حذّرت منظمة التجارة العالمية، الأربعاء، من أن استمرار تبادل الاتهامات بين الولايات المتحدة والصين بشأن الرسوم الجمركية من شأنه أن يفاقم حالة انعدام اليقين في الحرب التجارية المستعرة بين القوتين الاقتصاديتين، ما قد يؤدي إلى تراجع إضافي في حركة التجارة العالمية خلال العام الجاري.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، إن “على الولايات المتحدة أن توقف الضغوط الشديدة والتهديدات والابتزاز إذا كانت جادة في حل الخلافات عبر الحوار والتفاوض”، مشددًا على ضرورة أن يتم التفاوض “على أساس من الندية والاحترام والمنفعة المتبادلة”.
تصريحات لين جاءت بعد تأكيد المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولاين ليفيت، أن “الكرة الآن في ملعب الصين”، في إشارة إلى المفاوضات التجارية، مشيرة إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يزال منفتحًا على إبرام اتفاق، لكن يتعين على بكين اتخاذ الخطوة الأولى. وأضافت أن “قوة السوق الاستهلاكية الأميركية تمثل ورقة ضغط أساسية في هذا السياق”.
وأظهرت بيانات منظمة التجارة العالمية أن تعليق الرسوم الجمركية الأميركية الإضافية أدى إلى تباطؤ انكماش التبادلات التجارية، إلا أن توقعات المنظمة تشير إلى إمكانية تراجع التجارة العالمية في السلع بنسبة تصل إلى 1.5% في عام 2025 بفعل السياسات الحمائية التي تنتهجها إدارة ترامب.
من جهته، قال رئيس الاحتياطي الفدرالي الأميركي، جيروم باول، إن الرسوم الجمركية “ستؤدي من دون شك إلى ارتفاع مؤقت في معدلات التضخم، مع احتمال أن تستمر آثارها التضخمية لفترة أطول”.
وعلى خلفية هذه التصريحات، تراجعت مؤشرات وول ستريت، حيث أغلق مؤشر ناسداك على انخفاض بنسبة 3.07%، ومؤشر داو جونز بنسبة 1.73%، و”إس آند بي 500″ بنسبة 2.24%.
وفي تداعيات مباشرة للأزمة، أعلنت منصة “شي إن” الصينية المختصة ببيع الأزياء عبر الإنترنت أنها سترفع أسعارها اعتبارًا من 25 نيسان/أبريل الجاري، عازية ذلك إلى “التغييرات الأخيرة في قواعد التجارة العالمية والرسوم الجمركية”.
وسجّل الاقتصاد الصيني نموًا بنسبة 5.4% في الربع الأول من العام، متجاوزًا التوقعات التي قدّرتها مجموعة من الخبراء بنسبة 5.1%، وفق ما أعلنه المكتب الوطني للإحصاء في بكين.
وفي مؤشر على تصعيد إضافي، أصدرت الحكومة الصينية أمرًا لشركات الطيران المحلية بتعليق استلام طائرات بوينغ الأميركية التي سبق طلبها، في خطوة رأى فيها مراقبون تصعيدًا مباشرًا في إطار الحرب التجارية. وأفادت وكالة بلومبرغ أيضًا بأن الصين طلبت من شركاتها وقف شراء المعدات وقطع غيار الطائرات الأميركية.
وعلّق ترامب على ذلك عبر منصته “تروث سوشال”، قائلاً: “من اللافت أنهم نكثوا بصفقة كبيرة مع بوينغ، رغم التزامهم الكامل بها في وقت سابق”.
وتسعى بكين كذلك إلى استهداف القطاع الزراعي الأميركي، حيث أفادت رابطة مصدّري اللحوم الأميركية بأن معظم تراخيص تصدير لحوم البقر إلى الصين لم تُجدَّد منذ منتصف آذار/مارس.
في موازاة ذلك، يواصل الرئيس الصيني شي جينبينغ جولته في جنوب شرق آسيا، حيث زار ماليزيا الأربعاء بهدف حشد دعم إقليمي في مواجهة الضغوط الأميركية.
وكان ترامب قد بدأ فرض الرسوم الجمركية على الصين متذرعًا باتهامات لبكين بالضلوع في تصدير مادة الفنتانيل المخدرة، ثم رفع تلك الرسوم بشكل كبير، مبررًا ذلك بما وصفه بـ”ممارسات تجارية مجحفة” من جانب الصين.
وبحسب القرارات الأخيرة، فرضت واشنطن رسومًا تصل إلى 145% على عدد من الواردات الصينية، منها 20% تتعلق بمسألة الفنتانيل و125% على خلفية الممارسات التجارية. وردّت الصين بفرض رسوم انتقامية وصلت إلى 125%.
ورغم التصعيد، قررت إدارة ترامب إعفاء بعض سلع التكنولوجيا المتقدمة، مثل الهواتف الذكية والحواسيب، من الرسوم الأخيرة. كما تم تعليق الرسوم المتبادلة التي تتجاوز 10% لمدة 90 يومًا، في خطوة تهدف إلى إتاحة المجال للمفاوضات.
في غضون ذلك، يعتزم البيت الأبيض مواصلة فرض الرسوم حسب القطاعات، بما يشمل الصلب والألمنيوم والسيارات، التي تخضع حاليًا لتعرفة قدرها 25%.
وأعلنت وزارة التجارة الأميركية، منذ بداية الأسبوع، فتح تحقيقات موسعة حول واردات الأدوية، وأشباه الموصلات، والمعادن النادرة، إلى جانب المنتجات الإلكترونية الاستهلاكية، لتحديد ما إذا كان الاعتماد على الأسواق العالمية في هذه المجالات يمثل تهديدًا للأمن القومي.
وتُعدّ هذه التحقيقات خطوة أولى تمهيدًا لتمكين الرئيس الأميركي من اتخاذ إجراءات حمائية إضافية بموجب مراسيم رئاسية.
تحذيرات من الآثار السلبية لسياسات ترامب الاقتصادية
تتفاقم أزمة التجارة العالمية مع إصرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب على المضي قدمًا في سياساته الاقتصادية، التي باتت تنعكس سلبًا على الاقتصاد الأميركي نفسه. وفي ظل تزايد الارتباك والقلق وانعدام اليقين داخل الولايات المتحدة، حذّرت مجلة إيكونوميست من أن الألم الاقتصادي القصير الأجل، الذي وعد ترامب بتجاوزه سريعًا، قد يكون أشد مما كان مُعلنًا.
فقد سجّل مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن جامعة ميشيغان تراجعًا حادًا خلال الشهر الجاري، ليهبط إلى 50.8 نقطة، وهو ثاني أدنى مستوى في تاريخه. ويُعزى هذا الانخفاض إلى مخاوف الأميركيين من ارتفاع الأسعار نتيجة الرسوم الجمركية، إذ يتوقع المستهلكون تضخمًا بنسبة 6.7% خلال العام المقبل، وهي النسبة الأعلى منذ أكثر من أربعين عامًا.
وعلى المدى البعيد، ترى المجلة أن التداعيات ستكون أعمق وأكثر خطورة، إذ إن السياسات الحمائية تُشجّع القطاعات الضعيفة، وتؤدي إلى تحويل رأس المال والعمالة نحو صناعات غير فعالة، ما قد يُجبر الأسر والشركات الأميركية على تمويل الدين الحكومي على حساب الاستثمار الخاص.
وحذّرت إيكونوميست من أن حالة عدم اليقين الناتجة عن سياسات ترامب التجارية قد تضاعفت مقارنة بفترة حربه التجارية الأولى في عام 2018، ليس فقط بسبب طبيعة الرسوم الجمركية، بل أيضًا نتيجة اعتماده دورة من “التهديد، ثم التنفيذ، ثم التراجع”، ما يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي.
وفي ضوء هذه التطورات، تصاعدت الانتقادات الداخلية لسياسات ترامب، حيث قال الرئيس الأميركي السابق جو بايدن: “في أقل من مئة يوم، أنجزت هذه الإدارة الكثير من الضرر. لقد ألحقوا أذى بالغًا بإدارة الضمان الاجتماعي، وهو أمر مثير للدهشة”.
من جهتها، اعتبرت الصين – المستهدف الأول من الرسوم الجمركية الأميركية – أن البيئة الاقتصادية العالمية باتت أكثر تعقيدًا. وقال شنغ لاي يون، نائب مفوض المكتب الوطني للإحصاء: “على المدى القصير، ستفرض الرسوم الجمركية الأميركية ضغوطًا معينة على تجارتنا الخارجية واقتصادنا، لكنها لن تُغيّر من الاتجاه العام لتحسن الاقتصاد الصيني على المدى الطويل. نملك القوة والقدرة والثقة لمواجهة التحديات وتحقيق أهدافنا التنموية”.
المصدر: أ ف ب