الجمعة   
   05 09 2025   
   12 ربيع الأول 1447   
   بيروت 01:39

الوعود بالحماية.. خدع غير قابلة للصرف مع العدو الإسرائيلي

منذ عقود، والعالم العربي والإسلامي يعيش حالة من “التنديد الموسمي” بالعدوان الإسرائيلي المتكرر، بدءًا من احتلال فلسطين وتشريد شعبها، مرورًا بالحروب والاعتداءات على لبنان وسوريا ومصر والأردن، وليس انتهاءً بالعدوان المستمر على قطاع غزة. وعلى الرغم من كل بيانات الشجب والاستنكار التي تصدر عن عواصم عربية وإسلامية – وأحيانًا غربية – فإن شيئًا من ذلك لم يردع “إسرائيل” عن سياساتها التوسعية والدموية.

والأدهى من ذلك، أن عددًا من هذه الدول، إن لم يكن معظمها، يُقيم علاقات علنية أو سرّية مع العدو الإسرائيلي، بينما تستمر في إيهام شعوبها بأنها تقف إلى جانب “القضية الفلسطينية”. هذه المفارقة المزدوجة تُعرّي واقع النظام العربي الرسمي الذي يبدو، في كثير من الأحيان، عاجزًا عن حماية ذاته، فكيف يُنتظر منه أن يحمي فلسطين أو لبنان أو سواهما؟

أما على المستوى الدولي، فقد أثبتت الأحداث مرارًا وتكرارًا أن الإدارات الغربية، وعلى رأسها الإدارة الأميركية، لم تكن في موقع “الوسيط النزيه” كما تحاول أن تُظهِر نفسها، بل كانت وما تزال الراعي الأبرز للعدو الإسرائيلي. فهي التي تمدّه بشتى أنواع الأسلحة، وتمنحه الحماية الدبلوماسية والغطاء السياسي، وتُجهض أي محاولة أممية لمحاسبته أو حتى مساءلته.

فمنذ ما يقارب السنتين، يمارس العدو الإسرائيلي أبشع أشكال القتل والتدمير في قطاع غزة، على مرأى ومسمع العالم، دون أن يتحرك الضمير الغربي والعالمي لحماية المدنيين العُزّل من مجازر جماعية تستهدف النساء والأطفال، وتفتك بالبنى التحتية للقطاع المحاصر.

في ظل كل هذا، يُطرح سؤال منطقي وواقعي: هل يمكن الوثوق بتطمينات الأميركيين والغربيين – وبعض العرب – بأنهم قادرون على كبح جماح العدو الإسرائيلي ومنعه من الاعتداء على لبنان؟

الإجابة، للأسف، ليست فقط بالنفي، بل إن مجرد طرح السؤال يكشف حجم الوهم الذي يحاول البعض تسويقه، بأن الضغط الدولي يمكن أن يحمي لبنان أو يردع العدو الصهيوني. فكيف يمكن لمن يرعى الاحتلال ويدعمه بالمال والسلاح والسياسة والأمن، أن يكون ضامنًا لسلامة دولة تُعدّ في مواجهة مباشرة معه؟ وكيف يمكن لأنظمة عربية تبحث عن الحماية الأميركية – وربما الإسرائيلية – أن تقدم “ضمانات” لدولة مثل لبنان؟

لا شك أن التجربة خلال كل السنوات الماضية أثبتت أن لبنان لن يُصان إلا بإرادة لبنانية، وقوة ردع حقيقية، ووحدة وطنية داخلية تدرك أن الدفاع عن السيادة ليس ترفًا سياسيًا، بل خيار وجود. أما الاتكال على وعود الخارج، خاصة الأميركية ومن يتحالف معهم، فقد ثبت أنه لا يجلب إلا المزيد من الخيبات والتفريط بالأرض والحقوق.

ومن الأمثلة البارزة على ذلك، استمرار العدوانية الإسرائيلية تجاه لبنان، على الرغم من القرارات الخاطئة التي صدرت عن الحكومة التي يترأسها نواف سلام، والمتعلقة بنزع سلاح المقاومة. فالعدو، منذ صدور هذه القرارات، يواصل بشكل يومي الاعتداء على لبنان، وانتهاك سيادته، وقتل أبنائه، من دون أن يقدّم أي مقابل لمن قدّم له “خدمات مجانية” على حساب مصلحة وطنه.

وفي هذا السياق، قال الباحث السياسي علي يحيى إن “الوعود الأميركية والغربية والعربية لا يمكن أن تحمي لبنان، كما لم تحمِ الضفة الغربية المحتلة، وقطاع غزة، والعاصمة السورية دمشق”، وتابع: “التكرار يعلم… الشُطّار”، سائلا “هل يجب علينا إدمان الوقوع في الفخ ذاته مجددًا؟”.


وقال يحيى في حديث لموقع قناة المنار “بقاءك على قيد الحياة مرتبط بمدى قدرتك على الصمود والمقاومة أمام كل أشكال الضغوط”، وأضاف “غير ذلك، فمصيرك هو الفناء”، ولفت إلى أنه “في ظل جغرافيا سياسية متغيّرة، وتوحّش إسرائيلي – أنكلوساكسوني، تعتبر القوة العسكرية المرتبطة بشبكة دفاع متعددة الطبقات أبرز مصادر القوة والحماية لتبقي على جذورك وذاتك الأصيلة، في مواجهة حرب هجينة متعددة المستويات”.

واعتبر يحيى أن “القوة العسكرية وحدها لن تكفي لتأمين كافة أنواع الحماية”، محذرًا من “الخداع الأميركي – الإسرائيلي الذي بات يأخذ أشكالًا أكثر تطورًا مما كان عليه في الماضي”، وتابع “على سبيل المثال، رغم انتصار ثورة العشرين العراقية عسكريًا بعد نجاحها في إضعاف السيطرة البريطانية، لجأت لندن إلى تغيير استراتيجيتها عبر الخداع السياسي لتحكم بشكل غير مباشر”، واوضح ان “الاستكبار في كل مرة يخسر عسكريا يحاول البحث عن طرق بديلة للالتفاف على انتصار الشعوب وسرقة الانجازات”.

المصدر: موقع المنار