الجمعة   
   24 10 2025   
   2 جمادى الأولى 1447   
   بيروت 19:48

بعد تجربة اتفاقات غزة والضفة.. هل يمكن أن تشكل أميركا ضمانة للبنان؟

كتب المبعوث الأميركي إلى لبنان وسوريا، توم برّاك، عبر حسابه على منصة إكس يوم الإثنين الماضي أنه “مع استعادة سوريا استقرارها مع جيرانها، بما في ذلك إسرائيل وتركيا، تُشكل هذه العملية الركيزة الأولى في الإطار الأمني الشمالي لإسرائيل، أما الركيزة الثانية، فيجب أن تكون نزع سلاح حزب الله داخل لبنان وبدء مناقشات أمنية وحدودية مع إسرائيل”.

وأضاف براك ان بلاده عرضت حوافز اقتصادية كضمانات لنزع السلاح لكن الأمر لم يؤد إلى نتيجة، مجدداً تهديده لبنان عبر الكيان الإسرائيلي في حال لم يتحرك في هذا الإطار.

بعد تصريحات براك روّج الإعلام المؤيد للمشروع الأميركي في المنطقة بأن اتفاقات جديدة مع العدو هي المدخل للبدء بإعادة الإعمار، وأن ذلك هو السبيل لوقف الاعتداءات على لبنان، بينما يروّج دعاة التطبيع بأن الهدف هو الوصول إلى اتفاق جديد مع العدو لحماية لبنان، مطلقين وعودًا في الهواء دون وجود أي ضمانات لتحقّقها، سواء على المستوى الاقتصادي أو الأمني أو السياسي.

وهنا تبدأ سلسلة طويلة من التساؤلات حول الضمانات التي تُقدَّم للبنان بخصوص التزام العدو في أي اتفاق جديد، بينما هو انتهك وينتهك بشكل يومي وفاضح الاتفاق القائم والقرار الدولي 1701 ومعه السيادة اللبنانية. والسؤال: لماذا على لبنان تقديم المزيد من التنازلات والقبول بالذهاب إلى اتفاق جديد، بينما هناك اتفاق واجب التطبيق لم يلتزم به الطرف الآخر ويتمنّع عن ذلك؟ وأي مصلحة للبنان بالقيام بكل ذلك؟ وهل العدو الإسرائيلي سيقبل بالالتزام بأي اتفاق جديد؟ وماذا سيجري لو جدّد العدو انتهاكاته لأي اتفاق جديد مفترض؟ وهل الضخ الإعلامي والسياسي حول ذلك بريء ويهدف إلى تحقيق مصلحة لبنان وحمايته، أم أن الهدف هو الدفع بلبنان نحو التطبيع مع العدو تحت التهديد والنار؟

لا شكّ أن العدو الإسرائيلي لا يحتاج إلى شهادات في حصوله على أعلى درجات خرق الاتفاقات وانتهاك القوانين وارتكاب المجازر والفظائع والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، إلا أن ما جرى في غزة خلال السنتين الماضيتين خير دليل على ذلك. كما أن هناك شاهدًا حيًّا ومباشرًا جرى قبل أيام يظهر مدى خرق العدو لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ليؤكد سرعة هذا العدو في التملّص من الالتزامات وخرقها وضربها عرض الحائط، وعدم قدرة أحد في العالم على ضمان أمن المدنيين العُزَّل وحماية حقّهم في الحياة والعيش.

والغريب أنه في لبنان يحمل المقاومة المسؤولية بدلًا من مطالبة العدو بالالتزام بما عليه والعمل على وقف العدوان. فهل يُعقَل أن من يتعرّض للقتل والاعتداءات بشكل يومي هو من يبحث عن مهادنة المعتدي والقاتل؟ مع العلم أن هذه الجهات هي نفسها التي تسعى لتجريد لبنان من عناصر قوته من دون تأمين البدائل الضامنة لحماية الوطن.

حول كل ذلك، قال الباحث العسكري والسياسي العميد المتقاعد إلياس فرحات “لغاية الآن لم تُقدَّم أي جهة دولية ولا عربية، وتحديدًا الولايات المتحدة، أية ضمانة، وقد كان المبعوث الأميركي توم باراك واضحًا في أحد تصريحاته عندما قال إن حكومته لا تقدّم أية ضمانة بألّا تعتدي إسرائيل على لبنان”، وتابع “في المقابل، تستمر إسرائيل باعتداءاتها شبه اليومية على جميع المناطق اللبنانية، وتنفّذ عمليات اغتيال بالطائرات المسيّرة وغارات بالطيران الحربي من دون أي تدخّل من المجتمع الدولي، وتحديدًا لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار المعروفة بـ(الميكانيزم)، حيث نادرًا ما تجتمع لبحث الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية”.

وفي حديث لموقع قناة المنار الإلكتروني، قال العميد فرحات إنّه “لا يترتّب على لبنان أي التزامات بتقديم تنازلات، وهناك اتفاق إعلان وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل أعلنته حكومتا الولايات المتحدة وفرنسا، وعلى إسرائيل الالتزام به، وعلى الدولتين الراعيتين الضغط على إسرائيل لتنفيذه بدلًا من البحث عن اتفاق آخر”، وهذا ما اشار اليه ايضاً رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري لصحيفة “الشرق الأوسط” قبل يومين حيث قال: “متمسكون بإتفاق وقف إطلاق النار بإشراف لجنة الميكانيزم وهي الالية المعتمدة ولا شيء سواها”.

أمّا عن الضخ الإعلامي لدفع لبنان نحو التطبيع مع العدو، فقال العميد فرحات “هو غير منطقي وضد مصلحة لبنان، لأن مصلحة البلاد تقضي بتحقيق وقف إطلاق النار أولًا، ثم انسحاب إسرائيل من النقاط الخمس التي أصبحت ثماني، وبعدها تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي ينصّ على احترام سيادة لبنان ووحدة أراضيه”، وأوضح “هذا يعني وقف كل الاعتداءات والخروقات الجوية والبحرية والبرية، وينصّ القرار أيضًا على انسحاب القوات الإسرائيلية إلى الحدود المحدّدة في اتفاقية الهدنة عام 1949، وهي الحدود الدولية المعترف بها من الأمم المتحدة”.

من جهته، قال رئيس “المؤسسة الوطنية للدراسات والإحصاءات” الدكتور زكريا حمودان إن “الحديث عن أي ضمانات هو كلامي فقط وليس عمليًا، إذ إن العدو لا يلتزم بأي اتفاق، لذلك لا يمكن القول إن هناك ضمانات حقيقية، بل مجرد عناوين عامة لا يُعوَّل عليها إطلاقًا”، ولفت إلى أن “العدو يخرق الاتفاق يوميًا، وتتم هذه الخروقات على مرأى ومسمع قوات اليونيفيل، وكذلك أمام اللجنة المشتركة (الآلية الميدانية)”، وأضاف “أما الحديث عن اتفاق جديد، فهو مطروح في الإعلام أكثر مما هو مطروح عمليًا، لأن أي اتفاق مع العدو لا يمكن أن يؤدي إلى نتيجة حقيقية”.

وشدّد حمودان في حديثه لموقع المنار الإلكتروني على أن “مصلحة لبنان تكمن في وقف الاعتداءات، سواء تم ذلك عبر اتفاق أو من دونه”، واعتبر أن “هذا الملف مرتبط بعوامل خارجية أكثر مما هو مرتبط بالواقع الميداني المباشر، لأن وقف الاعتداءات من خلال التفاوض أو المسار الدبلوماسي أمر صعب”، ورأى أن “التطورات بين إيران والكيان الصهيوني هي الأهم في هذه المرحلة، لأنها قد تؤدي إلى نتائج مباشرة أو يكون لها تأثير واضح في هذا الشأن”.

وفي الختام، من المفيد الإشارة إلى ما قاله الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في كلمته يوم 21-10-2025، حيث أكّد أن “استقرار لبنان يتحقّق من خلال كفّ يد إسرائيل عنه”، وأوضح أن “لبنان لا يمكن أن يعطي إسرائيل أو أمريكا ما تريدانه، طالما هناك شعب أبيّ قدّم تضحيات كبيرة ولا يزال مستعدًا لتقديم المزيد”، وشدّد على “ضرورة أن يبقى لبنان سيّدًا حرًّا عزيزًا مستقلاً قويًا قادرًا”، ولفت إلى أن “إسرائيل لا تريد تطبيق الاتفاق ولا إنهاء النزاع بينها وبين لبنان، لأنها تسعى لابتلاع لبنان وإلغاء وجوده”.

المصدر: موقع المنار