خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 8-6-2018 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 8-6-2018

00001 4429

نص الخطبة
جاء في وصية الإمام علي عليه السلام لولديه الحسن والحسين عليهما السلام عندما ضربه ابن ملجم: (أوصيكما بتقوى الله وألا تبغيا الدنيا وإن بغتكما ولا نأسفا على شيء منها زوى عنكما، وقولا بالحق واعملا للأجر، وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً).
هذه الوصية هي من الوصايا الهامة للإمام علي عليه السلام باعتبار أنها تتضمن العديد من المفردات الروحية والأخلاقية والإجتماعية والسياسية.

وحيث إننا لا نستطيع ان نتحدث عن كل الوصايا في هذه الخطبة  ساقتصر الحديث عن ما  بدأت به الوصية ب وهو التقوى:
التقوى هي وصية كل الأنبياء والرسل والأولياء الله والأئمة  الاطهار وهي وصية الله اساسا في كتابه العزيز حيث يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ﴾.
والتقوى هي ان يلتزم الإنسان بأحكام الله وتشريعاته في مختلف مجالات الحياة فيقوم بواجباته وما افترضه الله عليه ويجتنب معاصيه.
سُئل الإمام الصادق عليه السلام عن تفسير التقوى فقال عليه السلام: “أن لا يَفقِدَكَ الله حيث أمرك ولا يراك حيث نهاك”.
فاهم موارد ومجالات التقوى هو القيام بما أمر الله واجتناب المعاصي:
عن الإمام علي عليه السلام: “المتقى من اتقى الذنوب”.
وعنه عليه السلام: “رأس التقوى ترك الشهوات”.
أي بان تكون لدى الانسان قوة ومناعة أمام الشهوات لا يتأثر بها ولا تسيطرعليه ولا تتحكم بمساره في الحياة، وهذا ما يشير إليه الإمام علي عليه السلام: “من ملك شهوته كان تقياً”. بان يسيطر الانسان على شهواته ورغباته وغرائزه ويتحكم بها وبمسارها لا ان تملكه وتتحكم هي به.
وبتعبير آخر رأس التقوى وجوهرها هو أن يتحرَّر الإنسان وتتحرر إرادته من سطوات الشهوات وممن يزينها من شياطين الجن والإنس.
ويأتي في قمة الأمور المساعدة على تحصيل التقوى وتجذيرها وتنميتها، صوم شهر رمضان، حيث ان غاية الصوم والهدف النهائي من الصوم هو الحصول على التقوى،  يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.

فالهدف من الصيام هو ان يربي الانسان هذه الملكة في نفسه وشخصيته، بحيث انه يصبر على الواجبات  كما يصبر على الجوع، ويمتنع عن المحرمات كما يمتنع عن المفطرات، فيحصل بذلك على التقوى، فمن صام ولم يحصل على هذه الملكة وعلى هذه الارادة والقوة لم يحصل على هدف الصيام ، وربما تحول الصيام الى مجرد عمل شكلي او طقس من الطقوس التي يمارسها الانسان في المواسم من دون ان يترك في شخصيته وأخلاقه وسلوكه وأعماله اي أثر يذكر، وهذا ما اشار اليه علي (ع): كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ وَالظَّمَأُ، وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ وَالْعَنَاءُ، حَبَّذَا نَوْمُ الْأَكْيَاسِ (نومهم وفِطْرُهم أفضل من صوم الحمقى وقيامهم) وَإِفْطَارُهُمْ.

ولكن كيف نحصل على التقوى وننميها في شخصيتنا؟ نحصل على التقوى :
أولا: بامتلاك المعرفة بأمور الدين وامتلاك الوعي بأحكام الدين، بالحلال والحرام، والسؤال عن كل أمر يشتبه الانسان في حكمه قبل ان يقع فيه،  ليتأكد هل هو حلال ام حرام، وأن يبتعد عن الشبهات ولا يسارع الى العمل بها .
إنّ جهل الإنسان بالدين وقيمه وأحكامه، وكذلك ضعف الوعي والثقافة الإسلامية من أهمّ الأمور التي تسبِّب انحراف الإنسان وضياعه، خصوصا في هذه المرحلة التي تكثر فيها الشبهات ويستهدف العدو عقولنا وافكارنا وقيمنا وأخلاقنا وديننا من خلال الحرب الناعمة، ونحن نرى ما فعلت وسائل الإتصال الحديثة بالبشرية جمعاء وما تفعله بشبابنا وشاباتنا ومجتمعاتنا، فإنّ السير الأعمى بدون وعي وبصيرة وراء كلّ أمر متطور وحديث، والإصغاء إلى كلّ متحدث، والركون إلى كلّ خبر وكلّ وسيلة نشر للأخبار، تهشم إرادة الإنسان وتحرف سلوكه وتلبس عليه الأمور، بل تربي فيه سلوكيات وعادات، يألف من خلالها المحرّمات والمعاصي.
لذلك من يريد ان يحصل على التقوى ويثبت عليها عليه ان يتعلم أحكام دينه وان يرفع من مستوى معرفته بعقيدته ليحصن نفسه وأُسرته وأهله من الحرب الناعمة التي يشنها الأعداء علينا من أجل ان نضل نضيع وننحرف وينحرف شبابنا وشاباتنا عن دينهم ومسؤولياتهم ، وقد رُوي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ما يؤكد على ذلك حيث قال(ص): تمام التقوى أن تتعلم ما جهلت وتعمل بما علمت.
وثانيا: من الأمور التي تساعد على تحصيل التقوى: البيئة الصالحة.. فاذا كان الانسان يعيش في بيئة صالحة ويتربى في اسرة طاهرة ويحيا في مجتمع محافظ  ويعاشر اقارب وارحام وجيران وأصدقاء صالحين فانه سينشأ على الصلاح والهدى وسيساعد ذلك على ان يصبح تقيا وورعا يخاف الله ويتحمل مسؤولياته.
اما اذا عاش في أجواء فاسدة وأجواء يسودها الإنحراف والضلال فسوف يكون شديد القرب من الإنحراف والفساد والضلال كما قال نوح عليه السلام: ﴿إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾.
إلا أنه لا بدَّ من لَفْتِ النظر إلى أنه ليس بالضرورة أنّ كلّ من نشأ وتربى وترعرع في أجواء فاسدة لا يصبح تقياً،فامرأة فرعون عاشت في وكر فرعون ولكنها خرجت من اتقى الأتقياء وكذلك ليس كل من تربّى في أجواء الصلاح يصبح تقياً كابن نوح الذي ضل وانحرف وهو ابن نبي من انبياء الله.
نعم المحيط الصالح يشكِّل عنصراً مساعداً على سلوك طريق الصلاح والتحلّي بالتقوى بينما المحيط الفاسد يشكِّل عنصراً معوقاً يثبط ويثقل خَطْوَ الإنسان في طريق التقوى.
ثالثا: من الأمور المساعدة ايضا: هو المثابرة على العبادة والأعمال الروحية بأن لا تتحول العبادة الى موسم فاذا انتهى الموسم وانتهى شهر رمضان وانقضت ليالي القدر تنتهي العبادات والمستحبات وقراءة الأدعية ولا يعود يلتفت الى هذا الجانب الروحي المهم في بناء التقوى والثبات عليها، لذلك من يريد أن يكون تقياً عليه أن لا يتهاون في مدّ هذه الملكة والقوة  بما ينمِّيها ويقويها من برامج روحية، كقراءة القرآن والتدبر فيه، وقراءة الأدعية والصوم المستحب الصلاة وخصوصاً النوافل وبشكل آكد صلاة الليل التي تساعد بشكل كبير على تنمية روحية الإنسان.
التركيز على التقوى في القرآن وفي الأحاديث وفي وصايا وكلمات امير المؤمنين علي (ع) هو لأن التقوى هي الأساس وهي المفتاح لكل خير والمدخل للطاعة والأخلاق والسلوك المتزن وعمل الخير والأعمال الصالحة وهي التي تدفع بالإنسان نحو تحمل المسؤوليات المختلفة.

00001 4429اليوم هو يوم القدس العالمي الذي دعا إليه الإمام الخميني (رضوان الله عليه) في آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك، حيث كان هدف الإمام(رضوان الله عليه) من هذا الإعلان:
أولاً: إبقاء قضية القدس حية في وجدان الأمة وثقافتها واهتماماتها وأولوياتها وجهادها.
وثانياً: أن يتم تسلّيط الضوء في كل عام، على هذه القضية وعلى ما يعانيه الشعب الفلسطيني من حصار وضغوط وظروف حياتية قاسية في  ظل الاحتلال
اليوم وأمام العدوان الأمريكي الجديد على القدس الذي تمثل بفتح السفارة الأمريكية في القدس   وباعلانها عاصمة للكيان الصهيوني وأمام المخاطر الكبرى التي تتعرض لها القضية الفلسطينية من خلال ما يسمى بصفقة القرن وغيرها يكتسب يوم القدس العالمي هذا العام أهمية خاصة، يجب ان تعبر فيه الشعوب واكثر من أي وقت مضى عن تمسكها بهذه القضية وعن استعدادها لتحمل مسؤولياتها اتجاه هذه القضية، لأن يوم القدس مثلما هو يوم للإضاءة على هذه المأساة، وعلى هذه القضية، وهو يوم أيضا لتحديد المسؤوليات، مسؤوليات الحكومات والدول والشعوب ومسؤوليات الأمة ومسؤوليات الأجيال والشباب اتجاه هذه القضية المركزية والإنسانية.
ولذلك يجب التأكيد على ان القدس و كل فلسطين، أرض محتلة مغتصبة ويجب ان تعود الى أهلها وأصحابها الشرعيين، وان إسرائيل كيان غاصب ومحتل لا يجوز الاعتراف به ولا التسليم له ولا تقديم التنازلات له.
وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل من قبل ترامب و نقل السفارة الأمريكية اليها لن يغير من حقيقة أن القدس مدينة عربية وهي عاصمة لفلسطين ، هذا الإجراء الأمريكي الوقح وكل الإجراءات الأخرى التي يمكن ان تنجم عن صفقة القرن او عن غيرها خارج اطار كون القدس عاصمة لفلسطين، هو خداع وتزوير وباطل وتجاوز لحقائق الدين والأخلاق والقيم الإنسانية والتاريخية.
اليوم  وبعد تخلي الأنظمة العربية وتواطئها على القدس وفلسطين فان الطريق الوحيد أمام الشعب الفلسطيني وأمام شعوب المنطقة هو الصمود والمقاومة، لأن المقاومة اثبتت جدواها خلال كل مراحل الصراع مع العدو .
ولأنها اثبتت جدواها وحققت انتصارات على العدو وباتت تتقدم على مستوى الامة ويتقدم مشروعها في مواجهة المشروع الصهيوني ، هم يعملون على اسقاطها وإحباطها وتشويه سمعتها والتحريض عليها ووضع رموزها على لوائح الإرهاب والقيام بحملة سياسية واعلامية ضدها.
والهدف الحقيقي من هذه الحملة التي تقودها اميركا واسرائيل والسعودية هو تمرير صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية، ودفع الشعوب وخاصة الشباب الفلسطيني والأجيال المقاومة، للتخلي عن هذه القضية.. لكننا نحن وأنتم وكل الأحرار لن نتخلى عن هذه القضية .
على أميركا وإسرائيل وكل أدواتهم في المنطقة أن ييأسوا من إمكانية أن تتخلى شعوبنا وحركاتنا وقوانا الحية عن فلسطين وعن القدس وعن الشعب الفلسطيني وعن المقاومة مهما فعلتم ومهما تواطئتم و تآمرتم .
هذه رسالة واضحة يجب أن يفهمها هؤلاء، لن تستطيعوا أن تفرضوا ،لا بالحديد ولا بالنار ولا بالقتل ولا بالمجازر ولا بالحروب ولا بالتضليل الإعلامي ولا بالتحريض الطائفي ولا بالاتهام ،أن تفرضوا على الشعب الفلسطيني ولا على محور المقاومة وشعوبه وحكوماته أن تتخلى عن فلسطين او أن تنسى القدس وأن تسمح لإسرائيل بأن تسيطر على هذه الأرض المباركة وتعيث في منطقتنا فسادا.
الشعب الفلسطيني اليوم وتعبيرا عن تمسكه بقوة بخيار المقاومة بات يبتكر آليات جديدة وأساليب وأشكالا جديدة لمقاومة الإحتلال وهو يبدع في هذه المواجهة المستمرة في اطار مسيرة العودة الكبرى.
هذه المقاومة بالارادة والعزم والدعم والمؤازرة والمثابرة والوحدة والإبداع والتضحيات قادرة على الحاق الهزيمة بالإحتلال واستعادة القدس وفلسطين وكل الحقوق المسلوبة.
ونحن في حزب الله سيبقى موقفنا الدائم والثابت والراسخ هو الوقوف الى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته التي هي قضيتنا التي لن نتخلى عنها حتى لو تخلى العالم عنها، ولن نوفر جهدا في دعمها ومساندتها ودعم ومساندة الإنتفاضة والمقاومة في الداخل بكل الوسائل الممكنة والمتاحة لنصلي في القدس ولتبقى القدس عاصمة ابدية لفلسطين.

المصدر: موقع المنار