خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 7-9-2018 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 7-9-2018

00000 10

نص الخطبة

روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) أنه قال للفضيل بن يسار: يا فضيل أتجلسون وتتحدثون؟ قال: نعم جعلت فداك. قال الإمام الصادق (ع): إن تلك المجالس أحبها. فاحيوا أمرنا، فرحم الله من أحيا أمرنا.

وهناك روايات وأحاديث كثيرة عن أهل البيت صلوات الله عليهم أيضا تأمر بإحياء ذكرهم، كالحديث الوارد عن الإمام علي بن موسى الرضا : (ع)من جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب  .يعني يوم القيامة.

بعد ايام ندخل في شهر محرم وموسم عاشوراء، وأيام عاشوراء هي أكبر فرصة لأحياء أمر اهل البيت(ع)، واحياء امر اهل البيت(ع) لا ينحصر باحياء المناسبات واقامة مجالس الفرح والحزن أو القيام ببعض الأنشطة العامة التي تذكر الناس بسيرتهم وتعاليمهم بل يكون ايضا:

 

أولاً: بالتعرف على اهل البيت(ع) وسيرتهم وأخلاقهم وعلومهم ومعارفهم والإعتقاد بإمامتهم وولايتهم وأنهم آل بيت النبي المعصومون المطهرون الذين افترض الله طاعتهم والالتزام والتقيد بما يصدر عنهم.

وقد حثت الروايات على معرفتهم، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من منَّ الله عليه بمَعرِفةِ أهلِ بيتي وولايتهم، فقد جمع الله له الخيرَ كُلّه”.

وقال سلمان الفارسيّ: “دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً، فلمّا نظر إليَّ قال: يا سلمان، إنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يبعث نبيّاً ولا رسولاً إلَّا جعل له اثني عشر نقيباً… قُلتُ: يا رسول الله، بأبي أنتَ وأمِّي، ما لمن عرف هؤلاء؟ فقال: يا سَلمانُ، من عرَفَهم حقَّ معرفتهم واقتدى بهم، فوالى وليَّهم وتبَرّأ من عدُوّهم، فهُو والله مِنّا، يردُ حيثُ نرد، ويسكُن حيثُ نسكن”.

وقد ذمِّت الروايات عدم معرفتهم عليهم السلام، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “من مات لا يَعرِف إمامَهُ ماتَ ميتةً جاهليَّة”
ثانيا: بتعليم علومهم للآخرين وتعريف الناس بمنزلتهم ومكانتهم وموقعهم في العقيدة والاسلام وعند رسول الله وتعريف الناس بمواضعهم التي وضعهم الله فيها وباخلاقهم وقيمهم وسيرتهم وتضحياتهم وخدماتهم الجليلة للإسلام بصيانتهم وحفظهم وحمايتهم  للاسلام من التحريف والتزوير والإختلاق وغير ذلك

فعن عبد السلام بن صالح الهروي قال: “سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول: “رحم الله عبداً أحيا أمرنا، فقلت له: وكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس، فإنّ الناس لو علموا محاسِن كلامنا لاتّبعونا.

هناك عوامل كثير حالت دون وصول تعاليمهم للناس وادت إلى التعتيم والكتمان،واخفاء حقيقة ومنزلة اهل البيت(ع)، هناك من عمل على طمس ذكرهم. فالسلطات المناوئة لأهل البيت(ع) من الأمويين والعباسيين وصولا الى العثمانيين وبعض الأنظمة المناوئة لنهج أهل البيت(ع) بذلوا جهودا كبيرة من أجل أن يمنعوا الناس ويفصلوهم عن أهل البيت، ويمنعوا وصول كلام أهل البيت إلى الناس.
كانت الرواية عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب تكلف الإنسان حياته، والمرسوم الذي أصدره معاوية بن أبي سفيان واضح، فمن يروي أحاديث عن أمير المؤمنين   يهدم بيته، ويقطع رزقه، ويتعرض للقتل والتصفية.
كان من ينظم شعرا بمدح أهل البيت يتعرض للملاحقة والسجن، وكان أحياء مجالس عاشوراء في بعض المراحل محظورا او حتى من كان يقصد زيارة الحسين كان في بعض المراحل يمنع من الزيارة ويلاحق ويعاقب.

لذلك اليوم في هذا الزمن  الذي تتوافر فيه نسبة من الأمن والأمان قياسا بالأزمنة الماضية يجب علينا ان نؤدي هذا الدور وهذه المهمة وهي التعريف بفكر أهل البيت(ع) وعلومهم ونشر معارفهم بين الناس، (فإنّ الناس لو علموا محاسِن كلامنا لاتّبعونا).

والمطلوب :

اولا: ان نحي أمر أهل البيت(ع) وسط أتباعهم وشيعتهم بأن نوضح تعاليمهم لأتباعهم ونشجعهم على الاقتداء بهم والأخذ بتعاليمهم؛ حتى لا يكون الاتباع مجرد اسم وانتماء في دوائر النفوس، او مجرد اتباع عاطفي بل يجب ان يكون الاتباع عمليا بأن يلتزم الموالي لأهل البيت بما التزم به أهل البيت عليهم السلام وان يكون سائراً في طريقهم بالفعل والعمل والممارسة. وهذا هو التشيع الحقيقي. فإنه لا يكفي من يعتقد بإمامة أهل البيت(ع) مجرد الاعتقاد القلبي فقط، وإنما لابد أن يتبعه بالعمل والسلوك والممارسة.

يقول الإمام الصادق (ع): ما شيعتنا إلاّ من اتقى الله وأطاعه . ويقول أيضاً:  (إنما أنا إمام من أطاعني) اي  الذي يطيعني أنا أمامه، أما الذي لا يطيعني فلست إمامه.

ويقول(ع) أيضا : “ليس من شيعتنا من يكون في مصر وفيه آلاف ويكون في المصر أورع منه”  وهذا يعني: كما أن أهل البيت كانوا هم النموزج الأسمى والأعلى كذلك شيعتهم بالنسبة إلى سائر الناس ينبغي أن يكونوا هم الأتقى والأورع الأفضل التزاماً وسلوكاً.

بعض الناس يعتقد أنه طالما هو من شيعة أهل البيت(ع) فان الله سيتساهل معه يوم القيامة، بعض الروايات تدل على عكس ذلك.

يقول الإمام الصادق(ع) :  يا مفضل، القبيح من كل أحد قبيح، ومنك أقبح لمكانتك منا، والحسن من كل أحد حسن، ومنك أحسن لمكانك منا. الإنسان الموالي والمشايع لأهل البيت عليهم السلام عليه أن يعرف أن انتسابه إلى أهل البيت يحمله مسؤولية سلوكية كبيرة.
فإحياء أمر أهل البيت في وسط أتباعهم وشيعتهم يكون بمعنى المزيد من الاقتداء والالتزام والاتباع لأهل البيت.

ولذلك المجالس التي نحي فيها عاشوراء ونجتمع فيها في المناسبات المختلفة للأئمة(ع) لابد تكون دافعاً لنا للالتزام والتقيد بالدين وبأوامر أهل البيت(ع).

 

ثانيا: المطلوب ايضا نشر تعاليمهم واخلاقهم وقيمهم التي هي تعاليم الاسلام واخلاق الاسلام وقيم الاسلام بين سائر المسلمين ممن هم ليسوا على مذهب اهل البيت(ع) لأن أهل البيت(ع) ليسوا حكراً على الشيعة، فأهل البيت(ع) يحملون رسالة لكل المسلمين، وهم هداة لكل المسلمين. ولذلك يجب أن يصل فكرهم إلى كل المسلمين. فيجب أن يحيى ذكر أهل البيت(ع) وأمرهم في الدائرة الإسلامية العامة. أبناء الأمة الإسلامية ينبغي أن يعرفوا فكر أهل البيت.

ولذلك أكد الإمام الرضا:  أن يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لتبعونا.

فإذا اتضحت سيرة أهل البيت(ع) للناس، وإذا انتشر فكرهم بين الناس حتى من غير أتباعهم والموالين لهم؛ فإنه يكون لهذا أثر كبير في استقطاب الناس إلى خط أهل البيت وإلى منهجهم.

وهذه التوعية بفكر أهل البيت عليهم ونشر سيرتهم ينبغي أن تكون بالأسلوب المناسب: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾.

ولذلك يقول مدرك بن الهزهاز،  قال لي الإمام الصادق(ع):  (أقرئ أصحابنا السلام ورحمة الله وبركاته، وقل لهم: رحم الله امرأً اجتر مودة الناس إلينا، فحدّثهم بما يعرفون وترك ما ينكرون)، استقطبوا مودة الناس إلى أهل البيت، وتخاطبوا مع الناس على قدر عقولهم، على قدر تقبلهم. ليس من الصحيح أن تتحدث مع الناس عن أشياء حينما يسمعونها ينفرون منها، أو يواجهونها بردة فعل، هذا خطأ. لا تحدث الناس بما ينكرون، حدثهم بما يعرفون يعني بما يمكن أن يقبلوه ويستوعبوه. ولذلك من يتحدثون في أمثال هذه المجالس يجب أن يتنبهوا إلى أن من يستمع هذا الكلام ليسوا فقط هم اتباع اهل البيت بل كل المسلمين خصوصا مع وجود الفضائيات ووسائل التواصل فان كل ما يقال يصل الى اسماع الناس ولذك ينبغي أن يكون الكلام معقولاً ومنطقياً ومستوعَباَ عند الآخرين، وإلا فأنت تسيء إلى أهل البيت فيما إذا أخرجت شيئًا لا يمكن استيعابه وتقبله.

فعن جابر الجعفي رضي الله عنه يقول:دخلت على أبي جعفر (ع) وأنا شاب، فقال: من أنت؟ قلت: من أهل الكوفة جئتك لطلب العلم، فدفع لي كتاباً وقال لي: إن أنت حدثت به حتى تهلك بنو أمية فعليك لعنتي ولعنة آبائي. وإن أنت كتمت منه شيئاً بعد هلاك بني أمية فعليك لعنتي ولعنة آبائي.

وهذا يعني أنه لابد أن ترى الظرف المناسب لما تقوله عن أهل البيت، ولما تحدث به من أحاديث أهل البيت، فالإمام هو بنفسه دفع له هذا الكتاب لكنه قاله له: إن الظرف غير مناسب لهذه الأحاديث. لذلك على الإنسان يراعي الظرف المناسب، والمحيط المناسب، والكلام المناسب. فقد اشتهرت روايات عن الرسول (ص):  إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم .

ثالثا: المطلوب ايضا ان ننشر فكر اهل البيت في الدائرة الإنسانية العامة:

العالم اليوم تسوده حالة الوعي، وهذا يساعد على استيعاب القيم والمفاهيم والمبادئ الإنسانية التي تنسجم مع فطرة الإنسان ومصلحته. وهذا الوقت مناسب جداً لتقديم نموذج أهل البيت ومفاهيمه في قبال النماذج الأخرى التي تجعل الناس ينفرون من الاسلام.

هذه هي مسؤوليتنا جميعا، ليست مسؤوليتنا البكاء على أهل البيت(ع) واظهار الحزن عليهم فقط ، بل مسؤوليتنا الى جانب ذلك أن نتحدث فيما بيننا عن أهل البيت(ع) فقط، بل ينبغي أن ننقل سيرة أهل البيت(ع) بصورة مناسبة للعالم. وعاشوراء وكل مناسبات اهل البيت(ع) هي فرصة لنا للقيام بهذه المهمة .

اليوم السبب في تعثر تشكيل الحكومة والعودة الى المربع الاول هو الاستنسابية التي يبدو انها باتت هي المعتمدة في التشكيل وتغييب المعيار المحدد والواضح الذي يضمن مشاركة الجميع ويؤمن عدالة التمثيل وايضا محاولة ارضاء جهات داخلية واقليمية على حساب جهات وطنية.

لو كان هناك معايير واضحة ومحددة  تراعي عدالة التمثيل وتحترم الاحجام وما أفرزته نتائج الانتخابات النيابية ووتراعي توزيع الحقائب الاساسية والخدماتية ووزراء الدولة بشكل عادل ومتوازن لما وصلنا الى حالة المراوحة هذه ولكنا تلافينا سلبيات وتداعيات الاستنسابية  التي باتت تخلق تعقيدات وازمات جديدة.

اليوم الاستمرار في هذا النهج يدفع لبنان نحو المزيد من الانحدار ويجر البلد نحو ازمات جديدة ولذلك المطلوب هو الالتفات الى ما تقتضيه المصلحة الوطنية حيث تقتضي تشكيل حكومة متوازنة تحترم ما افرزته الانتخابات ولا تهمش أي فريق وتراعي عدالة التمثيل في الأحجام والحقائب الوزارية وتعمل على إرضاء لبنان بدل إرضاء الخارج وتحقيق رغبات اللبنانيين وآمالهم .

المصدر: بريد الموقع