إطلاق العميل فاخوري… ما المقدِّمات والنتائج؟ – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

إطلاق العميل فاخوري… ما المقدِّمات والنتائج؟

438
علي عبادي

 

هل حقاً خُدعنا أو فُوجئنا بالحكم الذي صدر عن المحكمة العسكرية بإطلاق العميل السفاح عامر فاخوري؟
طوال الفترة الماضية، لم يبدر من بعض الجهات القضائية على الأقل الجدية اللازمة في ملاحقة العميل عن جرائمه بحق المعتقلين في الخيام عندما كان مسؤولاً عن أمن السجن الكبير أيام الإحتلال الصهيوني. وأكثر من مرة، ظهر أن المتابعات القضائية لا تعدو محاولة لرفع العتب إزاء احتجاجات واعتصامات ضحايا فاخوري الذين تمكنوا من تحشيد الرأي العام خلف قضيتهم الإنسانية – النضالية المحقة. ذريعة انقضاء مرور الزمن بقيت محور الجلسات القضائية، وهي ثغرة في القانون كان ينبغي سدُّها منذ زمن طويل منعاً لإغلاق الملف، لكنها في أي حال لا تبرر إخراج القضية بهذه الطريقة – التهريبة التي تمت على يد المحكمة العسكرية.

مقدّمات الحكم
عندما نعود الى أصل “اكتشاف” عودة عامر فاخوري الى لبنان، يتبين أن انفضاحها جرى بطريقة لم تُرض بعض الأجهزة الأمنية. وأصبح معلوماً كيف أن ضابطاً كبيراً استقبل العميل في المطار لمساعدته على المرور بدون أية صعوبات. كما تبين أن مذكرة توقيفه “مسحوبة”، أي أصبحت لاغية. لكن القضية أعيد إحياؤها ليس بهمّة الأجهزة الأمنية والقضائية بل لارتفاع أصوات الأسرى المحررين الذين ذاقوا الأمرّين على يده.
من قاضٍ الى آخر إنتقل الملف، ومن بيروت تمت الإحالة الى النبطية. وبدا من خلال ذريعة أخرى هي إصابة فاخوري بالسرطان أن لا جدية في نقل الملف الى محكمة الإستئناف في النبطية حيث يمكن أن يواجه الجزّار ضحاياه على أرض الجنوب، وهكذا يبقى الموضوع تحت السيطرة والتحكم في غرف مغلقة في بيروت.

واضح أن الضغوط الأميركية فعلت فعلها في تقرير النتيجة، من خلال تهديدات أعضاء في الكونغرس بسنّ تشريعات تفرض “عقوبات” بحق المسؤولين اللبنانيين عن توقيف العميل فاخوري بوصفه مواطناً أميركياً. وجال مسؤولون ودبلوماسيون أميركيون على المسؤولين اللبنانيين للمطالبة بإطلاقه، بلغة تراوحت بين التذكير والتلميح الى إجراءات في حال توفي فاخوري في السجن.
وعندما نُقل العميل المجرم من السجن الى مستشفى، بدا أنه تمت ترقية وضعه بانتظار قرار سياسي ما. وجاء قرار المحكمة العسكرية ليشكل ضربة قاسية لمصداقية المحكمة التي لم تكتفِ بالأخذ بحجة مرور الزمن العشري، لكنها طلبت إطلاقه فوراً ما لم يكن ملاحقاً في قضية أخرى. وهذا يدل على نية مبيَّتة لإطلاقه، تجنباً لأية ردود فعل أو مراجعات قد تظهر خلال ساعات من صدور الحكم.

نتائج تفرض نفسها
على أي حال، رُبَّ ضارة نافعة. إذ يمكن الخروج من هذه القضية الكبيرة في بُعدها الإنساني- النضالي ببعض النتائج:
– لم يمضِ تحرك الأسرى المحررين بدون نتيجة، فهو قد أفلح في إعادة تسليط الضوء على معاناتهم وعلى قضية لم يكن الكثير من اللبنانيين يعرفون عنها شيئاً.
– ثبّت الأسرى المحررون والرأي العام الذي ساندهم معادلة هامة، أصبح بموجبها عامر فاخوري وسواه من العملاء المجرمين يحسبون ألف حساب قبل أن يفكروا بالعودة الى لبنان، لأنهم يعرفون أن بانتظارهم مطالبين لا ينسون حقوقهم.
– يبقى المجرم مجرماً حتى لو صدر عن القضاء ألف حكم بكفّ التعقب استناداً الى مواد قانونية تحتاج الى مراجعة وتحديث، بعيداً عن الإملاءات السياسية، وفي شكل يحفظ حقوق الضحايا. للتذكير، فإن الولايات المتحدة بالذات لا تزال تلاحق مواطنين لبنانيين بسبب استهداف جنود أميركيين على أرض لبنانية في الثمانينيات من القرن الماضي، بدون الأخذ بأية أعذار زمنية وما شاكل.
– مثل هذا الحكم الصادر بإطلاق العميل فاخوري سيُلحق العار بأي قاضٍ يجرؤ مستقبلاً على اتخاذه، وسيكون للأسرى المحررين الدور الطليعي في التحرك مجدداً في اتجاه الجهات القضائية المسؤولة لإشعارها بخطورة ما أقدمت عليه.
– يحتاج القضاء بجناحية المدني والعسكري الى وقفة مع الذات ليقرر إن كانت وظيفته تحقيق العدالة وإعادة حقوق المظلومين، أو تلبية مطالب السياسيين.

لقد تبينَ أن الحسابات السياسية طغت في هذه القضية بشكل لا لبس فيه، خاصة أن فاخوري تقف وراءه دولة كبرى، ولها آذان في الدولة اللبنانية، حيث يقف الكثيرون على خاطرها لحسابات شخصية أو سياسية. وحتى إذا كانت الذريعة لإطلاقه إقناع واشنطن برفع الموانع أمام وصول مساعدات عربية ودولية الى لبنان، فإن الجميع يعرف أن فاخوري ليس العنوان المناسب لذلك، وأن للإدارة الأميركية سلسلة مطالب كبرى ليس أقلها ترسيم الحدود البرية والبحرية الجنوبية والتضييق على حزب الله. وللأسف، كل ما سمعناه عن استقلال القضاء وأنه من يقرر في هذه القضية إتضح أنه “كليشيه” لا يصمد أمام الإختبار في ساعة الإستحقاق.
الخلاصة: كونوا مع شعبكم كي يحترمكم الأقوياء.

المصدر: موقع المنار