تبين ساعتان فقط مدى قوة التغيير الذي يحدثه التدريب الذهني في بنية الدماغ وأن بعض طرق التدريب تجعل الإنسان مقاوما للإجهاد العصبي.
يمكن لمثل هذه التمرينات من ناحية المبدأ تحسين الصحة العقلية والجسدية للإنسان حسبما أوضح باحثو معهد ماكس بلانك الألماني لأبحاث الإدراك في دراستين مرتبطتين نشرتا الأربعاء في مجلة «ساينس أدفانسيس».
قال الباحثون إنهم عرضوا خلال الدراسة على أكثر من 300 متطوع تدريبات عديدة ثم فحصوهم بشكل مفصل بعد ثلاثة أشهر من أداء هذه التدريبات.
تعلمت مجموعة من المشاركين في إطار ما يعرف بمشروع ريسورس بروجكت للتدريب الذهني طريقة التدريب على الانتباه واليقظة والتي يتدرب فيها المشترك على شدة التركيز.
طلب من المجموعة الأولى من المشاركين خلال هذا التأمل التركيز على بعض مجالات الجسم مثل التنفس، وتدربت المجموعتان الأخريان على قدرات اجتماعية مختلفة، وكان هذا التدريب يتم جزئيا بشكل مشترك بين أفراد هاتين المجموعتين. فكان من بين هذه التدريبات مثلا التدريب على التعاطف مع الآخرين وعلى الطيبة والخير والتعامل مع المشاعر الصعبة.
حاول المشاركون خلال التدريبات تقوية مشاعرهم الإيجابية مع أنفسهم ومع الآخرين وذلك من خلال تبادل الأحاسيس مع الشخص الشريك في التدريب.
أما المجموعة الثالثة فتدربت على المهارات الاجتماعية الإدراكية مثل القدرة على تغيير المنظور.
وكي يستطيع الشخص المشارك معايشة أفكاره الشخصية من بعيد فإنه كان يحكي لشريكه في التدريب على سبيل المثال عن معايشات يومية له ولكن من منظور جانب بعينه من داخل الشخصية مثل منظور «الأم القلقة» أو «القاضي الصارم».
كان المشاركون يتدربون مرة كل أسبوع داخل مجموعة، وفي خمسة أيام أخرى من الأسبوع كانوا يتواصلون مع مدربيهم أو شركاء التدريب عبر الكمبيوتر أو الهاتف الذكي.
كان كل من هذه التدريبات يستمر نصف ساعة. ثم خضع المشاركون جميعهم بعد ثلاثة أشهر لاختبار سلوكي وتم فحص بُنى المخ بالتصوير بالرنين المغناطيسي.
وفي الدراسة الثانية قاس الباحثون كمية هورمون التوتر كورتيزول في اللعاب.
تبين من خلال الدراسة الأولى أن مناطق المخ لدى المشاركين جميعهم تغيرت. وفيما يتعلق بالمجموعة التي تدربت على الانتباه واليقظة فإن قشرة الدماغ قد نمت في مناطق المخ المسؤولة عن الانتباه. وتبين من خلال فحوص السلوكيات أن تركيز المتطوعين وانتباههم قد تحسن بالفعل.
وفي بيان عن المعهد قالت صوفي فالك، كبيرة الباحثين المشاركين في الدراسة إنها وزملاءها لاحظوا الشيء نفسه لدى المشاركين الذين تدربوا على السلوكيات الاجتماعية.
أضافت الباحثة: «كما أن سمك القشرة الدماغية ازداد سماكة في المناطق المسؤولة عن التعاطف أو تغيير زاوية الرؤية مما زاد كفاءة المشاركين بشكل طردي مع ازدياد سمك اللحاء الدماغي».
وأظهرت الدراسة الثانية أن المشاركين في الدراسة جميعهم شعروا بتراجع الإجهاد العصبي لديهم.
ولكن اختبارا لقياس الجهد العصبي خلال إلقاء محاضرة أو حل واجبات رياضية أظهر أن كلا من التدريبات الاجتماعية فقط أدت إلى تغيرات في هورمون التوتر كورتيزول في حين تراجعت معدلات الكورتيزول لدى المجموعتين الأخريين إلى النصف تقريبا.
وعن ذلك قالت فيرونيكا اينجرت، كبيرة باحثي الدراسة الثانية: «نعتقد أن مستوى التوتر العصبي انخفض من جراء التفاعلات الاجتماعية خلال التأملات الزوجية».
وأوضحت اينجرت أن «مصارحة الإنسان شخصا آخر بشكل منتظم بما يشغله وتعلم الإنصات لآخر من دون أحكام مسبقة ربما أدى إلى نوع من الحصانة ضد الإجهاد العصبي».
المصدر: د ب ا