الولايات الأميركية ومحاولات الإنفصال – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

الولايات الأميركية ومحاولات الإنفصال

200602193357-15-floyd-protests-0602-washington-large-169
أمين أبوراشد

لا نتناول الوضع الإنتخابي في أميركا سوى من منطلق لبناني، وبمقدار الأذى والعدوان الذي مارسته وتمارسه الغرف السوداء في البيت الأبيض بحقّ الشعوب الرافضة للهيمنة الأميركية ونحن منها، سواء كان ساكن البيت الابيض جمهورياً أم ديموقراطياً، ترامب أم بايدن، لأن المؤسسة السياسية الأميركية لا تتغيَّر بتغيير الأشخاص، وما يحصل حالياً من كباش إنتخابي على كرسي الرئاسة، لا يُعرِّي أميركا من ثوب الجلالة السلطوية على بعض دول العالم الثالث فحسب، بل باتت في الداخل كما المحيط المترامي الذي تتلاطم فيه أمواج النزاعات الحزبية والسياسية بين الجمهوريين والديمقراطيين، في الوقت الذي تُسجِّل فيه أعلى مستوى من الركود الإقتصادي ونسبة البطالة، الى جانب خطر وباء الكورونا الذي بلغت الإصابات فيه يوم أمس رقماً قياسياً جديداً تخطى 140 ألف مُصاب.

ونحن لا نعتمد في مقاربة ما يحصل على الطريق الى البيت الأبيض، من منطلق التحليل أو التكهنات، بل نستند الى الوقائع التي حصلت وتحصل في “الأمة الأميركية” التي لا يجمع بين عشرات ملايين مواطنيها الإنتماء القومي، بل مجموعات هائلة من الإتنيات والأعراق والمذاهب من كافة أقطار الأرض، تجمع فيما بينها رغبة العيش والإستقرار والأمن، وتُفرِّقها ألوان البشرة والإنتماءات وحتى الولايات التي فيها يستوطنون، ومن هذه الولايات ما هي سياسياً وإنتخابياً محسومة للجمهوريين، والأخرى للديمقراطيين، مع الولايات المتأرجحة التي يحاول الطرفان الحزبيان حالياً التأرجح بها وترجيحها لصالحه للوصول الى البيت الأبيض.

ولعل دونالد ترامب هو الظاهرة التقسيمية الأبرز في تاريخ الولايات المتحدة المعاصر، ربما لأن الجمهوريين ارتضوا به على مضض عام 2016 كمنافسٍ للديمقراطية هيلاري كلينتون، لأنه لم يكُن محسوباً عليهم حزبياً ملتزماً، وكانت النتيجة أن فاز على كلينتون بالمجمع الإنتخابي رغم تفوِّقها عليه في الإقتراع الشعبي، ورغم فوزه، بادرت ولاية كاليفورنيا المحسوبة والمحسومة تاريخياً للديمقراطيين الى رفع علم الإنفصال وإعلان الإستقلال عن الولايات المتحدة الأميركية، وباشرت باستفتاء لجمع 600 ألف توقيع وهذا ما تحقق، لكن تعقيدات قانونية ودستورية للإنفصال عن السلطة الفيدرالية منعت ذلك يومذاك، لكنها لم ولن تمنع الرغبة لدى مواطني ولاية كبرى مثل كاليفورنيا بالمحاولة من جديد، لأنها تُعتبر في حال تحقق هذا الإنفصال أقوى سادس إقتصاد في العالم.

أما وأن ترامب الخاسر في انتخابات 2020، يحاول قرصنة كرسي البيت الأبيض من بايدن، عبر التشكيك في نزاهة الإنتخابات في هذه الولاية مثل بنسلفانيا، وطلب إعادة الفرز في ولاية ثانية مثل جورجيا، ورفض نتائج فرز ولاية نيفادا، فإن ترامب المعروف بأنه تاجرٌ فاجر، لا يُقدِّر ربما تبعات محاولاته، التي إن نجحت، فسوف تُفتت الولايات المتحدة خلال أسابيع، نتيجة ما سوف يحصل في الشارع الأميركي المُدجج بالأسلحة والفلتان الأمني.

ونزعة الإنفصال التي برزت عام 2016 في كاليفورنيا، هي نفسها لدى سائر الولايات الكبرى والغنيَّة إقتصادياً، وذات التمثيل الوازن في المجمع الإنتخابي، بصرف النظر إذا كانت ديمقراطية أم جمهورية، مثل تكساس (38 صوتاً) – فلوريدا (29 صوتاً) – نيويورك (29 صوتاً) – إيلينوي (20 صوتاً) – بنسلفانيا (20 صوتاً)، إضافة الى كاليفورنيا (55 صوتاً) بمجموع 191 صوتًا أي ما يزيد عن 35% من إجمالي عدد الأصوات في المجمع الانتخابي، لأكبر ست ولايات تُقرِّر تاريخياً مَن هو رئيس الولايات المتحدة الأميركية.

وما أقدمت عليه ولاية كاليفورنيا عام 2016، سبق أن طالبت به في العام 2012 خمس عشرة ولاية أميركية للانفصال عن الوطن الأم، وإقامة حكومات منفصلة وكيان مستقل. وتضم هذه القائمة ولايات: لويزيانا، تكساس، مونتانا، داكوتا الشمالية، إنديانا، ميسيسيبي، كنتاكي، كارولينا الشمالية، ألاباما، فلوريدا، جورجيا، نيوجرسي، كولورادو، أريغون ونيويورك، لكن هذه الولايات لم تستكمل إجراءات السير بموضوع الإستفتاء لأسباب تعود لخصوصية كلٍّ منها، ولأن مسألة الإنفصال معقَّدة قانونياً ومُكلفة إقتصادياً، لكن المشكلة التي تترسَّخ مع مرور الأيام أن رغبة الإنفصال باتت حُكماً موجودة في أوساط الطبقات الغنية والمتوسطة، بمعزلٍ عن كون الولاية موالية للجمهوريين أو للديموقراطيين، وتعود هذه الرغبة لعدة أسباب إقتصادية وسياسية.

أبرز الأسباب هي إقتصادية، لأن الولايات الغنيَّة وفي طليعتها كاليفورنيا تتحمَّل العبء الأكبر من الموازنة الإتحادية، وتجِد نفسها وكأنها تبذِر من مقدراتها لدعم الولايات الفقيرة العاجزة وغير القابلة لتطوير قدراتها الذاتية (إنعدام الثروات الطبيعية وبالتالي قصور في الإنتاجية)، وبالتالي، إعتماد شبه كلِّي على مساهمات الولايات الكبرى في الإقتصاد الفيدرالي، وهذا ما ليس منطقياً في علم الإقتصاد الحديث وبوجود الأزمات الخانقة، أن تصرِف الإقتصادات الكبرى على الولايات العاجزة دون مردود سياسي…

المصدر: موقع المنار