رأت أوساط صهيونية أن قرار إدخال المساعدات إلى قطاع غزة لا يعدو كونه محاولة لذرّ الرماد في العيون، إذ يُنظر إليه كجزء من المشروع الأميركي-الصهيوني المتكامل الذي يسعى إلى استكمال أهدافه في غزة من خلال التهجير وتصفية المقاومة.
وتعتبر تلك الأوساط أن ما يُعرف بعملية “عربات غدعون” ليس سوى غطاء سياسي هدفه حمل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وتثبيته في موقعه، بعدما عجز عن تحقيق أهدافه بفعل أسطورة صمود الغزيين الذين أذهلوا العالم بإصرارهم على عدم الاستسلام، رغم المجازر وسياسة التجويع والإبادة الجماعية التي يتعرضون لها.
وعلى الرغم من تباين الآراء داخل كيان الاحتلال بشأن طريقة التعامل مع ملف المحتجزين الصهاينة في غزة، والسبل الممكنة للخروج من مأزق الحرب، فإن نتنياهو ماضٍ في تنفيذ خطته التي تتخذ تسميات متعددة، آخرها “عربات غدعون”.
ويحاول نتنياهو التلاعب أمام المجتمع الدولي، الذي يصعب عليه تبرير القتل الجماعي للمدنيين أو التسليم بحرب التجويع، في وقت لا يمكن الجزم بما إذا كانت الضغوط الأميركية، وتحديداً من إدارة ترمب، هي التي دفعت إلى السماح بإدخال المساعدات. فهذه الخطوة، وإن بدت في ظاهرها استجابةً للوضع الإنساني، تحمل في طيّاتها مراعاة للضغوط الدولية، لكنها في الجوهر تصب في إطار المخطط الأميركي-الصهيوني المرسوم لغزة.
في هذا السياق، صرّح المحلل العسكري الصهيوني ألون بن دافيد بالقول: “رئيس الأركان أعاد التأكيد على سلّم الأولويات في قطاع غزة، موضحاً أن الاتفاق لا يعني وقفاً للقتال، بل هو جزء من تحقيق إنجازات، والهدف الأساسي هو تحرير المختطفين. الجيش يطالب بالحفاظ على الضبابية، وتقديم المساعدات الإنسانية سيكون مشروطاً؛ إذ ستُقدّم للعائلات مباشرة، ولن تتمكن حماس من السيطرة عليها. العائلات المحتاجة للطعام ستتوجه إلى مركز لوجستي تديره شركة أجنبية للحصول على المساعدات”.
من جهته، أشار دورون أفيتال، القائد السابق لوحدة هيئة الأركان في جيش الاحتلال، إلى أن “هناك عملية أميركية لرصد تطورات الوضع في غزة. والسؤال المطروح: هل العملية العسكرية الإسرائيلية تُعدّ جزءاً من تمهيد للتوصل إلى اتفاق ينتهي بتجريد حماس من سلاحها وتنفيذ عملية إبعاد شبيهة بما جرى عام 1982 من ميناء بيروت؟”.
وترى الأوساط الصهيونية أن المعضلة الأساسية التي تعيق إنهاء الحرب، وفق الرؤية الأميركية-الصهيونية، تكمن في صمود الغزيين رغم القتل والتجويع الممنهج. فهذا الصمود أنهك جيش الاحتلال، الذي يخوض حرباً بدافع القرار السياسي، وهو ما يربك المشروع الرامي إلى محو غزة من الخارطة الجغرافية والسياسية، ويعرقل تنفيذه حتى اللحظة.
أما المحلل الصهيوني للشؤون العربية، أوهاد حيمو، فقد قال: “هناك تقارير عن تقدّم الدبابات الإسرائيلية شرق خان يونس وشرق جباليا. نشاهد حشوداً تغادر جباليا ومناطق أخرى، والفرق الجوهري الآن أن الناس في غزة جائعون فعلاً. أقول ذلك بكل وضوح، إذ أتواصل يومياً مع فلسطينيين من غزة، ويقولون لي: ليس لدينا طعام، ولا طاقة للخروج من المنازل، نحن جائعون. الوضع هناك كارثي، مع أكثر من 35 ألف قتيل، ورغم ذلك، لا تزال غزة صامدة، وهذا أمر يذهل الجميع”.
وفي سياق متصل، كشفت مصادر صهيونية عن صورة واقعية لما يجري على الأرض، مؤكدة أن جيش الاحتلال يعاني من نقص حاد في العنصر البشري، ما اضطره إلى استدعاء كبار السن والمعوقين والمصابين. كما اعتبرت تلك الأوساط أن ما يُعرف بـ”عربات غدعون” ليس سوى مركبات الائتلاف الحكومي، الذي يقود هذه الحرب غير المسبوقة بدوافع سياسية تخدم منظومة يتحكّم بها نتنياهو ووزراء اليمين المتطرف.
المصدر: موقع المنار