الخميس   
   07 08 2025   
   13 صفر 1447   
   بيروت 15:49

بدون أي ضمانات.. البعض يلهث للتنازل عن عناصر قوة لبنان

ذوالفقار ضاهر

في ظل ما يشهده لبنان من تطورات متسارعة على المستويات المختلفة، يعود سلاح المقاومة إلى صدارة النقاش، بوصفه أحد أبرز عناصر القوة الوطنية في وجه العدو الإسرائيلي، كما في وجه التهديدات التكفيرية التي لطالما شكّلت خطرًا داهمًا على الداخل اللبناني.

لسنوات طويلة، أثبت سلاح المقاومة دوره الحاسم في تحرير الأرض وحماية الحدود، وأسهم في ترسيخ معادلة ردع حقيقية أقرّ بها العدو الإسرائيلي نفسه، وفرض توازنًا غير مسبوق في المعادلات الإقليمية. وإلى اليوم، لا يزال هذا السلاح يشكّل ضمانة استراتيجية بيد لبنان، في ظل تهديدات مستمرة، وعدوان متواصل، وواقع إقليمي لا يمكن فيه الركون إلى “الضمانات” الدولية أو الأميركية.

لقد سقط القناع عمّا يُسمّى بـ”الضمانات الأميركية“، فمن زعم أنه يلعب دور الوسيط بين لبنان والعدو الإسرائيلي، تحوّل إلى طرف مباشر في الضغط على لبنان لصالح العدو، بل تعدّى ذلك إلى المطالبة العلنية من مسؤولين أميركيين بنزع سلاح المقاومة، في محاولة لإضعاف لبنان من الداخل، وتمكين العدو من استباحة أرضه وسمائه. والأنكى من كل ذلك أن بعض المسؤولين الأميركيين، وعلى رأسهم المبعوث توم براك، أكّدوا أن لا إمكانية لإجبار العدو على القيام بأي شيء، كما لا يمكن تقديم أي ضمانات للبنان في هذا المجال.

في هذا السياق، تأتي مواقف الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، لتجدد التأكيد على خيار المقاومة كعنصر قوة أساسي لحماية لبنان في وجه العدوان، فالرسالة واضحة: المقاومة هدفها حماية الجميع، كل لبنان، بكل أطيافه ومكوناته، وبالتالي فالموضوع مسألة داخلية بحتة لا يجب ان تبحث بناء لضغوط او مطالب خارجية.

الشيخ نعيم قاسم

فقد أكّد الشيخ قاسم في كلمته يوم الثلاثاء 5-8-2025 أن “إلغاء الطائفية السياسية يتطلّب توافقًا عامًا، وكما أن توزيع المناصب وفقًا للاطمئنان الطائفي يُعدّ ميثاقيًا، فإن المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي أيضًا مسألة ميثاقية لا تُناقش إلا بالتوافق”، ودعا إلى “نقاش وطني حول استراتيجية الأمن الوطني والدفاعية”، ولفت إلى أن “الأمن الوطني يتجاوز مسألة السلاح، ويأخذ في الاعتبار تراكم القوة، ووحدتها، والدفاع عن لبنان في مواجهة العدو الإسرائيلي. الاستراتيجية ليست لنزع السلاح وفق جدول زمني كما يتوهّم البعض”.

ورغم التزام لبنان بما طُلب منه في سياق الاتفاقات المرتبطة بوقف إطلاق النار أو التفاهمات غير المباشرة، لم يلتزم العدو الإسرائيلي بوقف عدوانه، كما أن الجهات الدولية التي يُفترض أن تكون راعية لهذه التفاهمات، تواطأت وأفشلت الاتفاق بضغط مباشر على لبنان، بل وبغطاء للعدوان عليه، كما يحصل بشكل شبه يومي في الجنوب والبقاع.

وإلى جانب الضغط الخارجي، هناك محاولات داخلية مكثفة لرفع منسوب التهويل والتهديد، تُدار عبر قنوات إعلامية وسياسية، هدفها بثّ التوتر في المجتمع اللبناني، وزيادة الضغط على القوى السياسية المؤمنة بخيار المقاومة، لدفعها إلى التراجع عن مواقفها، وصولًا إلى التخلي التدريجي عن عناصر قوة لبنان، وعلى رأسها سلاح المقاومة. وهذا البعض لا يتوانى عن السير على حافة الهاوية في ما يخصّ الاستقرار الداخلي اللبناني، ولا يهمّه احتمال نشوب فتن أو توترات داخلية.

الحكومة اللبنانية

وكان مجلس الوزراء اللبناني قد التأم يوم الثلاثاء في 5-8-2025 في القصر الجمهوري، برئاسة رئيس الجمهورية جوزاف عون، وحضور رئيس الحكومة نواف سلام، حيث بحث في بند حصرية السلاح بيد الدولة. وبعد الجلسة، قال سلام: “تم تكليف الجيش اللبناني بوضع خطة تطبيقية لحصر السلاح قبل نهاية العام الجاري”، وتابع: “سيُعرض المشروع على الحكومة قبل 31 آب/أغسطس الحالي”. وبالتزامن مع انتهاء الجلسة الحكومية، انتشر خبر استهداف طائرة مسيّرة إسرائيلية سيارة على مدخل بلدة بريتال البقاعية ما أدى الى ارتقاء شهيد، ما يثير الاستغراب: كيف يصول العدو ويجول ويعتدي على لبنان بلا حسيب أو رقيب من الدولة، بينما يذهب البعض لتقديم خدمات مجانية للعدو عبر الضغط على المقاومة؟

وبالسياق، انتقد عضو “الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين” عدنان علامة قرار الحكومة اللبنانية الأخير بشأن سلاح المقاومة، ورأى أنه “جاء استجابة للضغوط الأميركية، وهو ما أكده المبعوث الأميركي نفسه بقوله: إن القرار اللبناني سيُعرض على إسرائيل”، متسائلًا عن “مفهوم السيادة في ظل هذا الواقع”.

واعتبر علامة في حديث لموقع قناة المنار أن “قرار الحكومة يتعارض مع اتفاق الطائف الذي نصّ على تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، وتنفيذ القرار 425، والتمسّك باتفاقية الهدنة، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها”، وشدد على “ضرورة إزالة الاحتلال إزالة شاملة، كما ورد حرفيًا في نص الاتفاق”، وأكّد أن “المستفيد الأساسي من هذا القرار هو العدو الصهيوني، إلى جانب الولايات المتحدة وحلفائها في الداخل اللبناني”.

كما انتقد علامة أداء السلطة اللبنانية، وأكّد أنه “أداء ضعيف ويشوبه التقصير، خاصة في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، وعدم تفعيلها لحق الدفاع المشروع المنصوص عليه في القرار 1701 والمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة”.

ولفت علامة إلى أن “الحملة على سلاح المقاومة تستهدف إضعافها خدمةً للمشروع الصهيو-أميركي”، وأشار إلى خطورة المرحلة الحالية، خصوصًا بعد إعلان إسرائيل رسميًا أنها تلقت 800 طائرة و140 سفينة محمّلة بالأسلحة الأميركية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ضمن جسر جوي وبحري دعمًا لعدوانها على غزة و”محور المقاومة”، مؤكدًا أن “هذا الدعم الضخم ينذر بتصعيد أخطر في المرحلة المقبلة”.

ولا شك أن الحديث عن حصرية السلاح بيد الدولة لا يمكن أن يُناقش إلا ضمن سياق مسؤوليات الدولة. فالدولة التي تُحتكر فيها القوة، يجب أن تكون هي نفسها قادرة على الدفاع عن سيادتها، وحماية شعبها برًا وبحرًا وجوًا، وأن تتحمّل كامل المسؤولية في صدّ العدوان، لا أن تكون غائبة أو عاجزة أو أسيرة قرارات الخارج، ولبنان اليوم أمام مفترق طرق حقيقي: إما أن يتمسّك بعناصر قوته ويبني عليها ليحمي نفسه وشعبه، أو أن يستسلم لابتزاز الخارج.

والأكيد أنه لا بد من الثبات على خيار المقاومة كضرورة وطنية جامعة، في مواجهة مشروع يستهدف كل لبنان. والغريب أن في لبنان من يسارع للخضوع للرغبات الأميركية ومن خلفها الإسرائيلية، بالتنازل عن عناصر القوة مقابل لا شيء، ومن دون الحصول على أي ضمانة من أي نوع كان. فماذا يمكن أن نسمّي من يقوم بمثل هذا الأمر؟

المصدر: موقع المنار