الجمعة   
   12 09 2025   
   19 ربيع الأول 1447   
   بيروت 23:35

فك رموز الاستراتيجية الإسرائيلية الأميركية في غزة وفلسطين

من خلال متابعة سياسية وإعلامية دقيقة، واستنادًا إلى مراجعة خطاب الاحتلال الإسرائيلي ومناوراته، ومواقف وتصريحات قادته، يمكن تفكيك ركائز الاستراتيجية التي ينتهجها الاحتلال بدعم أميركي تجاه غزة والضفة الغربية، بل وفلسطين وقضيتها عمومًا.

يسعى الاحتلال أولًا إلى القضاء على المقاومة المسلحة ومنع أي إمكانية لإعادة بناء قدراتها، عبر تدمير بنيتها التحتية وقطع وسائل الدعم عنها، مع تقسيم غزة إلى ثلاث مناطق تخضع لسيطرة إسرائيلية مباشرة على المعابر.

كما يواصل سياسة تشجيع الهجرة “الطوعية” للفلسطينيين، من خلال تعطيل المساعدات الإنسانية والترويج لفكرة الهجرة باعتبارها خيارًا أقل كلفة وأكثر إغراءً.

وفي مرحلة لاحقة، يجري الحديث عن تشكيل حكومة فلسطينية بديلة مطواعة، تحظى بدعم عربي ودولي، على أن يمتد نفوذها المحدود إلى الضفة التي ضمها الاحتلال إداريًا، لتكريس التبعية وشرعنتها.

بالتوازي، يواصل الاحتلال توسيع الاستيطان في الضفة وبناء إدارات محلية في الجيوب الفلسطينية المعزولة لتعزيز الضغوط على الفلسطينيين ودفعهم نحو الهجرة.

وبدعم أميركي، يتمسك الاحتلال بمسار اتفاقيات التطبيع، مع الضغط على الدول المنضمة إلى ما يسمى بـ”الاتفاقيات الإبراهيمية” للاستمرار فيها.

وبذلك، يكون الثنائي نتنياهو – ترامب قد أسقط عمليًا خيار حل الدولتين، من خلال فرض وقائع ديموغرافية لصالح المستوطنين، بالتوازي مع معاقبة الدول الداعمة للاعتراف بدولة فلسطينية، وتقليص نفوذ أنصار هذا الحل على المستوى الدولي.

معوقات أمام الاستراتيجية

رغم الدعم الأميركي غير المحدود والتواطؤ العربي، تواجه هذه الاستراتيجية جملة من التحديات:

قدرة المقاومة: على الرغم من الخسائر، ما زالت قادرة على إلحاق الأذى بالعدو، وإعادة بناء تشكيلاتها وتجديد صفوفها.

رفض الهجرة: أظهر استطلاع أجرته “غالوب” ونشرته “إسرائيل هيوم” (مارس/آذار 2025) أن 39% من الفلسطينيين في غزة يرفضون المغادرة نهائيًا، و38% قد يهاجرون مؤقتًا مع نية العودة، فيما لا تتجاوز نسبة المؤيدين للخروج النهائي 14%. كما ترفض دول مثل مصر استقبال لاجئين، ولا ضمانات لاستمرار المساعدات.

الخطة المصرية: المبادرة المصرية (53 مليار دولار + حكومة تكنوقراط) لم تلقَ قبولًا أميركيًا أو إسرائيليًا، بينما البديل الإسرائيلي – قوة دولية على غرار كوسوفو – يواجه معارضة دولية وترددًا في تنفيذه.

ملف الأسرى: مع بقاء نحو 24 أسيرًا لدى المقاومة، يزداد ضغط عائلاتهم والرأي العام على حكومة الاحتلال للقبول بصفقة تبادل أو وقف الحرب.

الكلفة الاقتصادية: قدّر المركز العربي في واشنطن كلفة الحرب حتى مايو/أيار 2024 بـ 250 مليار شيكل تشمل خسائر مباشرة وغير مباشرة. وأشارت “جيروزاليم بوست” إلى أن التكاليف الأمنية (بما فيها تعبئة الاحتياط) قد تصل إلى 50 مليار شيكل سنويًا. في المقابل، يتطلب اجتياح بري لغزة المدينة 4 فرق عسكرية و7 مليارات دولار، فيما لم يستجب نصف جنود الاحتياط للاستدعاء.

الأزمات الداخلية: من أبرزها هيمنة نتنياهو على القرار رغم معارضة مؤسسات أمنية وعسكرية، عزوف الاحتياط، خلافات حول إعفاءات الحريديم، انقسامات بين القيادات السياسية والعسكرية، إضافة إلى توتر العلاقات مع أوروبا.

تراجع الصورة الدولية

في الولايات المتحدة: المعارضة لسياسات ترامب المؤيدة لنتنياهو تتسع، خصوصًا بين الشباب والديمقراطيين.

عالميًا: أظهر استطلاع لمركز “بيو” أوائل 2025 في 24 دولة أن 67% من المستطلعين في 20 منها لديهم موقف سلبي من “إسرائيل”، مع استثناء نسبي في الهند والأرجنتين ونيجيريا وكينيا.

عربيًا: المعارضة الشعبية للتطبيع في تزايد مطّرد.

الخلاصة

رغم الحصار الخانق، ما زالت المقاومة الفلسطينية صامدة، فيما يواجه الاحتلال مأزقًا داخليًا ودوليًا غير مسبوق.

مستقبل الحرب مفتوح على احتمالات سياسية جديدة، مثل إعادة طرح الإدارة الأردنية للضفة أو المصرية لغزة مع إغراءات اقتصادية. وفي المقابل، قد يقود اتساع رقعة المواجهة إلى انفجار صراعات إقليمية أو حتى دولية.

المصدر: بريد الموقع