الصحافة اليوم 16-9-2023 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

الصحافة اليوم 16-9-2023

الصحافة اليوم

تناولت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم السبت 16-9-2023 سلسلة من الملفات المحلية والاقليمية والدولية.

البناء:

لودريان غادر لبنان وسيلتقي الخماسية في نيويورك ثم يعود الى بيروت مطلع الشهر المقبل
الثنائي متمسك بترشيح فرنجية… والقوات والكتائب خارج الحوار… وبري ينسق مع فرنسا والسعودية
عين الحلوة يدخل يومه الثاني مع التهدئة… والملف المالي بين صندوق النقد والمالية والمصرف

البناء كتبت صحيفة “البناء” تقول:”أنهى المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان جولته اللبنانيّة بلقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري ناقلاً إليه حصيلة المباحثات التي أجراها، على قاعدة ما وصفه مصدر نيابي بارز بالتنسيق على التفاصيل بين بري وفرنسا والسعودية، على قاعدة القناعة المشتركة بأن مبادرة الرئيس بري هي خريطة الطريق الوحيدة لإنهاء الفراغ الرئاسي”.

المواقف لا تبدو ناضجة لإحداث اختراق رئاسي بعد، وفقاً للمصدر النيابي مع مواقف معلنة لكل من حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب برفض الحوار، لأن مبادرة بري متكاملة، وقبول الحوار فيها شرط التخلي عن تعطيل النصاب في الدورة الثانية، لأنه يفتح الباب للتفاهم على مرشح أو أكثر. والتفاهم هنا يلغي مرشحي التحدي ويمهد الطريق لقبول الاحتكام لصندوق الاقتراع ولو بالأغلبية المطلقة، دون تعطيل النصاب، ورفض الحوار يعني بقاء التحدي سيد الموقف في الخيارات الرئاسية، وفي مناخ التحدّي دفاع عن مواقع وأدوار وثوابت، وتعطيل النصاب إحدى أدوات هذا الدفاع.

عن ما تداوله البعض منسوباً للمبعوث الفرنسي حول سقوط ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية والبحث عن مرشح ثالث، على قاعدة أن ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور قد سقط حكماً، يقول المصدر النيابي إن حلف ترشيح فرنجية لم يبدل في خياراته الرئاسية ولا يزال عند موقفه الداعم لترشيحه، وإنه دقق بكلام لودريان فلم يجد ما يشير الى كلام عن سقوط ترشيح فرنجية، بل تأكيد لخلاصة جلسة 14 حزيران التي تقول إنه ليس باستطاعة أحد الطرفين الفوز بالرئاسة لحساب مرشحه، وهذا صحيح، وهو مبرر الدعوة لحوار، لكنه لا يعني سحب ترشيح يمكن أن يتمّ الاتفاق على ترشيحه عبر الحوار.

في عين الحلوة صمد وقف النار ليوم كامل ويدخل يومه الثاني، بعد تدخل رئيس مجلس النواب نبيه بري على خط العلاقة بين حركة فتح وحركة حماس، وفق ثنائية وقف النار وتسليم المطلوبين، بينما الملف المالي موضع أخذ وردّ بين صندوق النقد الدولي ووزارة المالية ومصرف لبنان، أمام تسليم بعدم تلبية موازنة 2023 و2024 للحدّ الأدنى من المطلوب في مواجهة التحديات.

واختتم الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان زيارته الى لبنان بعد جولة على مختلف الأطراف السياسية لكن مهمته لم تنتهِ على أن يعود بزيارة رابعة بعد أيام لاستكمال مشاوراته لإقناع الجميع بالمشاركة في الحوار، بعد أن يكون قد وضع أعضاء اللجنة الخماسية بأجواء زيارته اللبنانية ويجري معهم مباحثات للعودة بقرار دولي حاسم باتجاه الملف اللبناني، وفق ما علمت «البناء».
وفي يومه الأخير في لبنان، زار لودريان عين التينة حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري وغادر من دون الإدلاء بتصريح. غير أن المعلومات لفتت إلى أن «الموفد الفرنسي في صدد العودة خلال أيام الى لبنان لعقد اجتماع في قصر الصنوبر مخصّص لبحث الأجوبة التي تلقاها من الاطراف السياسية، وقد يكون بديلاً من الحوار الذي كان يريد الفرنسيون وأيضاً بري عقده». إلا أن أجواء عين التينة تشير لـ«البناء» إلى أن «مبادرة الرئيس بري قائمة وكذلك الدعوة للحوار بالتنسيق مع لودريان الذي أطلع بري بأجواء نقاشاته مع رؤساء الكتل النيابية، وأجريا تقييماً لمواقف رؤساء الكتل على أن يدرس بري مجريات الوضع الرئاسي وينتظر لقاء الخماسية وعودة لودريان ليتخذ القرار المناسب حيال الدعوة للحوار».

وفي سياق ذلك، تلقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اتصالاً من لودريان جرى خلاله البحث في نتيجة المحادثات واللقاءات التي عقدها لودريان في بيروت على مدى ثلاثة أيام. وتمّ التأكيد المشترك خلال الاتصال «أن نتائج المحادثات إيجابية بقرب انتخاب رئيس جديد للجمهورية».

إلا أن أوساطاً سياسية تشير لـ«البناء» الى أن «الحراك الدولي تجاه لبنان جدّي، لكنه غير فاعل لكون الظروف الإقليمية والدولية لإنتاج تسوية في لبنان لم تنضج بعد لا سيما أن الملف اللبناني ليس أولوية على أجندة الإدارة الأميركية، على الرغم من الضغط الفرنسي على السعودية لبذل الجهود للدفع باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية، لكن لا تسوية ولا حل من دون ضوء أخضر أميركي وتفاوض غير مباشر بين الأميركيين والسعوديين من جهة والإيرانيين وحزب الله من جهة ثانية للتوصل الى تقاطع ما يؤدي الى تسوية جزئية في لبنان». ولفتت الأوساط الى أن لدى الأميركيين اهتمامات في ملفات كبرى أهم من الملف اللبناني لا سيّما سورية والعراق والصين والحرب الأوكرانية الروسية وأزمة الطاقة العالمية اضافة الى أزمة الكيان الإسرائيلي الوجودية لجهة الخطر الاستراتيجي الكبير الذي تشكله قوى وحركات المقاومة في فلسطين ولبنان وسورية وفي اليمن».

ونفت مصادر الثنائي حركة أمل وحزب الله لـ«البناء» الحديث الذي يُشاع عن انتقال الثنائي للتفاوض على الخيار الثالث التوافقي، مؤكدة أن «رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية ثابت على موقفه بترشيحه وأن فكرة الحوار ليست تراجعاً عنه»، موضحة أن «الثنائي على استعداد لمناقشة كافة الخيارات ومن ضمنها الخيار الثالث التوافقي لكن على طاولة الحوار وليس على المنابر وشرط إقناعنا بصوابية وجدوى الخيارات الأخرى، لا أن ينتزعوا منا وعداً بالتنازل عن دعم ترشيح فرنجية كشرط لمشاركتهم في الحوار»، مشدّدة على أن «زيارة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد الى فرنجية تدحض كل الإشاعات التي تتحدث عن تنازل الثنائي عن دعم ترشيح رئيس المردة»، محذرة من أن «الرهانات على الضغوط السياسية والاقتصادية الخارجية على لبنان وفرض عقوبات على رموز لبنانية وطنية سيطيل أمد الفراغ وسيأخذ البلد الى المجهول ومشهد أسوأ اقتصادياً وسياسياً وأمنياً»، داعية جميع الأطراف الى «الحوار للنقاش في كيفية إنهاء الفراغ والبدء بمسيرة النهوض الاقتصادي».

وفي سياق ذلك، رأى عضو المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق، خلال احتفال تأبيني في العباسية، أن «نوبة التحريض والصراخ والضجيج الأخيرة ضد المقاومة، سببها نجاح المقاومة في تحقيق إنجازات ومعادلات استراتيجية تاريخية في البر والبحر والجو».

وقال: «إن لبنان بات على طريق نادي الدول النفطية والغازية بمعادلة المقاومة، وإن سماء لبنان وأرضه اليوم باتتا أكثر منعة من أي زمن بمعادلة المقاومة، ولذلك نحن نتفهّم أن الحاسدين والمعادين منزعجون من إنجازات المقاومة، وهذا يفرحنا»، مؤكدا أننا «في حزب الله وحركة أمل نضع أولوية، وهي الإسراع في إنقاذ البلد ووقف الانهيار لتخفيف معاناة اللبنانيين الحياتية والاجتماعية، ولكن الطرف الآخر لا يهمه إنقاذ البلد، وأولويته جره إلى الفتنة».

واعتبر قاووق أن «الآخرين واهمون أنهم يستطيعون تغيير المعادلات والتوازنات الداخلية من خلال التحريض لإيصال رئيس مواجهة وتحدّ، فهم يريدون الانقلاب على إنجازات المقاومة وعلى عوامل قوة لبنان، ولكنهم يراهنون على سراب»، مشدداً على أن «الآخرين لهم الشعارات الفارغة، ولنا المعادلات الحاسمة والفاعلة، وشتان ما بين الشعارات والمعادلات، فالذي يصنع مستقبل لبنان القوي هو المعادلات وليست الشعارات».

في غضون ذلك، ساد الهدوء التام محاور القتال داخل مخيم عين الحلوة بعد اتفاق وقف اطلاق النار الذي لا زالت مفاعيله سارية وصامدة، بعد 24 ساعة على دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ عند السادسة من مساء الخميس الماضي برعاية الرئيس بري.

على صعيد آخر وبعد هدوء جبهة عين الحلوة ما يتيح لصيدا لملمة جراحها ومعالجة أضرارها ولأهل الجنوب تنفس الصعداء الذين عاشوا خطر الانتقال الى صيدا وبيروت لأيام عدة، تعود الملفات النقدية والاقتصادية والاجتماعية والمالية لتحلّ ضيفاً ثقيلاً على اللبنانيين، وسط مخاوف على مصير رواتب القطاع العام الشهر المقبل بعد رفض حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري تمويل الحكومة بالدولار، ما قد يجبر وزارة المال على دفع الرواتب بالليرة اللبنانية، وفق ما علمت «البناء»، فيما تترقب الأوساط المالية والاقتصادية بدء عمل منصة «بلومبرغ» التي اعتمدها مصرف لبنان بديلاً عن منصة «صيرفة» وما ستكون تداعياتها على سوق الصرف والاستهلاك، وسط ترجيح خبراء في المال والاقتصاد أن تؤدي الى ارتفاع بسعر صرف الدولار بسبب عدم قدرة المصرف المركزي على التحكم بسعر الصرف في السوق السوداء. في المقابل يشير خبراء آخرون لـ«البناء» الى أن «المنصة الجديدة تشبه منصة صيرفة لكن الفارق أنها أكثر شفافية وتخضع لمعايير الحوكمة والرقابة مباشرة من مصرف لبنان ورقابة خارجية، وبالتالي سيتمّ وقف كل الفوضى والمحسوبيات والتنفيعات التي كانت سائدة في عمل منصة صيرفة، حيث كانت متاحة للمحظيين فقط مثل كبار الموظفين والمصارف والشركات الكبرى والصرافين من الفئة الأولى وتحولت الى سوق للمضاربة لتحقيق أرباح وتهريب الأموال الى الخارج».

واختتم وفد صندوق النقد الدولي زيارته إلى لبنان، حيث أشار في بيان إلى أنّ «عدم اتخاذ إجراءات للإصلاحات الضرورية بسرعة يثقل بشكل كبير على الاقتصاد»، لافتًا إلى أن بعد مرور أربع سنوات من بداية الأزمة، لا يزال لبنان يواجه تحديات اقتصادية هائلة، مع انهيار قطاع البنوك، وتدهور الخدمات العامة، وتراجع البنية التحتية، وتفاقم ظروف الفقر والبطالة، وتوسيع الفجوة في التفاوت الاقتصادي.

وأوضح الوفد، في بيان، أنّه «لم يقم لبنان باتخاذ الإصلاحات الضرورية بسرعة، وسيكون لهذا أثر على الاقتصاد لسنوات مقبلة. الافتقار إلى الإرادة السياسية لاتخاذ قرارات صعبة، ولكن حاسمة، لإطلاق الإصلاحات يترك لبنان في وضع ضعيف مع القطاع المصرفي وخدمات عامة غير كافية، وبنية تحتية متدهورة، وتفاقم في ظروف الفقر والبطالة، وتوسيع أكبر لفجوة الدخل. التضخم ما زال في الأعداد ثلاثية الأرقام، مما يضغط بشكل إضافي على الدخل الحقيقي، واستمرار انخفاض احتياطي العملات الأجنبية في النصف الأول من العام، بما في ذلك بسبب تمويل مصرف لبنان لعمليات شبه مالية والعجز الكبير في الميزان التجاري».

ورأى الوفد أنّ «القرارات الأخيرة التي اتخذتها الحاكمية الجديدة لمصرف لبنان للتخلص تدريجيًا من منصة صيرفة، وإنشاء منصة تداول عملات أجنبية مرموقة وشفافة، ووقف استنزاف احتياطيات العملات الأجنبية، والحد من التمويل النقدي، وزيادة الشفافية المالية هي خطوات في الاتجاه الصحيح. بناءً على هذا التقدم، هناك الآن فرصة للإصلاحات الشاملة لتعزيز حكم مصرف لبنان ومحاسبته وعمليات تداول العملات الأجنبية وفقًا لأفضل الممارسات الدولية. علاوة على ذلك، يجب توحيد جميع أسعار الصرف الرسمية بسعر السوق، مما سيساعد في القضاء على فرص التحكم في الأسعار والربح التي تثقل عبء المالية العامة».

ولفت بيان الصندوق الى أنه «يجب أن تتضمن موازنة الحكومة موارد كافية لإعادة بناء إدارة الضرائب لتعزيز الامتثال وزيادة عدالة الضرائب. في هذا الصدد، نشجع السلطات على بدء تنفيذ عناصر الإصلاح الضريبي التي اقترحها الصندوق، والمنشورة في تقرير المساعدة الفنية لعام 2023 حول إعادة توجيه سياسة الضرائب، وبدء خطط إعادة التأهيل لشركات الدولة الكبرى».

من جهته، اعتبر وزير الماليّة في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل، أنّ «ما صدر عن صندوق النقد الدولي يُعدّ توصيفًا دقيقًا للواقع المالي والنّقدي والاقتصادي، ويتطابق مع رؤية وزارة المالية، وينسجم مع ما بدأته من خطوات تصحيحيّة عبّرت عنها ما تضمّنته الموازنات المتتالية للأعوام 2022 و2023 و2024، الّتي أدّت بشكل رئيسي إلى زيادة في الواردات؛ وساهمت في الأشهر الأخيرة في ما نشهده إلى حدّ معقول من استقرار مالي ونقدي في سعر الصرف».

وعلمت «البناء» أن الخلاف يتعمق بين صندوق النقد ولجنة المال والموازنة النيابية التي تعتبر أن خطة صندوق النقد ستؤدي الى شطب الودائع المصرفية، وأكد مصدر نيابي رفيع أن مجلس النواب لن يوافق على خطة الصندوق وفق صيغتها الحالية، كما لن يسمح بتمريرها بالهيئة العامة لأنها تقضي على آمال إعادة الودائع الى اللبنانيين.

وفي سياق ذلك، أصدر مصرف لبنان القرار الوسيط رقم 13580، المتعلق بتعديل القرار الأساسي رقم 13335 تاريخ 8/6/2021 (إجراءات استثنائية لتسديد تدريجي لودائع بالعملات الأجنبية) المرفق بالتعميم الأساسي 158.

الأخبار:

 السلطة تهرب من تصحيح الأجور بـ«الدولرة»

جريدة الاخبارعلى مدى سنتين كُرّست فكرة مفادها أنّ راتب الموظف في القطاع العام يُدفع بالدولار. الموظفون وافقوا لأن تسديد أجورهم بالدولار يوقف تآكلها بالتضخم، إذ إنه رغم تضاعف رواتبهم 7 مرّات، فإن قيمتها بالدولار تدنّت إلى متوسط 200 دولار مقارنة بـ 750 دولاراً قبل الأزمة. هي ليست دولرة بمقدار ما هي دعم يمنح الموظّف ما لا يزيد عن 10% من قيمة راتبه الأصلي، وهذا الدعم يتمّ عبر مصرف لبنان لأن قوى السلطة هربت من معالجة الأزمة التي تتضمن الاعتراف بالخسائر وتوزيعها والتعامل مع العقود والأجور، نحو فكرة «المساعدة الاجتماعية» التي تهدف إلى «إسكات» موظفي القطاع العام وتشغيل الإدارات العامة ثلاثة أيام أسبوعياً كحدّ أقصى.

في موازنة عام 2018 مثّلت الرواتب 22% من قيمة النفقات، وانخفضت في مشروع موازنة عام 2023 إلى 16.7%، لتبلغ 9.8% في مشروع موازنة 2024. كانت القيمة الاسمية للأجور والرواتب في موازنة تبلغ 5224 مليار ليرة في 2018، وارتفعت إلى 30486 مليار ليرة في 2023، وبلغت 29630 مليار ليرة في 2024. تحويل هذه القيم إلى الدولار يظهر أن قيمة الأجور كانت 3.4 مليارات دولار وانخفضت أكثر من 10 مرات إلى 342 مليون دولار ثم 332 مليوناً. القوّة الشرائية لهذه الأجور بعد التصحيح الذي طاولها خلال السنتين الماضيتين ومضاعفتها سبع مرات (بالليرة)، تدهورت بنسبة هائلة. فالتضخّم في الفترة الممتدة بين نهاية 2019 ونهاية تموز 2023، بلغ 4110%، أي أن القوّة الشرائية بعد إلغاء مفاعيل التضخّم تشير إلى أن الأجور خسرت أكثر من 97% من قيمتها رغم كل التصحيح.

في الواقع، دولرة الرواتب لم تعوّض هذه الخسارة التي لحقت بها خلال سنوات الأزمة الأربع. إلا أنّها قدّمت للموظفين عامل اطمئنان بأنّ قيمة الراتب شبه ثابتة مع انقضاء أيام الشهر. في المقابل، لم تسجّل الزيادة في الأجور باعتبارها زيادات غلاء معيشة، بل أسمتها الحكومة وقوى السلطة «مساعدات اجتماعية» الهدف من إيهام الموظفين أنها تسعى للتخفيف من وطأة الأزمة، بينما هي تسهم في تآكل حقوقهم في تعويض نهاية الخدمة والمعاش التقاعدي. رغم ذلك، فإن هذه «المساعدة» المتكرّرة إلى حدّ التطابق مع الاجتهاد القانوني لتعريف الأجر، لم تكن مستدامة، لأن تسديدها بالدولار ليس مضموناً كل شهر. فمع نهاية كلّ شهر يحبس موظفو ومتقاعدو القطاع العام أنفاسهم في انتظار أمرين. الأول، هل سيتقاضون رواتبهم بالدولار؟ والثاني، على أيّ سعر لمنصة صيرفة سينزل الراتب؟ بالنسبة إلى الموظف، الإيجابية من تكريس هذه السابقة، هو الوصول إلى الدولارات، بغية الحفاظ على قيمة ما تبقى من الراتب، وخاصةً في حال تغيّر سعر الصرف خلال الشهر، للتمكن من دفع الفواتير المدولرة، بالإضافة إلى تحقيق ربح إضافي على الراتب لا تستفيد منه المالية العامة، ولا يدخل في حساباتها.

كانت رواتب القطاع العام تمثّل 22% من نفقات الموازنة وصارت اليوم 9.8%

علماً أنّ سعر الصرف على منصة صيرفة شبه مستقر منذ نهاية نيسان الماضي، وقريب من سعر صرف الدولار في السوق السوداء، فيما الرواتب لا تزال تدفع بالعملة الأجنبية. فدولرة الرواتب آلية روّج لها على أنّها إحدى الحلول لضبط سعر الصرف، علماً أنّ الدولة لا تنتج عملةً صعبةً، أقلّه قبل دخول موازنة عام 2024 حيّز التنفيذ، بل يقوم مصرفها، أي مصرف لبنان، بشراء الدولارات لحسابها من السوق.

ومنذ ولادة منصّة «صيرفة» في حزيران 2021، كان الموظفّ في القطاع العام يحقّق هامشاً على راتبه بقيمة 10 آلاف ليرة من الفرق في سعر صرف الدولار مع بعض التقلّبات، ثم انخفض الهامش إلى 3500 ليرة أخيراً، حتى بات المبلغ الإجمالي المحقق من الفروقات لا يتجاوز 500 ألف ليرة، أي ما يساوي 5.6 دولارات.

بشكل عام، لم يسبق أن قامت الدولة بأمر مماثل لجهة دولرة الأجور، حتى في أيام الانهيار النقدي في الثمانينيات. في تلك الفترة كانت زيادات غلاء المعيشة تتوالى بشكل سنوي، وأحياناً أكثر من مرة في السنة الواحدة، لتعوّض التآكل في القوة الشرائية. أما الآن، فلم يلتفت أحد إلى مخاطر الدولرة الشاملة على ضفتي الأجور بوصفها نفقات، والضرائب بوصفها إيرادات. الدولرة تتطلب آليات تمويل مستدامة بالعملة الأجنبية، وهذا يعني أنه حتى لو تمّ التسعير بالدولار، فستكون هناك حاجة لتدفق النقد الأجنبي (الكاش) بشكل مستمر.

إلا أنّ السؤال عن الجدوى من دفع الرواتب بالعملة الأجنبيّة في حال كان سعر منصة صيرفة قريباً من سعر السوق السوداء يبقى مشروعاً. فالسّياسة النقدية للمصرف المركزي توحي بأنّها تعتمد على تجفيف السوق من الليرة للحفاظ على سعر الصرف، من دون القيام بأي إصلاحات في القطاع المصرفي، أو طرق الدفع في السوق، ولا سيّما أنّ المصارف تحوّلت إلى زومبي لا تقدّم أي خدمة للموظفين في القطاع العام سوى دفع الرواتب آخر كل شهر، وتحصيل عمولات منهم على هذه الخدمة. في المقابل، الدولة لم تقدّم جديداً لحلّ المشكلة الاقتصادية، ودولرة راتب الموظف ما هي سوى إبرة مخدّرة سينتهي مفعولها قريباً كما توحي تصرفات الحاكم الجديد للمركزي وسيم منصوري.

المصدر: صحف