لله درّك يا يمن – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

لله درّك يا يمن

القوات المسلحة اليمنية

رشا أبو حيدر*

دفعت حرب غزة 7/10/2023 منطقة الشرق الأوسط الى مواجهات دامية واعادت رسم التحالفات وكشفت للعلن الاطماع الأميركية والصهيونية والغربية في المنطقة. وأصبح واضح للعيان المشاريع المرسومة ابتداء من مشروع قناة بن غوريون الى رغبة الغرب بقيادة اميركا تليها إسرائيل لوضع يدها على المنطقة من باب المندب الى قناة السويس لأهميتهما الاقتصادية والثروات النفطية وخاصة مقابل سواحل غزة والبحر المتوسط التي تعوض الغرب عن الخسارات التي سببتها لهم الحرب الأوكرانية الروسية.

ان الحرب على غزة اوجدت احلاف قديمة جديدة تقودها اميركا في مواجهة دول الممانعة وكان لا بد وتحت حجة دعم إسرائيل عسكريا شددت اميركا تواجدها في المنطقة، لان المواجهات لم تقتصر على قطاع غزة بل تعدته الى حدود لبنان الجنوبية والعراق والاهم دخول اليمن الى صلب المواجهة ودوره الكبير في تغيير مسار المعارك من خلال الإجراءات التي قام بها وأبرزها منع الملاحة البحرية التي يشك انها تساهم في دعم إسرائيل. ولعل ما يهمنا في هذا البحث هو الحديث عن دور اليمن في رسم سياسة جديدة في المنطقة اخافت اميركا منذ البدء وجعلتها تزيد من تواجدها في بحر العرب والبحر الاحمر من خلال قواعد عسكرية انشأتها لهذه الغاية على سواحل باب المندب وإسرائيل وما يتداول عن انشاء قاعدة عسكرية لها في قطاع غزة ولكن وقفت المقاومة الفلسطينية (حماس) في وجه هذه الطموحات وابدلت كل ما يحاك من مخططات لهذه المنطقة.

ان التوترات في المنطقة والتي زاد من حدتها ما قامت به مجموعة أنصار الله الحوثي عندما أعلنت صراحة وقوفها الى جانب المقاومة في غزة وأنها ستلجأ الى كل الوسائل لوقف الاعمال العدوانية التي يقوم بها جيش العدو الإسرائيلي على قطاع غزة. وكان لهم ما أرادوا عندما أطلقوا بعض الصواريخ اصابت العمق الإسرائيلي ولكن اهم ما قام به الحوثيين هو توقيف سفن في البحر الأحمر تدعي فيها انها لدعم الكيان الإسرائيلي مما أعاق عملية الملاحة في البحر الأحمر وأدت الى تخوف كبير من عبور السفن مضيق باب المندب خشية التوقيف مما دفع الكثير من السفن التجارية الى سلوك طريق أطول يرتب كلفات مالية أكبر ويحول السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح.

من هنا تبرز عدة إشكاليات وهي على الشكل التالي: الوضعية القانونية لمضيق باب المندب، وما هي الحماية الدولية التي يكفلها القانون الدولية للملاحة البحرية في المضائق؟ وهل ان ما تقوم به جماعة الحوثيين يدخل ضمن اعمال القرصنة البحرية؟ كل هذه الأسئلة سنحاول الإجابة عليها بشكل قانوني بحت دون الانحراف او الدخول في متاهات السياسة.

1. المركز القانوني لمضيق باب المندب:
يعتبر مضيق باب المندب ممر مائي يصل البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب. يربط أوروبا بشرق اسيا وهو طريق تجاري اقل كلفة من باقي الممرات البحرية. تفصل جزيرة بريم اليمنية المضيق الى قناتين (شرقية تعرف باسم باب إسكندر  والغربية تعرف باسم دقة المايون (، يعتبر مضيق باب المندب من أهم ممرات النقل والمعابر على الطريق البحرية بين أوروبا والبحر المتوسط، والمحيط الهندي وشرقي أفريقيا. ويقدر عدد السفن وناقلات النفط العملاقة التي تمر فيه في الاتجاهين، بأكثر من 21000 قطعة بحرية سنوياً. وهو رابع أكبر الممرات من حيث عدد براميل النفط التي تمر فيه يومياً. وقد مر عبر المضيق في اليوم عام 2013، نحو 6.7 % من تجارة النفط العالمية عام 2013. وتدفق نحو 4.8 ملايين برميل يوميا من النفط الخام والمنتجات النفطية المكررة عبر باب المندب عام 2016 في اتجاه أوروبا والولايات المتحدة وآسيا وفقا للإدارة الأميركية لمعلومات الطاقة. يمثل مضيق باب المندب أهمية بالغة لمصر، لأن نحو 98 في المائة من البضائع والسفن الداخلة التي تمر عبر السويس تمر من خلال المضيق.

تمنح جزيرة البريم اليمن افضلية على ممر باب المندب من حيث السيادة والسيطرة هذا الامر دفع الدول الكبرى الى إقامة قواعد عسكرية في جيبوتي والصومال وأريتيريا لوجود سواحلها على المضيق وتسعى إسرائيل الى دعم نفوذها بأثيوبيا وجيبوتي لأحكام سيطرتها على المضيق. وبعد تزايد الدور الإيراني في المنطقة وخشية الدول الكبرى من سيطرتها على الخليج العربي والبحر الأحمر زاد التنافس للسيطرة على مضيق باب المندب والبحر الأحمر وتحول الامر الى صراع إقليمي. كما يجب ان نذكر أن اليمن بالاتفاق مع مصر أغلقت المضيق على إسرائيل في حرب 1973، وان ما يقوم به الحوثيين في وقتنا الحاضر ليس بالأمر الجديد.

من هذا المنطلق واستنادا الى اتفاقية جامايكا للعام 1982 والتي حددت ما يمكن اعتباره مضيقا دوليا وكيفية الملاحة فيه وفقا للمواد (34-45) يعتبر مضيقاً دوليا:

– ان يصل بين منطقة بحرية تتسم بحرية الملاحة وأخرى تتسم بنفس المواصفات، ولما كان مضيق باب المندب كما ذكرنا سابقا يصل بين البحر الأحمر والبحر المتوسط والمحيط الهندي وبحر العرب فهذا يدل عن الصفة الدولية للمضيق.
– استخدام المضيق للملاحة الدولية.
– ولما كان مضيق باب المندب يقع في أراضي أكثر من دولة ويصل بين بحرين عامين لذلك فان حرية الملاحة مكفولة وفق احكام اتفاقية جنيف واتفاقية جامايكا للعام 1982. ولما كانت الاتفاقيات الدولية تعقد لتنظيم الملاحة وحرية المرور في المضايق يصبح واجب احترامها قانونا.

هذا من ناحية المركز القانوني لمضيق باب المندب وفقا لأحكام القانون الدولي العام ولكن من ناحية الواقع فان الازمة السياسية والمصالح وبسط نفوذ الدول الكبرى والنزاعات العسكرية فرضت امرا واقعا مغاير للواقع القانوني.

2. هل ما قامت به مجموعة أنصار الله الحوثيين يدخل ضمن اعمال القرصنة البحرية:
سارعت قوات الحوثي وحلفاؤها من القوات المسلحة للرئيس الراحل علي عبد الله صالح، منذ بداية الحرب الأهلية في اليمن، للسيطرة على الموانئ اليمنية الاستراتيجية والمناطق الساحلية، وأهمها مضيق باب المندب. مما دفع بقوات التحالف العربي وأميركا وبريطانيا بتوجيه ضربات عسكرية ضد ما تقوم به هذه المجموعة من اعتداءات بنظرهم على الملاحة الدولية.

ان مجموعة أنصار الله الحوثي قبل كل شيء تخوض نزاع مسلح مع الحكومة اليمنية ونحن امام نزاع مسلح غير دولي حيث ان هذه المجموعة تتسم بنوع من التنظيم وتأتمر بقيادة وسلاحها ظاهر وقامت بالسيطرة على أجزاء من اليمن ومارست سلطتها عليها، بغض النظر على تحالفاتها فان هذه المجموعة أعلنت الحرب صراحة على الكيان الإسرائيلي وحولت نزاعها مع إسرائيل وحلفائها الى نزاع مسلح دولي له ما له وعليه ما عليه.

ان النزاع في قطاع غزة من وجهة نظر الحوثيين هو نزاع واحتلال عسكري غير قانوني يمارسه العدو الإسرائيلي لسببين أساسيين:

– مخالفة القرارات الصادرة عن مجلس الامن والمتعلقة بوقف العمليات العسكرية ووقف إطلاق النار في غزة.
– وعدم اعتراف القانون الدولي بشرعية الاحتلال العسكري المبني على احتلال الأقاليم.
في السابق اغلق اليمن ومصر مضيق باب المندب امام الملاحة عام 1973 اثناء الحرب، وبالتالي ان ما يقوم به الحوثيين هو من استراتيجيات الحروب التي تؤثر بمسار الحرب بشكل حازم. ان اغلاق مضيق باب المندب هو من قبيل الحرب المعلنة على إسرائيل دعما لقطاع غزة وان الحوثيين أعلنوها صراحة منع أي دعم يصل لإسرائيل.

ولما اعتبرنا ان مضيق باب المندب هو مضيقا دوليا لوجود عدة دول على سواحله، فان الوضع القانوني القائم بين إسرائيل والحوثيين هو حالة حرب وهي التي تحدد الاحكام والقواعد التي تطبق على الملاحة في مضيق باب المندب. فللمتحاربين وفقا للقانون الدولي والأعراف الدولية ممارسة حقوق أساسية:

– حق ضبط المواد الحربية التي تحملها سفن محايدة.
– حق فرض الحصار البحري.
– حق مصادرة سفن الأعداء التجارية.
– حق ضبط السفن المحايدة التي تقوم بعمل غير حيادي.
– حق الزيارة والتفتيش.
بمعنى اخر، ان جماعة أنصار الله الحوثيين لم تخالف احكام القانون الدولي عندما أعلنت حالة الحرب مع إسرائيل، وعندما أعلنت عزمها على اغلاق مضيق باب المندب.

اما فيما يتعلق باتهام الحوثيين بقيامهم بأعمال القرصنة البحرية فقد حددت اتفاقية جنيف لقانون البحار الاعمال التي تعد من اعمال القرصنة البحرية وكذلك فعلت المادة 101 لاتفاقية قانون البحار عندما ذكرت هذه الاعمال ويلاحظ ان العنصر الأهم في تحديد اعمال القرصنة هو القيام بالقرصنة لتحقيق مآرب شخصية او مغانم خاصة. ولكن في حالة ما يقوم به الحوثين من اعتراض للسفن هو من قبيل الحرب المعلنة من قبلهم على الكيان الإسرائيلي. وفي حال اعتبرنا ان ما يقوم به الحوثيين يدخل ضمن الإطار السياسي فقد جرى العرف الدولي على اخراج الاعمال التي يقام بها لأغراض سياسية من نطاق القرصنة. وفي العام 1923 أصدرت محكمة التحكيم حكما في هذا الشأن فيما يتعلق بقضية السفينة كونيا.

بالختام، وبغض النظر على كل ما يقال بالعمليات العسكرية التي يقوم بها الحوثين في مضيق باب المندب لا يمكن تصنيفه او وصفه بالإرهابي طالما انه موجه ضد كيان غاصب دمر كل شيء في قطاع غزة وضرب بعرض الحائط كل القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، ولما كانت القرارات لا يمكن ان تصدر عن مجلس الامن في سطوة الدول الكبرى وحليفة إسرائيل الأولى اميركا كان لا بد من الإجراءات الاستثنائية التي تقوم بها المقاومة بكل اطيافها وتوجهاتها.

* أستاذة وباحثة قانونية

المصدر: بريد الموقع

رأيكم يهمنا

شاركوا معنا في إستبيان دورة برامج شهر رمضان المبارك