خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 19-11-2021 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 19-11-2021

الشيخ علي دعموش

التكيف مع الواقع المعيشي
نص الخطبة
قال الله تعالى:(وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ).
هناك الكثير من المستجدات التي تطرأ في حياة الانسان، فتغير من اوضاعه وظروفه، فتتغير وتتبدل اوضاعه الاجتماعية او الصحية او المالية او المعيشية والاقتصادية او غير ذلك، لان اوضاع الانسان وظروفه المختلفة ليست امرا ثابتا ودائما، بل هي قابلة للتحول والتغيير.
فقد يكون وضع الانسان الفرد او المجتمع الاقتصادي والمالي مثلا في زمن معين جيدا ومستقرا بينما في زمن اخر يكون مترديا وسيئا ومأزوما.
عندما نعيش في زمن التغيرات والتحولات الاقتصادية وتكون الاوضاع المعيشية والاقتصادية صعبة وقاسية ونكون في ازمة اقتصادية ومالية كما هو حالنا في لبنان في هذه المرحلة، فان على الانسان في مثل هذه الحالة ان يعيد النظر في نمط حياته وفيما اعتاده ودأب عليه من شؤونه وحاجاته وامور حياته.
فعندما تكون الاوضاع الاقتصادية او المعيشية للانسان الفرد او المجتمع سيئة وظروفه المالية صعبة لا يصح يتصرف كما كان يتصرف في الاوقات السابقة وكأنه ليس في ازمة، بل عليه ان يتأقلم ويتكيف مع الواقع الجديد وان لا يكابر ولا يصر على اعتماد النمط الذي اعتاده في العيش.
بعض الناس ليس لديهم مرونة التكيّف مع الازمات والاوضاع الصعبة التي يمرون بها، فتراهم يسترسلون في نفقاتهم ومصروفهم ويبقون على ما كانوا عليه، مما يجعلهم يدفعون ثمن هذهالطريقة ويقعون في العوز والفقر والفاقة والحاجة، بينما لو بادروا للتكيف لحموا انفسهم من كل ذلك ، يقول الإمام علي كما ورد عنه: «مَن أقَلَّ الاستِرسالَ سَلِمَ».

البعض يقضي الكثير من وقته في الحديث عن الواقع الصعب الذي بدأنا نعيشه نتيجة الازمات المتلاحقة ستهلك ويتأفف ويعبر عن استيائه من الحالة التي وصلنا اليها، ينتقد الأوضاع المعيشية الصعبة، ويتذمر من الغلاء وارتفاع الاسعار، ويسب ويشتم من كان السبب في ذلك، ويعيش الشعور باليأس والإحباط من هذه الحالة ، ويتحدث وينشر في مجالسه وسهراته حالة التململ والاستياء، من دون أن يبذل جهدًا لاستيعاب هذه الظروف والتكيّف معها ومع متطلباتها.
ليس صحيحا ان يقف الانسان فقط لعبر ليتذمر ويتأفف من الواقع المتردي الذي يعيشه
المطلوب هو التفكير في كيفية التعامل مع اهذا الواقع ، حتى يتم تلافي انعكاسته السلبية على جياة الانسان، فالتذمر لا يجدي ولا يفيد، بل يزيد العبء النفسي على الانسان، ويمنعه من التفاعل الإيجابي يقول الإمام علي(ع): «مَن عَتَبَ عَلى الزمانِ طالَت مَعتَبَتُهُ».
العتاب لا يجدي نفعًا، بل عليك أن تتكيّف وتعيد التموضع في أمور حياتك وترتيب أوضاعك وان تضع برنامجا ينسجم مع الواقع الجديد الذي تعيشه.
اليوم نحن نعيش في لبنان في ازمة اقتصادية ومعيشية حقيقية فكيف نتكيّف مع هذه الازمة؟
اليوم الناس في لبنان منشغلة بالازمة الاقتصادية التي تعصف بحياتهم، هبوط غير مسبوق لليرة امام الدولار بحيث فقدت الليرة تسعين بالمئة من قيمتها، غلاء فاحش في كل السلع الحياتية، رفع أسعاراشتراكات الكهرباء، رفع اسعار البنزين والمازوت والنقل، ارتفاع مخيف بأسعار الادوية خصوصا بعد رفع الدعم بالكامل عن الدواء قبل يومين، اضافة الى ان رواتب الموظفين والعمال لم تعد تكفي شيئا .
كل هذه الاوضاع تجعل حياة الناس صعبة .
هذا الواقع يفرض علينا جميعا أن نكون مرنين وان نبادر إلى التكيف مع هذا الواقع المعيشي الجديد والتكيف يكون أولًا واخرا بترشيد الصرف والنفقات.
لا يصح أبدًا أن يكون صرفنا وإنفاقنا كما كان في الماضي، على كلِّ واحدٍ منّا سواء على مستوى حياته الفردية أو العائلية أن يعيد النظر في استهلاكه لحاجاته بان يستهلك ما هو ضروري ويبتعد عن الكماليات، ان يعيد النظر في استهلاك المواد الغذائية لان استهلاكنا مبالغ فيه، تذهب الى المطاعم فتجدها مملوءة ، وتذهب الى المقاهي فتجدها مملوءة ، مع انها تستهلك الكثير من المال والنفقات، نحن لا زلنا نعيش حالة الاسترسال وكاننا لسنا في أزمة ، ايضا ان نعيد النظر في استهلاكنا للماء والكهرباء والمحروقات والمشاوير المفتوحة التي تستهلك وقودا بات غاليا !!
يجب ان نضع برنامجا للنفقات والمصارفت تماما كما يضع مريض السكري نظاما غذائيا يراعي وضعه الصحي.
لا بُد للإنسان أن يُحكّم عقله وإرادته، ويغير عاداته وتقاليده ونمط حياته الذي كان يستهلك الكثير من النفقات.
نحن مدعون إلى ترشيد صرفنا على المستوى الفردي والعائلي وعلى مستوى العادات والأعراف الاجتماعية.
يتحدث الناس في المجالس عن الصعوبات الاقتصادية ، لكن ذلك لا ينعكس على واقع الصرف في في شراء الكماليات وفي الزواج وفي مناسبات الافراح عموما كاعياد الميلاد للاطفال مثلا وفي مناسبات العزاء!!
هناك الكثير من الاحراجات التي تحصل في مناسبات الافراح والاحزان، فنجد البعض يقيم في الاعراس بدل الحفل حفلين وعند العزاء يقيم الولائم، فيحرج بذلك الفقراء الذين لا يتمكنون من فعل ذلك.
الانسان حتى لو كان ميسورا يجب ان يراعي مشاعر المحتاجين فلا يصرف امامهم ما لا يحلمون بصرفه.
يجب أن نستثمر الازمة الاقتصادية والمعيشية التي نمر بها لتغيير بعض العادات المكلفة والمرهقة.
اليوم نحن نعيش ازمة اقتصادية ومالية قد لا تكون مسبوقة في تاريخ لبنان، والمطلوب من الناس ان تتعاون مع بعضها، وان تسود روح التكافل فيما بينها، وايضا ان تقوم الحكومة والدولة بواجباتها ومسؤولياتها.
اليوم وفي ظل التحديات التي يواجهها لبنان على اكثر من صعيد ومع تفاقم الازمات المعيشية والاقتصادية والمالية لا يجوز ان تبقى الحكومة معلقة وان يبقى البلد مجمدا لأن هناك من أخذ قرارا في الخارج بتجميده وتعطيله، بل على الحكومة أن تقوم بدورها وعملها وتبادر الى معالجة الاسباب والموانع التي تحول دون انعقادها وتتخذ القرارات المناسبة بكل جرأة وشجاعة ومن يريد أن يغض فليغضب..
ليس مقبولا ان تسقط الدولة امام التهديد والتهويل وسياسة الابتزاز والضغوط التي تمارسها هذه الدولة او تلك، ولا يجوز ان يقبل احد من اللبنانيين بالذل والخضوع لاي جهة خارجية.
فنحن بلد قوي ولنا كرامتنا ولدينا امكانات ، ونستطيع أن نقوم بكثير من الأمور التي تساعد على النهوض ببلدنا وعلى بناء اقتصاد قوي بالاستفادة من مواردنا وثرواتنا وغازنا ونفطنا بعيدا عن الاستجداء والتسول، فمصير بلدنا لا يتوقف على من يقدم لنا مساعدة من هنا او من هناك، ونرفض اي مساعدات مشروطة بالسياسة ، ونحن انما وصلنا إلى ما وصلنا اليه من تردي الوضع الاقتصادي والمالي لأن كل السياسات الاقتصادية السابقة كانت قائمة على التسول والمساعدات، فلا يريدوننا أن ننشأ اقتصادا قويا، ولا أن نستخرج النفط والغاز من بحرنا ولا ان نطور بلدنا، ويريدوننا أن نبقى خاضعين لمساعداتهم ولفتات أموالهم، ثم يهددوننا اما ان تعملوا كما نريد واما ان نتخلى عنكم ونمنع عنكم المساعدات.
نحن نرفض هذا المنطق ولا نقبل به وليس هناك من دولة في العالم ذات سيادة تقبل بهذا المنطق او تقبل على نفسها ما يقبله البعض في لبنان على نفسه،
نحن لا يمكن لأحد أن يضغط علينا او ان يبتزنا بهذه الطريقة أو أن يغير من قناعاتنا وثوابتنا.
وعلى مقربة من يوم الاستقلال الوطني نؤكد رفضنا لكل أشكال الارتهان والتبعية للخارج وتمسكنا بسيادتنا وكرامتنا وانتمائنا الوطني.
فالارتهان والتبعية للخارج والخضوع للاحتلال او العدوان او التهديد اوالتهويل يتنافى تماما مع المعاني والقيم الوطنية التي ارساها الاستقلال في بلدنا
ان بداية السقوط والانحدار لاي دولة مستقلة او شعب عزيز وحر هو المجاملة على حساب السيادة والكرامة الوطنية والسماح للجهات الخارجية وللدول الشقيقة وغير الشقيقة التدخل بشؤوننا الداخلية وفرض املاءاتها علينا.
وعلى هذا الاساس نحن نرفض تدخل الولايات المتحدة والغرب والسعودية في الانتخابات النيابية المقبلة ومحاولة فرض خياراتهم على الشعب اللبناني
الشعب اللبناني يجب ان يختار بملىء ارادته وحريته من يمثله في البرلمان وهو وحده من يختار مع من تكون الاكثرية النيابية لا الولايات المتحدة ولا ادواتها في الداخل والخارج.

المصدر: بريد الموقع