بعد فشل مشروع التقسيم في الشرق الأوسط هل تنتقل العدوى إلى الاتحاد الأوروبي ومن يقف وراء ذلك؟ – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

بعد فشل مشروع التقسيم في الشرق الأوسط هل تنتقل العدوى إلى الاتحاد الأوروبي ومن يقف وراء ذلك؟

علم الاتحاد الاوروبي

طلال ياسر – كاتب

لم يكن يقتنع حكام أوروبا في بداية الأزمة السورية ولا حتى في أثنائها بأن اللعب في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في بلاد الشام والعراق هو لعب محفوف بالمخاطر، حيث إن منطقة الشرق الأوسط التي حاولوا التلاعب بها ديموغرافياً تقع على فالق زلزالي يبدأ منها وربما لا ينتهي عند حدود أوروبا بل سيمتد تأثيره إلى سائر أرجاء الكرة الأرضية، فالمكوّنات الدينية والعرقية الموجودة في الشرق لا تختلف كثيراً عن تلك الموجودة في أوروبا من حيث التنوّع والخلافات الحاضرة فيما بينها، فإسبانيا مثلاً تعاني منذ وقت بعيد محاولة إقليم بأكمله الانفصال عنها بسبب اختلاف العرق مع الإسبان، وهم ينتظرون فرصة مثل فرصة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي واستقلال اسكوتلندا بالنتيجة عنها حتى يعلنوا مثل هذا الأمر ويطالبوا بإجراء استفتاء حول ذلك، كما أن أوكرانيا التي صنع الغرب فيها أزمة لتهديد روسيا باتت مهدّدة بانفراط عقدها إلى مجموعة أقاليم مستقلة، وهذا الأمر لن يمرّ في أوروبا ذات المساحة الضيقة جغرافياً دون أن يحدث تأثيراً في سائر الدول، وللمتابع لهذا الأمر أن يتكهّن بانفراط عقد ألمانيا مثلاً إلى عدة دول على خلفية ذلك، ما يمكن أن يقود إلى أن يحدث ذلك على طريقة أحجار الدومينو التي استخدموها في الشرق الأوسط.

لذلك كان الدعم الأوروبي للقلاقل التي حدثت في الشرق الأوسط تحت مسمّى “الربيع العربي” خطوة غير محسوبة على الإطلاق بالنسبة لأوروبا، فبعد أن دعمت دول أوروبية كبرى تلك الاضطرابات والقلاقل بكل الوسائل والسبل وخاصة الجماعات الإرهابية التي انتشرت كالنار في الهشيم في هذه الدول، وذلك عبر دعم هذه الجماعات وتمويلها وتسليحها وتأمين أكبر غطاء أممي لها وإمبراطوريات إعلامية كبرى تزيّن جرائمها وتبرّر ممارسات الدول الإقليمية التي تغذي هذه الجماعات بالمال والسلاح وتفتح حدودها لها للوصول إلى كل من سورية والعراق، بعد هذا المشروع الشيطاني الذي عمل الغرب طوال السنوات الخمس الماضية على تحقيقه  في الشرق الأوسط، بدأت ملامح الفشل تظهر إلى العلن بعد ارتداد الإرهاب الذي تفشى في الشرق على داعميه الإقليميين والغربيين، وذلك بشكل مباشر بدءاً من العمليات الإرهابية المتنقلة من دولة إلى أخرى وصولاً إلى أزمة اللاجئين التي تخطت ما صُنعت من أجله ليشكل اللجوء عبئاً على الدول التي رحّبت به ومرتعاً خصباً لخلايا إرهابية نائمة بدأت تتسلل إلى هذه الدول تحت هذا العنوان، وليس انتهاء بالارتداد الأكبر والأخطر على أوروبا الذي تسبّب  بخروج بريطانيا إحدى أكبر الدول في أوروبا والناتو مالياً وعسكرياً واقتصادياً من الاتحاد الأوروبي، وبالتالي تهديد وحدة الاتحاد بالكامل.

ولكن لماذا يقوم الغرب بعد إعلان بريطانيا الخروج من الاتحاد  الأوروبي بتسويق وجود أيادٍ روسية خفيّة وراء هذا الأمر؟ وهل تقف الولايات المتحدة وراء هذا الاتهام ولماذا؟.

إن المتتبّع لسير الأمور بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يلاحظ  أن هناك  بالفعل من يقف بالخفاء وراء دفع الشعب البريطاني بأغلبيته نحو التصويت على الخروج، فأزمة اللاجئين التي نشأت في أوروبا تم تسويقها في الغرب وخاصة الأمريكي على أنها فزاعة تهدّد بمنعكساتها استقرار بريطانيا اقتصادياً من حيث زيادة معدلات البطالة فيها بسبب الهجرة، وبالتالي التأثير في الاقتصاد البريطاني الذي يعدّ حاملاً أساسياً للاتحاد الأوروبي.

فقد عمَد الإعلام الصهيوني الأمريكي إلى تضخيم تداعيات أزمة اللاجئين في أوروبا والتحذير منها على أوروبا، من حيث إنها ستدفع العاطلين الأوروبيين عن العمل إلى البحث عن بديل لسوق العمل في بلدانهم في بريطانيا وبالتالي الضغط على الاقتصاد البريطاني، ما دفع بالنتيجة المحافظين في بريطانيا إلى استغلال هذا الأمر لإجبار أكبر عدد ممكن من الشعب على الخروج من الاتحاد الأوروبي.

ثم يأتي بعد ذلك الدور الأمريكي في تسويق الخروج البريطاني من الاتحاد على أنه تمّ بدفع روسي واضح، لإحداث أكبر نقمة ممكنة على روسيا ضمن شعوب الاتحاد الأوروبي، وتحريض الأوروبيين بشكل واضح عليها، وإشعارهم بأنها العدو الوحيد لهم الذي يسعى إلى تفتيت هذا الاتحاد، مستخدمين في ذلك صدمة الخروج البريطاني من الاتحاد، ليتم فيما بعد تحريض حلف شمال الأطلسي “ناتو” على تعزيز وجوده في شرق أوروبا على حدود روسيا، وهذا ما ظهر جليّاً في قمّة الحلف الأخيرة، حيث قرّر الحلف نشر صواريخه في كل من بولندا ورومانيا على حدود روسيا الغربية، بالتزامن مع نشر صواريخ مماثلة في كوريا الجنوبية بدعوى ردع كوريا الشمالية عن الاعتداء على جيرانها.

إذن هناك عمل أمريكي ممنهج على تطويق روسيا من خلال حلف “ناتو” بكل الوسائل والسبل، ما يؤكد فرضية أحد المسؤولين الروس وهو رئيس الاتحاد السوفييتي سابقاً ميخائيل غورباتشوف، بأن الحلف ينتقل تدريجياً من الحرب الباردة مع روسيا إلى الحرب الساخنة، فهل يستطيع الأوروبيون تحمّل تبعات حرب مع روسيا تضعهم أمريكا في مواجهتها مباشرة، حيث تجعلهم رأس حربة معركة كبيرة مع روسيا ومن ورائها مجموعة شنغهاي؟.

وأخيراً.. ربما لا يكون الهدف الأمريكي من هذا الأمر روسيا والصين، بقدر ما يكون الهدف تدمير أوروبا من جديد وتقسيمها، لإزالة فكرة الاتحاد الأوروبي من الوجود وتحويل أوروبا بكل ما تملك من طاقات إلى تابع كامل للولايات المتحدة الأمريكية، بحيث تتحوّل أوروبا إلى سوق داعم للاقتصاد الأمريكي بعد أن خرجت دول كبرى من عباءة السيطرة الأمريكية وتحوّلت بفعل الصعود الروسي الصيني إلى حليفة للقطبين الجديدين، ما يجعل فرضية السعي الأمريكي إلى تفتيت العالم بأكمله لتسهيل حكمه فرضية قوية وقابلة للتصديق، لأن الولايات المتحدة لا تبحث عن الاصطدام مع روسيا والصين مباشرة، وإنما تدفع أوروبا للاصطدام بروسيا من جهة الغرب، وكلاً من اليابان وكوريا الجنوبية للاصطدام مع الصين شرقاً.

 

المصدر: خاص