس (ص) في خيمته وأمر عليا عليه السلام أن يجلس في خيمة له بإزائه، ثم أمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجا فوجا ليهنؤه بالمقام، ويسلموا عليه بإمرة المؤمنين، ففعل الناس ذلك كلهم، ثم أمر أزواجه وسائر نساء المؤمنين معه أن يدخلن عليه ويسلمن عليه بإمرة المؤمنين ففعلن، و كان فيمن أطنب في تهنيته بالمقام عمر بن الخطاب، وأظهر له من المسرة به و قال فيما قال: بخ بخ لك يا علي، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

ولم يكن اختيار علي (ع) بالذات من بين كل الصحابة الكبار لهذا المنصب الالهي، بسبب قرابته من الرسول (ص) او لكونه زوج ابنته الزهراء(ع)، بل لأن علياً (ع) كان أكمل مخلوق بعد رسول الله(ص) في هذا الوجود، وأجدر وأكفأ انسان لهذا المنصب، وهو الذي لازم رسول الله (ص) منذ صغره، وتربى في حجره، واكتسب من علمه وأخلاقه، وجاهد بين يديه، وضحى بنفسه من أجله، فكان أول الناس اسلاماً، وأكثر الناس علماً ومعرفة، وأفضل الناس خبرة وتجربة، وأعظم الناس صدقاً واخلاصاً، وأبرز الناس جهاداً و تضحية و عطاءا.

وبالرغم من أنه كان معروفا بكل هذا التاريخ الحافل بالإيمان والإخلاص والصدق والعلم والجهاد والعطاء والتضحيات والخبرة والتجربة، بحيث لم يكن يضاهيه احد من صحابة رسول الله (ص) في ذلك.. وقف البعض من الناس في وجه رسول الله (ص) مباشرة ليمنعه من الاعلان عن امامة علي (ع) من بعده، وشوشوا على رسول الله (ص) عندما أراد أن يعلن في يوم عرفة وفي منى قبل غدير خم عن ولاية علي (ع) وعن ان الائمة من بعده اثنا عشر إماما كلهم من بني هاشم، شوشوا وأثاروا ضجيجاً، وأحدثوا فوضى عارمة حتى لا يسمع الناس كلام رسول الله(ص) وما يقوله في خلافة علي(ع) وإمامة بنيه وولده من بعده.

وكانت قريش هي من قام بهذا التشويش، وأثار الضجيج والفوضى، وهي من منع النبي من الاعلان عن ولاية علي (ع) امام الحجاج في عرفة ومنى قبل الغدير، لكن عندما أصرّ النبي(ص) في غدير خم على اعلان ذلك, خصوصاً بعد نزول آية ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) رضخت قريش مؤقتا ومررت الامر، الى ان توفي النبي (ص) حيث عادت ووقفت بوجه إمامة علي(ع) بعد وفاة رسول الله (ص) ومنعته من الخلافة.

ولذلك نجد أمير المؤمنين [عليه الصلاة والسلام] نفسه، يحمل قريشاً مسؤولية إبعاده عن السلطة واغتصاب حقه.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا وقف هؤلاء بوجه رسول الله(ص) وعارضوا الإعلان عن ولاية علي(ع) الى حد أنهم ضجوا وأحدثوا الفوضى عندما أراد النبي أن يعلن ذلك ؟

لماذا انحرف المسلمون عما رسمه النبي(ص) لمستقبل الرسالة ومنعوا علياً(ع) من تولي الخلافة بعد وفاة رسول الله(ص) ولم يقبلوا به بالرغم مما سمعوه من النبي(ص) في مناسبة غدير خم وفي غيرها من المناسبات؟

الجواب:هناك أسباب كثيرة إلا أن أهمها ثلاثة أسباب:

الاول: حب الدنيا، وحب السلطة بكل ما تحمل من امتيازات ومصالح وطموحات وآمال , فتكتل قريش كان يريد السلطة له وليس لأحد من بني هاشم، وحب الدنيا يجعل ضعاف الإيمان يتمردون على أوامر الله ويعصون الله! فكيف لا يتمردون على رسول الله (ص) ويعصونه ويخالفونه في أمر يعتبرونه أنه يمس بمكانتهم وامتيازاتهم ومستقبلهم السياسي؟

السبب الثاني: بغضهم لعلي(ع) وحقدهم عليه.. فلديهم تجاه علي(ع) أحقاد متراكمة، لأنه قتل آباءهم وكبارهم ورموزهم في بدر وأحد وغيرها من المعارك التي كان علي يقاتل فيها في الصفوف الامامية.

السبب الثالث: ان قريشا ارادت ان تستأثر بالسلطة دون بني هاشم الذين عرفوا بالزعامة والقيادة والمكانة الرفيعة في مكة، اضف الى ذلك حسدهم لبني هاشم ولعلي بالذات لمكانتهم الرفيعة ولقربهم من رسول الله (ص).

كل هذه الأسباب وغيرها جعلت هؤلاء يتجاوزون ما رسمه النبي(ص) ويخالفون أوامره ويقفزون فوق كل النصوص الواضحة والصريحة في إمامة علي(ع) وخلافته من بعده.

ومع ذلك كله فقد قرر علي (ع) أن يجمّد مطالبته بحقه بالخلافة لأنه كان يريد أن يحفظ الاسلام ويحفظ وحدة المسلمين، وكان يخشى إن هو تحرك وطالب بحقه وواجه الذين تسببوا بابعاده أن تحدث فتنة تكون فيها نهاية الاسلام والرسالة.. لقد سكت علي(ع) لمّا رأى راجعة النّاس قد رجعت عن الإسلام، ورأى كيف أن الناس بدأوا يرتدون عن الاسلام ويدعون إلى محق دين محمّد(ص).

يقول(ع) في كتاب له الى اهل مصر لما ولى عليها مالك الاشتر: «فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلَايَتِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلَائِلَ يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ الْأَحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ وَزَهَقَ، وَاطْمَأَنَّ الدِّينُ وَتَنَهْنَهَ. ».
ويقول(ع) أيضاً في خطبة له: « لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي وَوَ اللَّهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً ».

ولذلك، نتعلّم من عليّ(ع) كيف نحفظ الاسلام وكيف نحافظ على قوة المسلمين ووحدتهم ووحدة العالم الاسلامي، وكيف اننا بوحدتنا نستطيع مواجهة التحدّيات والازمات التي تعصف بالأمّة ولا تفرّق بين مذهبٍ ومذهب آخر، ولا بين مسلمٍ ومسلم.
رسالة الامام علي(ع) في عيد الغدير هي دعوة الامة بكل اطيافها ومكوناتها الى ترسيخ حالة التقارب والتعاون وبناء الثقة والوحدة الحقيقية بين الدول والشعوب المسلمة التي تجعل من الامة قوة كبرى تستطيع من خلالها الوقوف بوجه المتآمرين الذين يحاولون تقويض كل محاولة للوحدة والتقارب بين المسلمين.

اليوم الولايات المتحدة الامريكية هي رأس الحربة في الكيد للاسلام والمسلمين، وهي تعمل ضد مصالح الشعوب الاسلامية ولا تفرق بين شيعي وسني وزيدي،ويزيدي وكردي وفارسي وعربي، فهي كما تعتدي على ايران وتحاصرها بالعقوبات، فهي اعتدت وتعتدي على سوريا والعراق واليمن وفلسطين وغيرها، ولكن كل هذا العدوان والحصار والعقوبات لن ينفع الولايات المتحدة في تحقيق اهدافها الخبيثة .
واليوم المشروع الامريكي في المنطقة في تراجع مستمر ولن تستطيع الادارة الامريكية ان تحقق اهدافها لا في لبنان ولا في المنطقة خصوصا بعد التقارب بين دول المنطقة وقوة وثبات محور المقاومة وصمود وصبر وتضحيات شعوب هذه المنطقة .
والتقارب الذي نشهده اليوم بين دول وشعوب المنطقة يؤكد أن كل الفتن والمؤامرات لتجزئتنا وتفتيتنا على أساس طائفي أو ‏مذهبي أو عرقي أو حزبي أو سياسي فشلت، وأن محاولات عزل فلسطين ‏والشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية لم يكتب ولن يكتب لها النجاح، فهذه ‏القضية كانت وستبقى قضية الشعب الفلسطيني وقضية محور المقاومة وقضية الأمة .

اليوم مرة جديدة يفشل العدو الصهيوني امام مقاومة الشعب الفلسطيني في جنين بفعل شجاعة وبسالة المقاومين وتصديهم البطولي للوحدات الخاصة التي حشدها العدو في عدوانه على المخيم وبفعل احتضان وثبات وتضحيات اهالي جنين المرابطين في مواجهة العدو، فقد عجز العدو عن تحقيق اي من اهدافه المعلنة والمستورة في جنين وسيكتشف ان وضع المقاومة لن يتأثر وانها ستواصل حضورها الفاعل والمؤثر في مواجهة الاحتلال انطلاقا من المدينة ومخيمها، وان جنين ستبقى قاعدة صلبة للمقاومة في الضفة الغربية لن يتمكن العدو من استئصالها او التخلص منها.
اما على المستوى الداخلي فان استمرار الفراغ الرئاسي ليس في مصلحة البلد، فتداعياته من شأنها ان تتمدد في وقت قريب الى مواقع حساسة في الدولة، كحاكمية مصرف لبنان والمجلس العسكري في الجيش اللبناني، وهما مجالان مهمان على المستوى الوطني ولا يتحمل البلد تركهما شاغرين.
والجمود الذي يسيطر على المشهد السياسي في البلد قد يستمر طويلا ما لم تخرقه استجابة صادقة للحوار الداخلي، ولذلك يجب ان ينصب الجهد على الدعوة الى التفاهم الداخلي بدلا من الدعوة الى الاعتماد على الخارج، واقناع الفريق الاخر بالحوار بلا شروط، كمدخل لحل الازمة والخروج من الفراغ الرئاسي ، واي جهد لا يصب في خانة الحوار والحل الداخلي هو مضيعة للوقت، فالاعتماد على الخارج لا يحل المشكلة، بل يعمق الازمة ويزيد في الانقسام، ويكشف البلد امام رغبات الخارج ومصالحه التي لا تنتهي.