الانتصار في حلب وإعادة ضبط الساعات – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

الانتصار في حلب وإعادة ضبط الساعات

الجيش السوري
د. حسن أحمد حسن

قد يكون من المبكر بعض الشيء معرفة تداعيات تفاصيل الانتصار الذي عصف بجحافل الإرهاب التكفيري الممنهج التي تم الزج بها في أقدم مدن التاريخ، لسلبها هوية العراقة ونقاء الانتماء لبلاد الشمس وموطن الأبجدية الأولى، وقد يكون ما تم تداوله في الدراسات ووسائل الإعلام ليس أكثر من قمة جبل الجليد المذاب بتسارعات فاجأت الجميع، فقلة قليلة من آلاف المسلحين الذين تم كنسهم من جحورهم في الأحياء الشرقية لمدينة حلب يدركون أن ما بعد حلب سيستولد طبيعياً أو بعملية قيصرية ما بعد بعد حلب.
وهذا يعني أن تلك القلة المحصورة في متزعمي المجموعات الإرهابية وضباط الاستخبارات الأجنبية الذين كانوا يشرفون على عمليات الإرهابيين ويخططون للمعارك ويقودونها بشكل مباشر هم اليوم على يقين مطلق بأن الدور الوظيفي للتنظيمات الإرهابية على مختلف مسمياتها هو دور تابع لدور المشغل الإقليمي المباشر تسليحاً وتمويلاً وتخريباً، وهذا المشغل الإقليمي مرتبط بحكم الضرورة والحتمية بعجلة المايسترو الصهيو –  أمريكي المرتبك بفعل الإنجاز الإعجازي الذي حققه الجيش العربي السوري وحلفاؤه في حلب وعودتها مطهرة من رجس الإرهاب إلى حضن الوطن الصامد سورية المنتصرة بجيشها وشعبها وقائدها وعلاقاتها الجيوستراتيجية مع مراكز الثقل النوعي الفاعل في العلاقات الدولية وتوازن القوى الجديد الذي بدأت معالمه تتبلور عبر البوابة الحلبية.

وهذا الكلام ليس أمنيات ولا أحلاماً، بل توصيفاً موضوعياً لواقع فرضه إنجاز حلب بمقدماته وما آلت إليه الأمور من خروج إلزامي لكل الجسد المسلح من مدينة حلب، وهذا يفسر الهستيريا في التصريحات والسلوك لدى واشنطن ومن يدور في فلكها الآسن، والتهديدات الصريحة وليست المبطنة بأن «تطهير حلب لا يعني نهاية الحرب»، وكأنهم يصدرون أمر قتال عملياتي للمجموعات الإرهابية المسلحة يتضمن كيفية التعامل مع إعصار حلب في محاولة للتقليل من ألق الإنجاز ومحاولة تخفيف التسارعات غير المتوقعة لانخفاض الروح المعنوية وتآكل إرادة القتال لدى تلك التنظيمات الإرهابية التكفيرية.
إن وقفة متأنية عند الإنجاز الميداني في مدينة حلب، وما تبعه من كنس إلزامي لبقايا الإرهاب التكفيري المسلح وخروج عدد من أطفال ونساء وشيوخ ومرضى بلدتي كفريا والفوعة بريف إدلب يفتح الباب واسعاً لكثير من الأفكار الجديرة بالبحث والمناقشة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

1- أعداد الإرهابيين التكفيريين الذين كان يلاحقهم الجيش العربي السوري والقوى الرديفة والحليفة يبلغ عشرات الآلاف وليس مئات أو بضعة آلاف كما كان يتم الترويج له، أي انهم بقوام فرق وفيالق مزودة بكل أنواع السلاح الخفيف والمتوسط والثقيل بما في ذلك السلاح الكيميائي، ومع ذلك تم سحق تجمعاتهم القتالية وطرد فلول بقاياهم بفضل الضغط الميداني المباشر .

2- استهداف الحافلات التي توجهت لنقل المصابين والمرضى والعجز من بلدتي كفريا والفوعة وعدد منها يوم الأحد قبل الماضي، والسماح في اليوم التالي  بخروجهم يفرض تساؤلاً موضوعياً هو: هل تبدلت نوعية التنظيمات الإرهابية المسلحة التي تحاصر تلك البلدتين؟ وهل غيرت عقيدتها الأيديولوجية بين يوم والذي يليه؟ والجواب بطبيعة الحال هو النفي عن كلا التساؤلين، فلا نوعية الإرهابيين الذين يحاصرون كفريا والفوعة تبدلت، ولا مناطق سيطرتهم تقلصت ولا تمددت، وكذلك العقيدة الأيويولوجية لـ «جبهة النصرة» لا تزال كما هي تتضمن القتل والإجرام وممارسة الإرهاب بأبشع صوره عندما تتمكن من ذلك، إذاً ما الذي تبدل ليتم السماح بدخول الحافلات وإخراج من تم الاتفاق على إخراجه بعد أقل من /24/ ساعة على إحراق عدد من هذه الحافلات التي كانت مكلفة بذلك؟

3- الجواب وبوضوح شديد يتضمن أن من أصدر أمر العمليات بإحراق الحافلات هو نفسه من أمر تلك الوحوش في اليوم التالي بالسماح بخروج الحافلات محملة بالمطلوب إخراجهم من البلدتين المنكوبتين، أي إن جميع التنظيمات الإرهابية المسلحة بما في ذلك «جبهة النصرة» ليست صاحبة قرار بل تتبع لقرار من يمولها ويقودها بشكل مباشر أو غير مباشر. وهذا يعني أن حكومات تلك الدول بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تحاكم كراعية للإرهاب لو كان القانون الدولي قادراً على التبلور والتجسيد بعيداً عن التسييس الذي يحوّل الباطل إلى «حق» والحق إلى «باطل»، وهذا ما يجب العمل على تعميمه وبشكل مبرمج وإيصاله إلى الرأي العام الأوروبي والأمريكي وعبر جميع الوسائل الممكنة، فهل قناعة المواطن الغربي تقبل بهذه الأمور المتناقضة مع كل مقومات ثقافته واهتماماته؟ وماذا لو كان في الإمكان إيصال الحقائق بشفافية وقدرة على الإقناع لمفاصل صنع الرأي العام ولو بشكل تدريجي؟.

4- إجلاء عدد من الحالات الإنسانية من بلدتي كفريا والفوعة والتوجه بهم نحو مركز جبرين للإقامة المؤقتة في حلب حيث يقيم أهلنا الذين تم تأمين خروجهم من الأحياء الشرقية لمدينة حلب أثناء عملية تطهيرها من رجس العصابات الإرهابية المسلحة، يؤكد بالمطلق أن الدولة السورية تتعامل مع مواطنيها من منطلق المواطنة والمواطنة فقط، وليس بالنظر إلى أي انتماءات ضيقة يسعى الحاقدون لتمريرها في ظل العجز عن تحقيق أي منجز ميداني، كما أن المواطنين الذين تم تأمينهم في مركز جبرين من كفريا والفوعة والأحياء الشرقية لحلب يعيشون ضمن المركز جنباً إلى جنب أشقاء متعاونين متحابين، وهذا يؤكد أيضاً أن هذه الروح الوطنية ونقاء الانتماء الذي يجمع السوريين ويوحد صفوفهم هو أقوى من كل سكاكين الغدر ومعاول الهدم والتخريب التي تستهدف جسد الدولة السورية بجميع مكوناتها.

5- ممارسات المجموعات الإرهابية المسلحة التي كانت تنتشر في الأحياء الشرقية لحلب، واستمرار استهداف سكان حلب في الأحياء الأخرى بقذائف الهاون والقذائف الصاروخية العشوائية حتى لحظة البدء بتطبيق البنود التي تم الاتفاق عليها، والجرائم المكتشفة بعد إخراجهم من تلك الأحياء، وكثير غير ذلك يطرح تساؤلاً جوهرياً عما كانوا يقولون إنها «معارضة معتدلة»، فأين «الاعتدال» المزعوم؟ وهل هناك فصيل واحد لم يمارس الإرهاب؟ أم هل المقاطع التي نشرتها عصابات ما يسمى «نور الدين الزنكي» و «أحرار الشام» تؤكد ضلوعهما في الإرهاب الموصوف أم لا؟ وكيف بإمكان واشنطن أن  تتباهى بأنها الراعية تدريباً وتسليحاً لأولئك القتلة المجرمين؟

6- خروج عشرات الآلاف إن لم يكن مئات آلاف المواطنين الحلبيين وبشكل عفوي  وتلقائي إلى الشوارع والساحات بشكل احتفالي لحظة الإعلان عن تطهير حلب من رجس الإرهاب التكفيري يعصف بكل المقولات التي روجتها إمبراطوريات التضليل الاستراتيجي وكل الأبواق التي تدعي التحدث باسم الشعب السوري من الخارج، فهاهو الشعب في سورية بعامة وفي حلب بخاصة قال كلمته ، وعندما استطاع أن يتنفس بحرية أعلن عن موقفة الوطني الرائد المتضمن تبني خيار دولته، والتمسك بنهج قائد الوطن السيد الرئيس بشار الأسد، وهذا ما اعترف به إعلام الأطراف المحورية في هذه الحرب الممنهجة المفروضة على الدولة السورية منذ قرابة ست سنوات، وعلى المشككين أن يراجعوا مجلة «التايم» البريطانية التي زينت غلافها بصورة الرئيس الأسد وكتبت العنوان الرئيس  وبالخط العريض: «الأسد محارب الإرهاب، ومنقذ العالم منه»، فإذا كان أهلنا في حلب قد خرجوا بعشرات الآلاف بعد لحظات من إعلان المدينة خالية من الإرهاب التكفيري، فباسم من يتحدث «معارضو» الفنادق ذوات النجوم الخمسة  في بلدان أوروبا والعالم؟ ومن الذي أعطاهم حق الحديث باسم الشعب المتناقض بتفكيره وسلوكه مع كل ما يقولونه ويفعلونه؟

7-    عودة الصوت الأمريكي للارتفاع والحدة يؤكد غضب المايسترو الصهيو-  أمريكي من أداء الوكلاء والأدوات وإخفاقاتهم المدوية ميدانياً وسياسياً ودبلوماسياً، وهذا يفسر الحماقة الأمريكية غير المسبوقة، والتي بلغت الذروة بتصديق الرئيس الأمريكي باراك أوباما على قرار تزويد التنظيمات الإرهابية المسلحة بمنظومات صاروخية مضادة للطائرات، ومن حق المواطن الأمريكي والمتابع العادي أن يسأل عن مصير الأسلحة التي قدمتها واشنطن «لطالبان» في أفغانستان في ثمانينيات القرن الأمريكي، وهل بعضها لا يزال حتى الآن يستخدم ضد الوجود الأمريكي بشكل مباشر أم لا؟ وما هو الضامن ألا تستخدم تلك التنظيمات الإرهابية منظومات الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف ضد الطيران المدني في جميع دول المنطقة، وإذا أقدمت على مثل هذه الجريمة فما هو موقف المواطن الأوروبي العادي الذي عاش تحت التضليل الإعلامي الاستراتيجي منذ آذار 2011؟.
باختصار شديد يمكن القول: انتصار حلب فرض إدخال تعديلات جديدة على موازين القوى إقليمياً ودولياً، وأكد بالدلائل القاطعة أن الجيش العربي السوري والقوى الرديفة والحليفة يمتلكون من الكفاءات والقدرات ما هو كفيل بالحسم الميداني المضمون في أي معركة قادمة، ولم يعد أمام أصحاب الرؤوس الحامية داخلياً وإقليمياً ودولياً إلا إعادة ضبط ساعاتهم وفق بوصلة الانتصار الإعجازي في حلب.
dr.hasanhasan2012@gmail.com

المصدر: صحيفة تشرين السورية