ليندا حمورة
في زمنٍ يئن فيه لبنان تحت وطأة أزماته الاقتصادية والسياسية، ويكاد الأمل يُخمد في صدور أبنائه، تشرق ومضة نورٍ من قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، من مكانٍ كان على الدوام شاهداً على الدمار والنهوض، على الغبار والرماد، وعلى إرادة الحياة التي تتفوّق على الموت. هناك، على طريق المطار، ينهض مستشفى الرسول الأعظم كمنارة طبية تتحدى الحصار والعجز، وتعلن أن العلم والطبّ وجهان من المقاومة.
ليس هذا الصرح الطبي مجرد مبنى أبيض يضم غرفاً وأجهزة، بل هو معجزة يومية تصنعها عقول أطباء بارعين، وإدارة حازمة تعرف كيف تحوّل الجرح إلى شفاء، والعجز إلى قدرة. من المركز المتخصّص بأمراض القلب حيث تكللت الجهود بعمليات زرع القلب، إلى نجاحات بارزة في زراعة الكبد والكلية، ها هو المستشفى يخطّ صفحة جديدة في تاريخ الطب اللبناني: إطلاق برنامج زراعة الرئة، بالتنسيق مع وزارة الصحة العامة، واستكمالاً للإجراءات القانونية مع الهيئة الوطنية لزرع الأعضاء، وبإشراف فريق طبي متعدّد الاختصاصات يعمل وفق أعلى المعايير العالمية.
زراعة الرئة، التي كانت حتى الأمس القريب حلماً بعيد المنال لمرضى الفشل الرئوي، صارت اليوم حقيقة ملموسة في بيروت. إنجاز يرسّخ موقع المستشفى كمركز مرجعي إقليمي في زراعة الأعضاء، ويضع لبنان على خارطة الدول المتقدمة في هذا المجال الحساس والدقيق.
قد يُخيّل للبعض أن الحديث عن إنجازات طبية في وطنٍ يتداعى تحت الأزمات ضربٌ من الخيال. لكن مستشفى الرسول الأعظم يُثبت أن الخيال ممكن حين يسنده العلم، وأن الإرادة البشرية قادرة على اقتلاع الموت من صدر الحياة. هو ليس مستشفى فحسب، بل رئة للبنان بأسره، يُعيد له أنفاسه المرهقة، ويذكّره أن رسالة الطب رسالة إنسانية كونية، مباركة ، وممهورة بتوقيع كل ضمير حي.
في بلدٍ يختنق من كل شيء، ينهض هذا الصرح ليقول: ما زال للبنان قدرة على أن يتنفس، وما زال للإنسان فيه قيمة تليق بالكرامة والحياة..
المصدر: بريد الموقع