ألقى السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
“البداية من لبنان، الذي استطاع، ومن منصة جامعة الدول العربية، أن يحظى بمساندة ودعم عربي، وهو ما عبر عنه البيان الصادر عن القمة العربية الأخيرة التي انعقدت في عمان، في تأكيده حق اللبنانيين بتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا واسترجاعها، ومقاومة أي اعتداء يتعرض له من العدو الصهيوني بالوسائل المشروعة، وضرورة التفريق بين الإرهاب والمقاومة ضد الاحتلال الصهيوني، وعدم اعتبار العمل المقاوم عملا إرهابيا، ومساعدة لبنان لوضع حد نهائي لتهديدات الكيان الصهيوني وانتهاكاته الدائمة، والإشادة بدور الجيش اللبناني والقوى الأمنية بصون البلد واستقراره، إضافة إلى إدانة الأعمال الإرهابية التي استهدفت العديد من المناطق اللبنانية، ورفض أي محاولة للفتنة داخل الساحة اللبنانية، ومواجهة سعي البعض لتوطين الفلسطينيين في لبنان، وبذل كل الجهود لعودتهم إلى ديارهم”.
وتابع: “إن هذا الموقف المساند، رغم أنه رمزي، وقد لا تكون له مدلولات عملية، في ظل العجز العربي وواقع الجامعة العربية المتردي، لكنه أتى نتيجة للموقف الرسمي اللبناني الموحد، الذي لم تؤثر فيه محاولات البعض الإيحاء للقمة العربية بوجود انقسام لبناني داخلي”.
وقال: “نعود إلى الداخل اللبناني، لنرى أهمية اتفاق الحكومة على موازنة العام الحالي، بعد غياب لسنوات، تمهيدا لإقرارها في المجلس النيابي، ما يجعل البلد يخطو خطوة باتجاه ضبط الصرف والإنفاق وتعزيز الواردات، وإن كان الجدل لا يزال قائما حول مدى جدية الدولة وقدرتها على ضبط الإنفاق، في ظل تمأسس الفساد المستشري، وبقاء وجود مزاريب الهدر، وعدم إمكانية تأمين التمويل للموازنة ولسلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام، من دون فرض ضرائب تثقل كاهل الطبقات الفقيرة والمستضعفة، في ظل العجز الكبير الموجود في الموازنة. وهنا، ننوه بكل الأصوات التي تصر على أن يكون سد العجز من جيوب الأغنياء، ومن خلال تعزيز الجباية وضبط الفساد”.
ورأى انه “في هذا الوقت، تستمر القوى السياسية على مواقفها من القانون الانتخابي، من دون أن تبدو هناك رغبة في الأفق القريب بالتوصل إلى قانون يرضي الجميع، وإن كنا لا نزال نأمل أن تحمل الأيام القادمة قانونا جديدا، وهو إن تحقق، لن يكون بمستوى طموحات الشعب اللبناني، وذلك في ظل استمرار عقلية الاستئثار التي لا تزال تحكم غالبية الطبقة السياسية، ليأتي الحديث عن التمديد، الذي نراه سيكون أكثر من تمديد تقني، لأن الذي لم يتوصل إلى قانون انتخابي جديد طوال سنوات سابقة، لن يتوصل إليه لاحقا إلا بتغيير عقليته أو فرض أمر واقع عليه”.
وأضاف: “نبقى في الداخل اللبناني، لنشير إلى أهمية السعي لحل أزمة الكهرباء المستعصية، وهي من أهم أسباب العجز في الخزينة، لكننا نخشى مما يطرح حاليا، من استئجار لبواخر تعيدنا إلى تجربة سابقة لم يثبت نجاحها، ولأعبائها الكبيرة، ونظرا إلى ما يدور من أحاديث عن أن وراء ذلك صفقات وحسابات خاصة”.
وتابع: “في مجال آخر، انعقدت القمة العربية وسط أجواء بالغة التعقيد، نتيجة الأزمات التي تعصف بالواقع العربي من داخله وخارجه، والتي تهدد وحدته وكيان دوله، وتستنزف قدراته وإمكاناته، وتهدد بشره وحجره. لقد كنا نأمل من هذه القمة أن تكون بمستوى التحديات، وأن تساهم قراراتها في حل المشكلات العالقة، أو في وضع أسس لبلوغ الحلول المرجوة، بدلا من أن تكتفي بملامسة هذه القضايا، أو إبداء التمنيات حولها، بحيث سميت بقمة التلطيفات. إننا نعتقد أن الدول العربية تملك القدرة، لو أرادت على حل المشكلات الراهنة، وإطفاء أسباب الحروب المشتعلة في أكثر من بلد فيها، لدورها الأساس والمؤثر في هذا الصراع. وإذا لم تمارس هذا الدور، فإن أزمات هذا العالم ستبقى مفتوحة، وستسمح بتدخلات الخارج الذي يستفيد من هذا الاستنزاف، لكونه يصب في مصالحه ومصلحة الكيان الصهيوني، الذي يراد له أن يكون الأقوى في المنطقة. لقد كنا نتمنى لو استجاب القادة العرب لنداء الضمير الذي خاطبهم به الرئيس اللبناني، عندما دعاهم إلى أن يكون دورهم إيجابيا، وأن يستعملوا نفوذهم بإيقاف هذه الحروب العسكرية والإعلامية والدبلوماسية، والجلوس إلى طاولة الحوار، فليس هناك رابح في كل هذه الحروب، والكل خاسر فيها”.
واعتبر أنه “إلى أن يعي هذا العالم العربي دوره ومسؤولياته، ستبقى معاناة سوريا واليمن وليبيا والبحرين وفلسطين والقدس والأقصى، وسيبقى الواقع العربي كله على حاله من التشظي والانقسام، وسيظل ألعوبة في يد الدول الكبرى، التي أصبحت صاحبة القرار الأساسي فيه، وستبقى هذه الاجتماعات صورية تؤدي إلى مزيد من الإضعاف والتنازلات”.
وختم: “نستعيد في الثلاثين من شهر آذار، ذكرى يوم الأرض، التي تذكرنا بهبة الشعب الفلسطيني في الثلاثين من آذار من العام 1967، حين أقدمت سلطات الاحتلال على مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي، لتقيم عليها آنذاك مستوطناتها، فاندلعت المواجهات مع الشعب، وسقط العديد من الشهداء، واعتقل الآلاف. إننا نؤكد أهمية إحياء هذا اليوم في فلسطين وخارجها، لتبقى قضية فلسطين حاضرة في الذاكرة والوجدان وفي العمل، حتى لا تضيع وتنسى كما يراد لها، حيث لا يضيع حق وراءه مطالب. سنبقى نراهن على وعي الشعب الفلسطيني الذي أثبت أنه لن يتخلى عن قضيته، مهما كانت التضحيات، وسنراهن أيضا على وعي الشعوب العربية، بأن تبقى فلسطين بوصلتها وهدفها، ولا تستجيب لمن يريد أن يحول هذا البلد العربي أو ذاك الإسلامي إلى عدو، وأن لا تيأس، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون”.