خطبة الجمعة للشيخ علي دعموش 25-6-2021 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة للشيخ علي دعموش 25-6-2021

دعموش

ألقى نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش خطبة الجمعة 25-6-2021.

بسم الله الرحمن الرحيم

الامام الرضا(ع) جبل الصبر
سئل الامام الرضا (عليه السلام) عن خيار العباد، فقال (ع): الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤوا استغفروا، وإذا أُعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، وإذا غضِبوا عَفَوْا .
في الحادي عشر من شهر ذي القعدة التقينا بذكرى ولادة الإمام الثامن من أئمة أهل البيت(ع) وهو الإمام علي بن موسى الرضا(ع), الذي ولد في سنة 148في المدينة المنورة, وتولى الإمامة بعد وفاة أبيه الإمام موسى الكاظم في سنة 183, وقد عاصر خلال فترة إمامته المباركة التي استمرت عشرين سنة عدداً من خلفاء بني العباس وهم هارون الرشيد لمدة عشر سنوات, ومن بعده ولديه الأمين والمأمون، وقد سلمه المأمون ولاية العهد فقبلها الإمام مرغماً وبعد ضغوط كبيرة مارستها السلطة عليه, وقد أراد المأمون من ذلك كسب شرعية له ولحكمه, نظراً للمكانة التي كان يحتلها الإمام في المجتمع الإسلامي آنذاك.
لقد كان الامام الرضا (ع) تجسيدا حيا للايمان والطهر والعصمة، ومظهرا للصبر والتحمل ومواجهة المصاعب والمصائب والالام ، بحيث انه لقب بالصابر، بل قيل ان سبب تسميته بالرضا الذي هو اشهر القابه، هو لأنه صَبَر على المِحَن والخُطُوب التي تَلَقَّاهَا مِن خُصُومِهِ وأعدَائِه .
فقد كان الامام من الذين ابتلوا وصبروا، وقد لازمته هذه الصفة، صفة الصبر، الى اخر يوم من عمره الشريف، حيث واجه كل تحديات الظالمين وضغوطهم ومكائدهم بالصبر والثبات.
فقد صبر على ابعاده عن اتباعه وشيعته ومنعه من اللقاء بانصاره ومحبيه ، وصبر عندما أُجبر على الغربة والهجرة الى خراسان، فهاجر وترك وطنه الذي عاش فيه وترك عياله ومحبيه.
وهو بالصبر استطاع ان يحبط كل محاولاتهم واهدافهم وان يكمل طريقه الى الله.
نحن اليوم نعيش في مرحلة صعبة وقاسية، ونواجه الكثير من المصاعب والمصائب والتحديات، فهناك وباء كورونا الذي ترك الكثير من التداعيات، وهناك الازمة الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها كل اللبنانيين، وهناك عدوّ يتربّص بنا ويقطع علينا الطريق وينصب لنا الكمائن، وهناك الحروب الناعمة ومائد الشيطان الذي يُزيّن لنا الشرور، ويوسوس لنا بالمعاصي ، وهناك النفس الأمّارة بالسوء؛ وهناك الشهوات والاهواء والمصالح والطموحات التي تضغط علينا باستمرار.
إذاً نحن نواجه في هذا الزمن الصعب، صعوبات وتحدّيات كبيرة جداً، وحتى نستطيع أن نتجاوز كل هذه التحديات يجب أن نستعين ونتسلّح بالصبر.
كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ البقرة: 153. و في آية أخرى: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ البقرة: 45-46.
والصبر هنا ليس بمعنى الاستكانة والخضوع والاستسلام للشقاء ،والسكوت على الجوع او الذل أو الظلم او استلاب الحقوق او الاحتلال، وإنما هو بمعنى تحمّل المصاعب والمشقّات والتحديات وضبط النفس امامها ، واستيعاب الضغوط والصعوبات، ومحاولة التغلب عليها.
فعن امير المؤمنين(ع): الصبرُ أن يَحتَمِلَ الرجلُ ما يَنُوبُه، ويَكئِم ما يُغضِبُه.
وعن الإمام الرضا(ع) أنه قال: «لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتى تكون لديه ثلاث خصال: التفقه في الدين ـ أن يعرف احكام دينه ويعمل بها ويعرفها للاخرين ـ وحسن التقدير في المعيشة ـ أن يعرف كيف ينظّم أموره ومعيشته فلا يكون مسرفاً ومبذراً ـ والصبر على الرزايا.
و الصبر هو أساس النجاح في كل الأعمال، فالصبرُ كما في الاحاديث الشريفة: مفتاحُ الفَرَج. وهو أعوَنُ شيءٍ على الدَّهر. وهو سبب للنصر والظفر (الصَّبْرُ أحَدُ الظَّفَرَين).
والمقاومة في لبنان انما انتصرت بالصبر، صبر الناس والاهالي، وصبر المجاهدين، وعوائل الشهداء، والجرحى وعائلاتهم، والأسرى وعائلاتهم.
الصبر ايضا يجعل الإنسان قويا في مواجهة المحن والتحديات والصعوبات والاحداث التي يواجهها في الحياة، ويمنح الإنسان الطاقة على مواصلة الطريق ويعين في دفع الالام والاضرار والبلاءات.
ففي الحديث عن امير المؤمنين علي(ع): الصبرُ أدفَعُ للبلاء. وعنه (ع): الصبرُ أدفَعُ للضَّرَر. وفي حديث ثالث: الصبرُ أدفَعُ للفَقر.
ولا شك ان ذكر الله والشعور بحضوره الدائم يزيد من عزيمة الصابرين ويمكّنهم من تقوية صبرهم، كما قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾ البقرة: 156.
ومن يصبر في كل المواقع التي تحتاج الى صبر وتحمل وثيات ، فان الله يوفيه أجره بغير حساب.
﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ الزمر: 10.
الإمام الرضا عليه السلام الذي كان عنوان الصبر وجبل الصبر هم من تلك الثلة من أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين أمرنا الله تعالى بمودتهم والاقتداء بهم (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) لذا علينا أن نقتدي بهم ونسير على نهجهم ونهتدي بهداهم ونسير على سيرتهم وسنتهم وأن نعمل بوصاياهم وتعاليمهم لنفوز في الدنيا والآخرة.

المصدر: بريد الموقع