خاص | وسط بيروت يدفع ثمن “الثورة”.. والواجهة البحرية تنتعش على حساب خزينة الدولة – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خاص | وسط بيروت يدفع ثمن “الثورة”.. والواجهة البحرية تنتعش على حساب خزينة الدولة

lebanon_5
إيمان الساحلي

إنه يوم الرابع من آب 2020، دقّت الساعة السادسة والثماني دقائق مساءً، احتلّ الغبار السام عناصر الهواء. وفي جزء من الثانية التي تلت، هرع التاريخ لقلب طيات صفحاته نحو عهد جديد، تاركًا ماضيه مدمّرًا ينزف ويكابر تحت ركام ما تبقى من ما سمّي بدرّة الشرق.. هي بيروت، ووسطها الذي غدا بعد انتهاء الحرب الأهلية “لؤلؤة” لبنان، ولو على حساب حقوق المئات من مالكي العقارات فيه من “سكّان بيروت الأصليين”.

انفجار مرفأ بيروت

لكن جرح المدينة الذي فُتح يوم الانفجار المهول لم يكن هو الأوّل، فاذا مشينا سويّا على خطّ لبنان الزمني لاكتشفنا أن السياقات الزمنية للأحداث منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري ترسم ملامح اغتيال آخر. فبعد شهرٍ تماماً من تفجير 14 شباط 2005، احتلّت التظاهرات والشعارات السياسية وسط بيروت بالتوازي مع مواكبة غربية – وأميركية تحديداً – لما أسمته حينها وزيرة الخارجية الأميركية غونداليزا رايس بـ”ثورة الأرز”.

سنتان فقط، وعاد وسط بيروت ليتوتر على وقع حراك المنظمات غير الحكومية توازياً مع انطلاق “الربيع العربي” في العام 2010 (وأيضاً التسمية أميركية)، وإن اتخذت هذه المرّة شعارات لدعم البيئة وحقوق الأم في منح جنسيتها لأولادها ومكافحة الفساد، و”طلعت ريحتكن” المعني به ملف النفايات.

لكن الـ”داون تاون” شهد أسوأ موجة تدمير غوغائية في السابع عشر من تشرين الاول عام 2019، فيما بدا أنه حراكٌ مطلبي بعناوين اجتماعية ليتبيّن لاحقاً أنه لم يكن سوى غزوٍ حقيقي لأسطول الـ”NGOs” المموّل مباشرة من وزارة الخارجية الأميركية. وهكذا تهمشّت على مدى أشهر متواصلة “لؤلؤة لبنان”.

doc-p-665697-637149690021640031

حاولت سوليدير، المشروع الإقتصادي للحريرية السياسية، الصمود في وجه الغزو، ولكن ما حصل يوم الرابع من آب – أي بعد نحو 9 أشهر من اندلاع “كلن يعني كلن”، كان أكبر من قدرة الشركة، وحتى من قدرة المؤسسة على الصمود.

اليوم، مرت ثلاث سنوات على انفجار المرفأ، لكن – وفي حين كانت واجهة بيروت البحرية هي أول ضحايا الكارثة، نرى اليوم انشط المرافق السياحية من “الزيتونة باي” وغيرها، تعود لتنهض من تحت كابوس اليوم المهول، أما وسط بيروت، الأبعد نسبياً عن عصف الإنفجار، فبقي مهجوراً لا تسكنه إلا أشباح “ثوار” تشرين.

فما هو سبب اهمال المنشآت والجهات المختصة لوسط بيروت؟ ولمَ ينصبّ اهتمام المعنيين بإنعاش الواجهة البحرية فقط؟

وسط بيروت: إبتزاز خارجي وداخلي
إنّ وسط بيروت هو الاسم الذي يطلق عليه المركز التاريخي والجغرافي لبيروت. في هذا الموقع شُيدت مبانٍ تضم ادارات عامة عدّة منها السراي الحكومي، والبرلمان، ووزارات، ومصالح عامة، وحى مبنى الاسكوا، وغيره من المنشآت التي تعد أحد أهم المقار الإدارية والدبلوماسية والمصرفية في لبنان.

لذا، اذا تم القاء نظرة خارجية على الدّمار الملحق بوسط بيروت منذ انشائه وحتى اليوم، يمكن الاستنتاج انه من الطبيعي والذكي للذين ينوون للبنان الخراب استهداف هذه المنطقة بفعل قيمتها المعنوية عند الشعب والحكومة في لبنان.

448874Image1-1180x677_d

يوم 02/06/2021، قال رئيس لجنة الأشغال النّيابيّة السابق نزيه نجم لجريدة اللواء إنّ من يسعى لتدمير بيروت “ليس بريئًا”، و”هو يحاول استئناف محو أثر الرّئيس رفيق الحريري” و”استكمال ما بدأت به عملية الاغتيال باعتبار ان هذه المدينة تحمل بصمات وطموحات الرئيس الشهيد”.

ويرى آخرون أنّ مشكلة اعمار بيروت ليست سياسية فحسب، بل هي تسقط تحت تداعيات اقتصادية – أمنية. اذ انّ وزير الخارجيّة الفرنسي جان ايف لودريان أعلن بأن فرنسا ستعلّق عملية إرسال الدعم الى لبنان لإعادة إعمار وسط بيروت حتى يقوم لبنان بمساعدة نفسه، قائلاً “ساعدونا لكي نساعدكم هي الرسالة في زيارتي”. ان هذا ما يوضح التطور البطيء الذي يعاني منه وسط المدينة، فإعماره يتطلب تلبية الشروط الفرنسية ونظرتها باتجاه “إصلاح” لبنان، وهذه المهمة من الواضح انها صعبة وقد تكون بعيدة المنال نتيجة المشهد السياسي المقفل منذ سنوات.

الضربة القاضية للحريرية؟!
بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990، قام رئيس الحكومة آنذاك رفيق الحريري فور تسلمه منصبه عام 1992 برسم هيكلية شركة سوليدير وهي شركة عقاريّة مقرّها لبنان. وُلدت الشركة تحت إشراف مجلس الانماء والاعمار سنة 1994 بهدف إعادة إعمار وسط بيروت وهي مدرجة ببورصة بيروت منذ عام 1996. وبحسب القانون اللبناني، تنتهي صلاحيّة شركة سوليدير عام 2029 في مقابل منحها الحق في إجبار أصحاب الحقوق على التخلي عن ممتلكاتهم وما تحمله من رزق وقيمة وذكريات بأبخس ثمن ثم امكانية بيعه مجدداً بأضعاف السعر الاصلي.

سرعان ما تحول وسط بيروت الى مدينة فاخرة، لا يقطنها إلا الأثرياء وأصحاب المشاريع الضخمة، ولم تعد بيروت مسكناً للعامة من سكانها وأهلها الذين بنوها، وتوزعوا على أحزمة البؤس في محيط الـ”داون تاون”.

ما فعلته سوليدير هو ترميم “صورة بيروت” التي شوهتها الحرب، لكنها بفعل الممارسات الرأسمالية بقيت بلا قلب وروح. لم تدرك سوليدير عواقب صورتها الهشة حتى اواخر عام 2019، حين اجتاحتها مجموعات ما سمي بـ”الثورة” الذين زحفوا من الأطراف “الشمال والبقاع بشكل خاص”، بعدما فُرز الناس وماز الخبيث من الطيب بعد ثلاثة أيامٍ من الحراك الغاضب على نفس السياسات المالية التي تتبناها “سوليدير”.

حينها، فوجئت الشركة بأنها وُضعت من دون مقدّمات أمام غضب الناس. ولكن، بدأ يتضح لسوليدير أن هناك من أسّس مجموعات سريّة من قبل جهات “مجهولة” على هيئة متظاهرين تعمّدوا تدمير منشآت وسط بيروت الحيوية وإحراق مرافقها الخدمية، ممّا دفع الشركة للتراجع عن اعادة اعمار الوسط بعد الازمات المتلاحقة بحجة فقدان السيطرة على مجريات الأمور، وعدم تقديم الدولة و”من يعنيهم الأمر” ضمانات بحماية وسط بيروت من التخريب.

وبالرغم من المحاولات الظاهرة لرئيس شركة سوليدير بشأن إعادة تنشيط الوسط عبر البحث في مسألة تشييد دار الأوبرا، ولقائه مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في الثاني والعشرين من شهر أيار عام 2023 للبحث في أمور تخص وسط بيروت، الا أن الواقع يظهر بطءً شديداً في تنفيذ أية أعمال ترميم..

GGG8787_833206

الواجهة البحرية ترث الوسط: هؤلاء هم المسؤولون!!
في الوقت الذي ينهار فيه وسط المدينة، تنهض الواجهة البحرية لبيروت وكأنّها “مدينة أحلام” لم تشهد الأزمة يوماً، ويتساءل كثيرون عن الاسباب التي ادت الى هذا التناقض غير المنطقي في التعامل مع المنطقتين العقاريتين الجارتين، وبدلاً من أن يزدهر وسط المدينة باعتباره هوية لبنان والناطق باسمه، إلا أن الحقيقة ليست كذلك، ومع قليل من التدقيق تتضح الأسباب التي تكشف مجدداً ما تفعله سوليدير.

من المعلوم، أن المسؤول عن إعادة إعمار وسط بيروت هي شركة سوليدر وحدها بدعم من ميزانية الدولة اللبنانية، التي أصبحت الآن عاجزة عن تمويل نفقات مبانيها ورواتب موظفيها، بينما واجهة بيروت البحرية، فالمسؤول عن اعادة اعمارها هي شركة تطوير الواجهة البحرية لبيروت.

index

هذه المؤسسة هي شراكة بين شركة سوليدير اللبنانية وشركة تطوير التخزين العالمية التي تستمد ميزانيتها من مصادر خارج لبنان. هذا الاختلاف بطبيعة المالك للمؤسسة يوضح خلفيات إهمال الوسط: إذا لم تدفع الدولة فلن يحصل الترميم.

يوم 21 حزيران 2023، قامت الحكومة بردّة الفعل على العقلية الإبتزازية لسوليدير، وَجَدت ضالتها في العقدين الاستثماريين للمرفأين السياحيّين الغربي والشرقي، الذي أُبرم مع شركة سوليدير عام 1997 – ولا زال يؤخذ بموجبه حتى اليوم – وهو ينص على تقاضي الدّولة اللبنانيّة 2000 ليرة لبنانية على كل متر مربع من المسطح المائي للجهة الشرقية “الزيتونة باي”، و2500 ليرة لبنانية على المتر المربع للمسطح المائي على الجهة الغربية.

كان وزير الأشغال العامّة علي حميّة أول من طالب مجلس الوزراء بإعادة النظر في هذا العقد، وان يتم إجبار المؤسسات الخاصة المالكة لاراضي الدولة على دفع مبالغ مناسبة للمساحات الضخمة المستثمرة، على أن يتمّ استغلال هذه العائدات الجديدة في تطوير مرافق مثل نفق المطار الذي انقطعت عنه الكهرباء، وغيره من المرافق الحكومية التي تحظى باهتمام محدود من الدولة اللبنانيّة.

وكذلك بدا من الواضح اهتمام الدولة والمستثمرين باستمرار الواجهة البحرية على حساب وسط بيروت، ما يلمسه اللبنانيون والسياح خلال الأعوام التي أعقبت “غزوات” ناشطي المنظمات غير الحكومية المتتالية على وسط بيروت وتدمير منشآته ومؤسساته. فهل هذا بريء؟!!!

المصدر: موقع المنار