دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى وضع حدّ لـ«التصعيد العسكري» في السودان، عقب مقتل أكثر من 460 شخصاً داخل مستشفى التوليد في مدينة الفاشر، التي سيطرت عليها قوات «الدعم السريع» بعد حصار استمر 18 شهراً.
وأعرب غوتيريش عن «قلق بالغ» إزاء الوضع، مطالباً بـ«إنهاء الحصار والأعمال الحربية فوراً».
وكانت «منظمة الصحة العالمية» قد عبّرت، الأربعاء، عن «صدمتها» من تقارير تحدثت عن سقوط مئات الضحايا من المرضى ومرافقيهم في المستشفى السعودي للتوليد في المدينة، بالإضافة إلى خطف عاملين في القطاع الصحي. ولفتت إلى أنّ المستشفى المذكور هو الوحيد الذي لا يزال يعمل جزئياً في المدينة.
سيطرة كاملة على دارفور
وباتت مدينة الفاشر، منذ الأحد، خاضعة لسيطرة قوات «الدعم السريع»، ما جعل إقليم دارفور بكامله، الممتدّ على ثلث مساحة السودان، تحت نفوذ هذه القوات وحلفائها.
وتزامناً، تحدّثت تقارير أممية ومصادر بحثية عن استمرار «المجازر»، وأشار «مختبر الأبحاث الإنسانية» التابع لجامعة «ييل» الأميركية إلى وجود «أدلّة» على ذلك، مدعّمة بصور أقمار صناعية ومقاطع مصوّرة.
من جهته، عبّر قائد «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو، عن «أسفه» لما تعرّض له سكان الفاشر، معتبراً في كلمة مصوّرة أن «تحرير المدينة يصبّ في وحدة السودان، كنا مجبرين، والحرب فرضت علينا».
وأعلن دقلو إرسال «لجان محاسبة» إلى الفاشر، مشدداً على أنّه «ممنوع قتل الأسير العسكري، والمدني لا علاقة لكم به».
أزمة إنسانية متفاقمة وتعثّر المفاوضات
إلى ذلك، تسببت المعارك في الفاشر بنزوح أكثر من 36 ألف شخص، بحسب «الأمم المتحدة»، معظمهم باتجاه ضواحي المدينة أو إلى مدينة طويلة الواقعة على بعد 70 كلم غرباً، والتي تضمّ أكبر تجمّع للنازحين في البلاد، يقدَّر عددهم بأكثر من 650 ألفاً.
ومع انقطاع الاتصالات والإنترنت عن المدنيين، وسط تحكم «الدعم السريع» بشبكة «ستارلينك»، لا يزال الوصول إلى المدينة محظوراً، ما يعيق إدخال المساعدات الإنسانية.
في موازاة ذلك، تواجه مفاوضات «الرباعية» بشأن السودان، التي تضمّ مصر والسعودية والإمارات والولايات المتحدة، مأزقاً حقيقياً، بحسب مصدر مطّلع على المحادثات. وكان آخر اجتماع للمجموعة قد عُقد يوم الجمعة الماضي في واشنطن، من دون التوصّل إلى أيّ اختراق.
تحذيرات من انهيار الوضع الإنساني
في سياق متّصل، أطلق متطوعو شبكة «غرف الطوارئ» في مدينة طويلة، بولاية شمال دارفور غرب السودان، نداءً إلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، طالبوا فيه بتقديم المساعدة العاجلة لمواجهة موجات النزوح المتدفقة من الفاشر، عقب سيطرة «الدعم السريع» على المدينة إثر عملية عسكرية دامية أعقبتها مجازر.
وأشار المتطوعون إلى أنّ طويلة، وهي إحدى المدن التي تحتضن آلاف الفارين، تشهد «وضعاً إنسانياً خطيراً» في ظل استمرار تدفق المدنيين، فيما تعمل فرق الطوارئ المحلية تحت ضغط شديد لتقديم الدعم للمتضررين.
ودعت «غرف الطوارئ» مسؤولي الأمم المتحدة في السودان، والمنظمات الإنسانية الوطنية والدولية، إلى تقديم دعم مباشر لها «لتمكينها من تلبية الاحتياجات العاجلة على الأرض»، وسط نقص حاد في الموارد.
انتهاكات جسيمة بحق الفارين
في السياق نفسه، قالت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، في بيان، إنّ المدنيين الفارين من الفاشر «يتعرّضون لانتهاكات خطيرة» خلال محاولاتهم الوصول إلى مناطق أكثر أمناً، مشيرة إلى تقارير موثّقة تفيد بحصول «عمليات اغتصاب ونهب وقتل» على طول الطرق المؤدية من المدينة.
وحذّرت المنظمة من أنّ «المدنيين مهددون بارتكاب جرائم أكثر بشاعة»، ما لم يتحرّك المجتمع الدولي بصورة عاجلة.
يُذكر أن النزاع الدامي في السودان، الذي اندلع في نيسان 2023، أسفر حتى اليوم عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون شخص، وتصفه الأمم المتحدة بأنه «أسوأ أزمة إنسانية في العالم».
وكانت «الدعم السريع» قد سيطرت، على مدينة الفاشر، الأحد الماضي، بعد أن كانت تحت سيطرة الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان. وبهذا أصبح لهذه القوات السيطرة على كامل إقليم دارفور، غرب السودان، في حين يسيطر الجيش السوداني على مناطق الشمال والشرق والوسط.
ويثير الخبراء مخاوف من تقسيم جديد للسودان وعودة المجازر التي شهدها إقليم دارفور في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بين الحكومة والميليشيات.
وسجلت منظمة الصحة العالمية منذ بدء النزاع، في نيسان 2023، من دون احتساب الهجوم الأخير على المستشفى في الفاشر، 185 هجومًا على مرافق صحية، أسفر عن 1204 وفيات و416 إصابة. ووقعت 49 هجومًا هذا العام وحده، ما أودى بحياة 966 شخصاً.
المصدر: مواقع إخبارية
