الجمعة   
   31 10 2025   
   9 جمادى الأولى 1447   
   بيروت 23:29

سماحة الأمين العام الشيخ نعيم قاسم: أميركا ليست وسيطاً نزيهاً ولن نقبل تجريد لبنان من قوته

أكد الأمين العام لحزب الله حجة الاسلام والمسلمين سماحة الشيخ نعيم قاسم أن الولايات المتحدة تتحرك في لبنان مدعية أنها تسعى لمعالجة المشكلات ووقف العدوان الإسرائيلي وأنها تدعم سيادة لبنان واستقلاله، إلا أن التجربة تشير إلى أنها ليست وسيطاً نزيهاً، بل تعد الراعي الأساسي للعدوان وتُسهم في توسعته وتجذره في لبنان والمنطقة ككل.

وأضاف الشيخ قاسم في كلمة له خلال افتتاح “سوق أرضي” في الضاحية الجنوبية لبيروت، أنه مع كل زيارة لمبعوث أمريكي أو صدور تصريح أمريكي أو من أي جهة داعمة، يتزايد حجم الاعتداءات بشكل كبير.

ولفت إلى أن التصريحات الأمريكية غالباً ما تتضمن تبريراً ل “إسرائيل”، وتسهم في تصويرها كدولة تقدّم الأفضل، بينما يُحمّل لبنان المسؤولية ويُطالب بالالتزام ويواجه ضغطاً لسلب قدرته وحريته واستقلاله، لصالح إعطاء “إسرائيل” كل ما تريد.

وشدد الشيخ قاسم على أن أمريكا لم تقدم شيئاً للبنان، متسائلاً عن موقفها تجاه 5 آلاف خرق عدواني على لبنان، حيث لم تصدر أي إدانة أو ملاحظة أو طلب ل “إسرائيل” بوقف اعتداءاتها، بل تكتفي بتبرير هذه الخروقات. وأشار إلى الاعتداءات على الجيش اللبناني وعلى قوات اليونيفيل، متسائلاً عن موقف الولايات المتحدة حيال ذلك.

كما انتقد الشيخ قاسم تعليقات المسؤولين الأمريكيين على موقف رئيس الجمهورية بطلب التصدي للاعتداءات، ووصفوا الجيش اللبناني بأنه يتصرف إلى جانب المقاومة، متسائلاً: هل أصبح الدفاع عن الأرض وتعزيز السيادة تهمة؟ وهل يجوز منع الإسرائيلي من التقدم في الأراضي اللبنانية؟

وتساءل عن موقف أمريكا من عمليات قتل المدنيين اللبنانيين، وتدمير المنشآت الزراعية والتوغل في بعض المناطق، خاصة عن الجريمة الكبرى في بلدة بليدا باغتيال الشهيد إبراهيم سلامة أثناء تواجده داخل مؤسسة رسمية.

العدوان على بليدا جريمة سافرة ودعم المقاومة واجب وطني في وجه الاحتلال

وأكد الشيخ نعيم قاسم أن العدوان على بلدة بليدا يشكل اعتداءً صارخاً ولا يملك أي مبرر، مشدداً على أن الاعتداءات الإسرائيلية ضد لبنان تندرج جميعها ضمن الأعمال الموجهة ضد المدنيين وضد مقومات الحياة وحق الناس في العودة إلى بلداتهم.

واعتبر الشيخ قاسم أن هذه الاعتداءات تخالف أبسط قواعد حق لبنان في حماية سيادته وصون كرامته الوطنية. وأكد أن التهديدات والضغوط لن تغير من المواقف الداعمة للمقاومة والصمود، مشدداً على رفض الاستسلام والانهزام.

وأوضح أن قوة ارتباط اللبنانيين بأرضهم أصلب وأمتن من قوة العدو العسكرية مهما بلغت، وأن التضحيات التي قُدمت هي أمانة في أعناق الجميع، وتشكل جسر عبور نحو مستقبل الأجيال المقبلة.

وأكد أن “إسرائيل” يمكنها أن تقتل، لكنها لا تستطيع أن تسلب أبناء لبنان حياة العزة والكرامة، ويمكنها أن تحتل، لكنها لن تدوم في احتلالها للأرض، كما يمكنها أن تقصف هنا وهناك، لكنها لن تستطيع انتزاع حب اللبنانيين لأرضهم وتعلقهم بالاستقلال.

ووجّه الشيخ قاسم رسالة إلى الشركاء في الوطن، مؤكداً أن دعم الأهالي في مختلف المناطق هو دعم للبنان الواحد، وأن المطلوب فقط عدم الطعن من الخلف أو دعم المصالح الإسرائيلية، بل الوقوف صفاً واحداً بوجه هذا العدوان.

الحكومة مسؤولة عن تعزيز السيادة ودعم الجيش للتصدي للعدوان الإسرائيلي

وأكد الشيخ نعيم قاسم أن الحكومة اللبنانية هي المسؤولة أولاً عن تحقيق السيادة الوطنية، من خلال طرد العدو الإسرائيلي، وتحرير الأرض، والإعمار، وتحرير الأسرى. وشدد على أن تحقيق هذه الأهداف سيفتح أبواب الاستقرار والنهضة ومعالجة الإشكالات في لبنان بسهولة ويسر.

وأوضح الشيخ قاسم أن التفاهم بين اللبنانيين أمر ممكن وسهل، لكنهم لا يقبلون تلقي الأوامر من أي جهة خارجية، كما يرفضون أن يتم صياغة لبنان على صورة الآخرين. واعتبر أن متابعة العدوان الإسرائيلي والانتهاكات بحق السيادة اللبنانية تقع ضمن مسؤولية الدولة.

وأثنى الشيخ قاسم على موقف رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في إعطاء الأوامر للجيش بالتصدي للتوغلات الإسرائيلية، مؤكداً أن مثل هذه المواقف من الرؤساء الثلاثة والوزراء والمسؤولين في الدولة تشكل أساساً يمكن البناء عليه. وأكد أن المشهد الوطني واحد، إذ تتضافر جهود الدولة والمقاومة والشعب في موقف مشترك ضد العدوان الإسرائيلي، داعياً إلى تعزيز هذا التكاتف بالمزيد من الوحدة الوطنية.

وطالب الشيخ قاسم الحكومة اللبنانية بأن تدرج على جدول أعمالها دراسة خطة لدعم الجيش اللبناني كي يتمكن من التصدي للعدوان الإسرائيلي، وأن تضع برنامجاً زمنياً لتحقيق هذا الهدف في جنوب لبنان.

وشدد على أن مسار السيادة هو الضمانة لحماية لبنان في ظل الخطر الحقيقي الناجم عن الطغيان الأمريكي والتغول الإسرائيلي الذي يسعى للسيطرة على كل شيء.

المقاومة حماية للوطن والسيادة خط أحمر ولن نقبل تجريد لبنان من قوته لصالح إسرائيل

وأكد الشيخ نعيم قاسم أن معركة أولي البأس كانت محطة بارزة للصمود الوطني وحماية لبنان، مشيراً إلى أن البلاد تخوض منذ أحد عشر شهراً معركة أخرى من أجل الصمود، ساهمت في تحصين الوطن أمام العدوان. وشدد على أن استعادة الأرض سيتم بإذن الله بتكاتف أبناء لبنان جميعاً.

وأشار إلى أن الوطنية تُبنى على السيادة والاستقلال والحرية، وأن هدف المقاومة هو تحرير الأرض وحماية الوطن، في مقابل هدف “إسرائيل” القائم على العدوان والاحتلال. وأكد أن مسؤولية مواجهة العدوان والاحتلال تقع على جميع اللبنانيين، العسكريين والإعلاميين والساسة والمثقفين والمربين، على كافة الأصعدة والمعاني.

ونبّه الشيخ قاسم إلى خطورة استخدام المنطق الإسرائيلي أو تبريره تحت ذرائع وطنية، موضحاً أن النتيجة النهائية لا تصب إلا في خدمة مصالح “إسرائيل”، داعياً الجميع إلى التماسك، لأن قوة وحدة اللبنانيين هي السبيل الأسرع لتحقيق السيادة.

ودعا “إسرائيل” إلى تنفيذ بنود اتفاق وقف اطلاق النار بعدما التزم به لبنان، وشدد على ضرورة الضغط المستمر لإجبار إسرائيل على الالتزام، محذراً من أن أي اتفاق جديد قد يعني تبرئة “إسرائيل” من عدوانها ويفتح الباب أمام اعتداءات جديدة.

وأكد أن “إسرائيل” تسعى أيضاً لتجريد لبنان من قوته، وهو ما يعد خطوة في اتجاه مشروع “إسرائيل الكبرى”، مجدداً التأكيد على رفض هذا التوجه، وأنه لا يوجد وطني في لبنان يقبل به.

كما أكد الشيخ قاسم على أن قوة لبنان هي حاجز وردع حقيقي أثبت جدواه في الوقائع، داعياً إلى الحفاظ على قوة الوطن من أجل الأجيال القادمة ومستقبل أبنائنا.

أرض لبنان لكل أبنائه والسيادة والتحرير جوهر المواطنة الحقيقية

وأكد الأمين العام لحزب الله، خلال افتتاح معرض “أرضي”، أنّ المشاركين في هذا السوق هم أبناء الأرض الحقيقيون، فهم من يستحقونها وعملوا وضحّوا من أجلها وقدموا لها الكثير.

وأضاف أن العائدين إلى جنوب لبنان والمتصدين بأجسادهم يمثّلون مشهداً للفخر والعزة كان واضحاً أمام العالم كله خلال مواجهة الكيان الإسرائيلي، ما أدى إلى انسحابه بفعل صمود هؤلاء الناس في القرى الحدودية الأمامية في جنوب لبنان.

وأشار الشيخ قاسم إلى أن أبناء الجنوب يواصلون اليوم الحصاد على الخطوط الأمامية، يجمعون الزيتون وخيرات الأرض في مشهد يؤكد السيادة والاستقلال بكل أبعاده.

ولفت إلى أن هؤلاء الشجعان والسياديين الحقيقيين قدّموا أعز أبنائهم وأفراد عائلاتهم من أجل التمسّك بالأرض والعودة إليها.

وأوضح أنّ معرض “أرضي” ليس موجهاً لفئة أو بيئة معينة، بل لكل اللبنانيين، فكل قطعة أرض في لبنان باسم لبنان ولا تخص طائفة دون أخرى. واعتبر أن لبنان بلد واحد موحّد، مشدداً على أن كل أقاليمه من الجنوب والبقاع والجبل والشمال وبيروت والضاحية تتوحد تحت اسم واحد وراية واحدة، والأرض ملك لكل اللبنانيين.

وأكد سماحته أن من يملك الأرض يملك المستقبل، ووجود الاحتلال عابر، وأن من يقاوم يستعيد أرضه، بينما من يستسلم يخسر نفسه وأرضه ومستقبله، معتبراً أن هذه هي المعادلة الحقيقية.

وشدد على أهمية الالتزام بوثيقة الطائف باعتبارها العقد الاجتماعي الذي ارتضاه اللبنانيون، مشيراً إلى أن السيادة وتحرير الأرض وطرد العدو الإسرائيلي، إلى جانب التضامن الوطني، تمثّل المبادئ الأولى في هذا العقد، وأن المواطنة الحقيقية تعني أن يتألم الجميع لألم أي فرد في أي منطقة من لبنان.

وأكد الشيخ نعيم قاسم أن “جهاد البناء” أُسس لخدمة الناس بصدق وإخلاص على قاعدة البذل والعطاء، مشيراً إلى أن سيد شهداء الأمة، السيد حسن نصر الله، رضوان الله عليه، أطلق عام 2020 مبادرة الجهاد الزراعي والصناعي.

وأوضح الشيخ قاسم أن المقصود بالجهاد الزراعي هو إحداث نهضة في هذا القطاع الحيوي، بما يضمن تعزيز الإنتاج الوطني ويقلل من الاعتماد على الخارج والديون.

وأشار إلى غياب الدولة عن تقديم الدعم الكافي للقطاعين الزراعي والصناعي، ما يستدعي العمل الجاد من أجل دعم المزارعين وتوفير قنوات تسويق فعّالة، بهدف تقليص الحلقات الوسيطة بين المزارع والمستهلك، وطرح السلع بأسعار مقبولة للجميع.

انطلاق فعاليات “سوق أرضي

وفي وقت سابق من اليوم الجمعة، انطلقت في مجمع سيد الشهداء (ع) بالضاحية الجنوبية لبيروت، فعاليات معرض “سوق أرضي” للمونة والمنتوجات الزراعية والحرفية 2025، بمشاركة واسعة من العارضين والحرفيين والمنتجين المحليين من مختلف المناطق اللبنانية.

ويهدف المعرض إلى دعم الإنتاج الوطني وتشجيع التسوّق المحلي، من خلال توفير مساحة تفاعلية تجمع بين صغار المنتجين والمستهلكين في أجواء عائلية تراثية تعزز التواصل الاجتماعي والاقتصادي داخل المجتمع اللبناني.

ويستمر “سوق أرضي” حتى الأحد 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، حيث يقدم لزواره باقة متنوعة من المونة الريفية والمأكولات التقليدية والمشغولات الحرفية، إضافة إلى نشاطات ثقافية وترفيهية مرافقة.

ويُعد هذا الحدث السنوي من أبرز المبادرات التي تكرّس مفهوم الاقتصاد المنتج والاكتفاء الذاتي، في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة، ويشكل منصة لدعم صمود العائلات المنتجة والحرفيين اللبنانيين في القرى والأرياف.

يشار الى ان هذه النسخة هذا العام من المعرض، تجري بعد عدوان اسرائيلي كبير على لبنان في خريف عام 2024 طال منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب والبقاع، ودمر العديد من المنشآت المدنية، منها مجمع سيد الشهداء الذي يحتضن فعاليات المعرض.

كلمة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم الكاملة خلال افتتاح معرض “سوق أرضي” يوم الجمعة في 31 تشرين الأول ‌‏2025.‏

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم ‏محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه الأبرار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والصالحين والشهداء إلى قيام يوم ‏الدين.‏
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.‏

سوق “أرضي” للمونة والمنتجات الزراعية والحرفية فكرة مبدعة، تنموية، تسويقية، ومنتجة.‏
في الحقيقة، يجب أن نشكر جمعية مؤسسة جهاد البناء الإنمائية التي عملت خلال هذه السنوات الطويلة من أجل هذا الإنتاج، ‏ومن أجل هذا السوق الذي يُعتبر عملاً منتجًا إيجابيًا يخدم الناس، وخاصة المزارعين والحرفيين بشكل كبير.‏

أُعجبني الشعار الذي وُضع لهذا الحفل: “أرضي لأهلها”. وبالفعل، أرضي لأهلها، وهؤلاء المشاركون في هذا السوق هم ‏أهل الأرض، هم يستحقونها، هم الذين بذلوا فيها وأعطوها.‏
العائدون إلى جنوب لبنان والمتصدّون بأجسادهم هم مشهد فخرٍ وعزٍّ كان واضحًا أمام العالم بأسره عندما واجهنا إسرائيل، ‏وعندما انسحبت بفعل وجود هؤلاء الناس في القرى الحدودية الأمامية في جنوب لبنان.‏

الصامدون اليوم من أهل الجنوب هم على الخطوط الأمامية يحصدون الزيتون وغلال الأرض في مشهد سيادةٍ واستقلالٍ بكل ‏ما للكلمة من معنى. هؤلاء الشجعان، هؤلاء السياديون الحقيقيون، هم الذين قدّموا فلذات أكبادهم وأزواجهم ورجالهم ‏ونسائهم، كل ذلك من أجل التمسك بالأرض والعودة إليها.‏

هذا المعرض هو للبنانيين جميعًا، ليس لبيئةٍ ولا لطائفةٍ ولا لجمهورٍ معين. هو معرض “أرضي” لكل اللبنانيين، كل قطعة ‏أرضٍ في لبنان اسمها لبنان، لا أرض لطائفةٍ دون أخرى.‏
إذن، لبنان واحد موحد مترابط، له اسم واحد في الجنوب والبقاع والجبل والشمال وبيروت والضاحية، الاسم هو لبنان، ‏والأرض هي لبنان، وهذه أرضنا جميعًا نتشارك فيها، وكل قطعةٍ منها هي قطعةٌ من لبنان، لكل لبنان، ولكل اللبنانيين. صاحب ‏الأرض يملك المستقبل، والاحتلال وجودٌ عابر. من يقاوم يستعيد أرضه، ومن يستسلم يخسر نفسه وأرضه ومستقبله، هذه ‏هي المعادلة الحقيقية. ‏

نحن في السياسة نتحدث عن الالتزام تحت سقف الطائف، الذي هو العقد الاجتماعي المتفق عليه بين اللبنانيين، أما الأرض، ‏فهي لنا جميعًا، وأما في السياسة والإدارة والقانون، فالسقف هو الطائف. من أراد أن يلتزم بالطائف لا يستطيع أن يختار منه ‏جزءًا ويترك الأجزاء الأخرى.‏
أول عنوانٍ في الطائف هو السيادة، وأول عنوانٍ فيه طرد العدو الإسرائيلي وتحرير الأرض، وأول عنوانٍ فيه أن نكون معًا ‏كمواطنين، يؤلمنا ما يؤلم أي فردٍ منا في أي منطقةٍ من مناطقنا، وهذه هي المواطنة الحقيقية.‏

نحن الآن نفتتح سوق “أرضي” التي تعني الزراعة أساسًا، لقد لاحظنا أن الله تعالى سخّر لنا هذه الأرض من أجل أن ‏نستثمرها، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾. هذه ‏نعمة من الله أن يكون لنا أرض، وأن نكون من حماة هذه الأرض، وقال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ‏السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ﴾. هنيئًا لكم هذا الرزق، لأنه عطية من الله تعالى، لا يستطيع أحد أن يسلبكم إياها، ‏وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «من غرس غرسًا فأثمر، أعطاه الله من الأجر قدر ما يخرج من الثمر».‏

تأملوا هذا الموقف العظيم، هذا الزرع ليس فقط رزقًا تأكله، وليس فقط نعمةً تستثمرها وتأخذها لنفسك أو لأولادك أو ‏لمجتمعك، بل لك أيضًا أجر عند الله تعالى لأنك عملت، لأنك أحييت الأرض، لأنك أعطيتها فأعطتك، لأنك حافظت عليها. هذا له ‏أجر كبير عند الله تعالى، ويقول الإمام الصادق عليه السلام: «الزارعون كنوز الأنام، يزرعون طيبًا أخرجه الله عز وجل». ‏بارك الله بكم أيها المزارعون، أيها الحرفيون، أيها المشاركون في إحياء هذه الأرض في لبناننا العزيز، لأن هذا الإحياء هو ‏الذي يعطي الاستمرارية والمستقبل لأجيالنا.‏

لقد أسسنا في حزب الله مؤسسة جهاد البناء من أجل خدمة الناس من القلب، على قاعدة البذل والعطاء، وقد أطلق سماحة ‏سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله رضوان الله تعالى عليه في سنة 2020، “الجهاد الزراعي والصناعي”، وكان يقصد ‏في حينها أن تكون هناك نهضة على المستوى الزراعي وعلى المستوى الصناعي، من أجل أن يكون لنا الإنتاج المحلي ‏والاستهلاك المحلي والتداول المحلي، كي لا نبقى تحت عبء الخارج، وكي لا نبقى في المديونية التي يعاني منها لبنان بشكل ‏كبير.‏

لقد قامت مؤسسة جهاد البناء بأعمال عظيمة ومؤثرة جدًا، فهي تعمل على تطوير الزراعة، وتربية النحل، وإنتاج العسل، ‏وزيادة الثروة الحيوانية، وتوسيع أسواق المزارعين، والمساعدة في تصدير الإنتاج، وإطلاق التعبئة الزراعية، ورعاية ‏منتجي الصناعات الغذائية، وتطوير إنتاج الصناعات الحرفية.‏
هذه كلها أعمال تصب في خدمة المزارع، ويجب أن نكون إلى جانبه، ويجب أن نعزز هذا الموقع، وللأسف، فإن الدولة غائبة ‏عن الاهتمام الكافي بهذا القطاع، أي القطاع الزراعي، وكذلك بالقطاع الصناعي.‏

تَصَوّروا أن موازنة الزراعة لعام 2026 تساوي تقريبًا خمسةً وعشرين مليون دولار، أي ما نسبته 0.45% من إجمالي ‏الموازنة، أما وزارة الصناعة فتساوي حوالي مليونين دولار فقط، أي 0.031% من إجمالي الموازنة العامة! هل يُعقل أن ‏تكون الموازنة بهذا المقدار؟ يجب أن تكون موازنةً أكبر ضمن مشاريع تنموية. نحن لا نقول لكم: “أعطوا المزارعين”، بل ‏نقول: “هيِّئوا لهم الأساليب والوسائل والدعم والبُنى والعطاءات التي تساعدهم على تحسين الإنتاج وتمكينهم من تصريفه ‏بطريقة أو بأخرى”، كما تفعل جهاد البناء. فـ”جهاد البناء” تعطي ولا تأخذ، تهيئ الأرضية الصالحة، وتقدم الخدمات ‏الجماعية المشتركة التي توفر على المزارعين.‏

المطلوب من الدولة أن تضع برنامجًا حقيقيًا للاستفادة من أرضنا، ومعروف أن أرض لبنان غنية، فعالة، منتجة، تُعطي أفضل ‏المزروعات. لكن المطلوب هو دعم المزارع، وأيضًا إيجاد التسويق المناسب، حتى نخفف من الحلقات بين المزارع ‏والمشتري، من أجل أن تكون السلعة بسعر مقبول، ومن أجل أن يتم تداولها بين الناس. ‏
شكرًا لـجهاد البناء، وشكرًا لكل المساهمين في هذا العمل، وشكرًا للمنتجين والمسوقين الذين حضروا من أماكن مختلفة في ‏لبنان من أجل عرض منتجاتهم، وإن شاء الله يكبر هذا العمل أكثر فأكثر، وتكون له النتائج العظيمة.‏

أتحدث الآن عن الوضع القائم في ثلاث نقاط:‏
أولًا: أمريكا تتحرك في لبنان على قاعدة أنها تريد معالجة المشكلة، وتريد أن توقف العدوان الإسرائيلي، وأن يكون لبنان ‏سيدًا مستقلًا، هذا ما تدّعيه أمريكا، ولكن بالتجربة، أمريكا ليست وسيطًا نزيهًا، بل هي الراعية الأساسية للعدوان، وهي التي ‏تساعد على توسعه وتجذّره في لبنان والمنطقة في آنٍ واحد. لاحظوا معي، كلما جاء مبعوث أمريكي إلى لبنان، أو صرّح أحد ‏المسؤولين الأمريكيين من أمريكا أو من أماكن أخرى، نجد أن الاعتداءات تزداد بشكل كبير، وغالبًا ما تكون تصريحات ‏الأمريكيين تبرير لإسرائيل، وجعلها الدولة التي تقدّم أفضل ما عندها، فيما يُصوَّر لبنان دائمًا مقصرًا ومسؤولًا، عليه أن يقوم ‏بالتزاماته وأنه لم يفعل ما يجب، وأن الجيش اللبناني يتحرك ببطء وهكذا، ويعني ضغط مستمر من أجل سلب لبنان قدرته ‏وحريته واستقلاله وسيادته، لإعطاء إسرائيل كل ما تريد.‏

لم تُعطِ أمريكا لبنان شيئًا، وأنا أريد أن أسأل: ما هو موقف أمريكا من خمسة آلاف خرق عدواني على لبنان؟ لم نسمع أي ‏إدانة، ولا ملاحظة، ولا حتى طلب من إسرائيل أن توقف عدوانها! بل هم يبررون هذه الخروقات.‏
هناك اعتداء على الجيش اللبناني، واعتداء على اليونيفيل، وقد أصدرت اليونيفيل بيانات بهذا الشأن، وكذلك الجيش اللبناني، ‏فما هو الموقف؟

اليوم نسمع البعض يحمّل المسؤولية للجيش اللبناني، ويسأل: “لماذا لم يسحب السلاح بسرعة أكبر؟ حتى لا تكون إسرائيل ‏معتدية أو حتى لا تتصرف إسرائيل بردة فعل أو دفاعًا عن النفس أو عن أمنها كما يقول الأمريكيون!‏

الآن عندما أعلن رئيس الجمهورية أنه طلب من الجيش اللبناني التصدي، وقف أحد المسؤولين الأمريكيين ليعتبر أن الجيش ‏اللبناني يتصرف إلى جانب المقاومة، ومع المقاومة!‏
هل أصبح دفاع الجيش اللبناني عن أرضه تهمة؟
هل أصبح تعزيز الجيش اللبناني للسيادة في لبنان تهمة؟
هل أصبح منعه لإسرائيل من التقدم داخل الأراضي اللبنانية تهمة؟

أتحدث هنا عن الجيش، وعن مسؤوليته، وعن الدولة ومسؤوليتها، يجب أن يكون محل تقدير وإشادة، لكن تبيّن أن الأمريكي ‏يعتبر هذا الأمر مخالفًا لما يجب أن يقوم به. وأسأل: ما هو موقف أمريكا في جنوب لبنان، بل في كل لبنان، من قتل العدو ‏الإسرائيلي للمدنيين؟ وتدمير المنشآت والمزارع؟ ومن إحراق الأشجار؟ ومن التوغّل في بعض المناطق؟ ‏
ماذا يقولون عن الجريمة الموصوفة الكبرى في بلدة بليدا باغتيال الشهيد إبراهيم سلامة، وهو داخل مؤسسة رسمية، داخل ‏البلدية، وكان نائمًا. أي أن هذا العدوان عدوان صارخ جدا ليس له أي مبرر إذا كنا نتحدث عن المبررات. ‏

ماذا نقول عن اغتيال الشهيدين سليمان في منشرة البياضة، وهما في حالة مدنية؟
وماذا نقول عن المهندسين اللذين قُتلا؟
وماذا عن العائلة التي قتلت في منطقة بنت جبيل؟
أو عن تدمير الجرافات والآليات في مصيلح وسيناي؟
كلها أعمال ضد المدنيين، وضد الحياة، وضد عودة الناس إلى بلداتهم، وضد البشر والحجر، وهذا مخالف لأبسط قواعد حق ‏لبنان في حماية سيادته.‏
ليكن معلومًا، لن يغيّر التهويل مواقفنا مع المقاومة والصمود، ولسنا من دعاة الاستسلام أو الانهزام، ولن نقبل لا بالاستسلام ‏ولا بالانهزام. إن قوة ارتباطنا بأرضنا أصلب من قوتهم العسكرية مهما بلغت، والتضحيات التي قدّمناها هي أمانة في أعناقنا، ‏وهي جسر عبورنا إلى مستقبل أجيالنا.‏
تستطيع إسرائيل أن تقتل، لكنها لا تستطيع أن تمنع حياة العزة لدينا، وتستطيع أن تحتل، لكنها لا تستطيع أن تستمر في ‏احتلالها، وتستطيع أن تقصف هنا وهناك، لكنها لا تستطيع أن تنزع حب الأرض والرغبة في الاستقلال من قلوبنا وحياتنا.‏

وهنا نوجه رسالة إلى شركائنا في الوطن: ‏
عندما تدعمون أهلكم في منطقة أخرى غير منطقتكم، فإنما تدعمون لبنان. لبنان واحد، أرضه واحدة، والجميع يجب أن ‏يكونوا معًا. نحن لا نطلب منكم دعمًا لنا، وهو واجبكم في كل حال، بل نطلب منكم ألّا تطعنوا في الظهر، وألّا تخدموا المصالح ‏الإسرائيلية. الآن أمامكم هذا العدوان الواسع على المدنيين والمنشآت والممتلكات. أين تصريحاتكم؟ أين مواقفكم؟ يجب أن ‏نبدأ من هنا.‏

نحن نقول إن الحكومة هي المسؤولة عن السيادة أولًا، وهي تحققها بطرد الكيان الإسرائيلي، وتحرير الأرض، وإعمارها، ‏وتحرير الأسرى. عندما يحصل هذا الأمر، ستجدون أن أبواب الاستقرار والنهضة ومعالجة الإشكالات في لبنان مفتوحة ‏وسهلة.‏
نحن نتفاهم مع بعضنا، وهذا أمر سهل، ولكننا لا نتلقى أوامر من أحد، ولا نقبل أن يُصاغ لبنان على شاكلتهم. إن هذا العدوان ‏وهذه الخروقات من مسؤولية الدولة أن تتابعها.‏
إن موقف رئيس الجمهورية، العماد جوزيف عون، هو موقف مسؤول في إعطاء الأوامر للجيش بالتصدي للتوغّل ‏الإسرائيلي، وهذا يُبنى عليه، وإن مواقف الرؤساء الثلاثة والوزراء والمسؤولين في الدولة مواقف يُبنى عليها. الآن، بحمد ‏الله تعالى، المشهد واحد: أركان الدولة والمقاومة والشعب، كلهم في موقف واحد ضد هذا العدوان الإسرائيلي، فلنعزز هذا ‏الأمر بالمزيد من الوحدة الوطنية، ولنرفع أصواتنا أكثر فأكثر.‏

أطلب وأطالب الحكومة اللبنانية أن تضع على جدول أعمالها دراسة خطة لدعم الجيش، ليتمكن من التصدي للعدوان ‏الإسرائيلي، وأن تضع برنامجًا زمنيًا لتحقيق هذا الهدف في جنوب لبنان.‏
هذه مسؤولية تقع علينا جميعًا. إن مسار السيادة هو الذي يحمي لبنان، ولبنان اليوم في خطر حقيقي بسبب الطغيان الأمريكي ‏والتغوّل الإسرائيلي الذي يريد كل شيء.‏
لقد كانت معركة البأس معركة صمودٍ حمت لبنان، والآن، خلال أحد عشر شهرًا، هناك معركة أخرى من الصمود أيضًا، هي ‏التي ساهمت في حماية لبنان. هذه أرضنا، وسنستعيدها إن شاء الله بتكاتف أيدينا.‏

أما النقطة الأخيرة فلها علاقة بوطننا: ما هو الوطن؟ كيف نعرّف الوطنية؟
إن عنوان الوطنية هو السيادة والاستقلال والحرية، وهدف المقاومة هو تحرير الأرض وحماية الوطن، أما هدف إسرائيل ‏فهو العدوان والاحتلال. الكل في لبنان مسؤول في مواجهة العدوان والاحتلال، عسكريًا، وإعلاميًا، وسياسيًا، وثقافيًا، ‏وأخلاقيًا، وتربويًا، وبكل المعاني، كلٌّ بحسب دوره ووظيفته. نحن لا نأخذ دور أحد، ولا نقول ليحلّ أحد مكان أحد.‏

إن استخدام المنطق الإسرائيلي وتبريره بحججٍ وطنية لا تلغي النتيجة، وهي خدمة إسرائيل، فليتوقف بعضهم عن هذه ‏الحجج، فكلما كنا أكثر تماسكًا، استطعنا أن نحقق سيادتنا بوقت أسرع وأخرجنا لبنان.‏
يوجد اتفاق بين لبنان وإسرائيل، وهو اتفاق غير مباشر، وُقّع في 27 تشرين الثاني سنة 2024، وهو مرحلة جديدة ‏ومنطلق جديد. فلتنفّذ إسرائيل هذا الاتفاق بعد أن نفذه لبنان، ويجب توفير كل الأجواء والضغوط لتلتزم به إسرائيل.‏

أي اتفاق جديد هو تبرئة لإسرائيل وتصفير لعدوانها، وفتح العداد مجددًا لاعتداءات جديدة.‏
أن تطلب إسرائيل أمن مستوطناتها، فهذا متحقق في الاتفاق، لكن أن تطلب تجريد لبنان من قوته، فهذه خطوة على طريق ‌‏”إسرائيل الكبرى”، ولن نقبل بها، ولا يقبل بها أي وطني في لبنان.‏
إن قوة لبنان هي السد والرادع وقد أثبتت الوقائع ذلك، فلنحافظ على قوة لبنان من أجل أجيالنا ومستقبل أبنائنا.‏

أشكركم على مشاركتكم، وأشكر مؤسسة جهاد البناء على عطائها وتضحياتها، وأطلب من الأخ العزيز الدكتور حسين الحاج ‏حسن، رئيس تكتل نواب بعلبك الهرمل، أن ينوب عني في قص الشريط إيذانًا بافتتاح المعرض، وأشكره سلفًا، كما أشكركم ‏جميعًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.‏
العلاقات الاعلامية في حزب الله
الجمعة 31-10- 2025‏
‏9 جمادى الأولى 1447 هـ

المصدر: موقع المنار