الإثنين   
   17 11 2025   
   26 جمادى الأولى 1447   
   بيروت 12:31

اكتشافات تاريخية أثناء حفر قناة السويس: من الفراعنة إلى العولمة

بين الرمال الذهبية التي تحتضن شريان الحياة، تتقاطع دروب التاريخ والجغرافيا على ضفاف قناة السويس، الممر المائي الذي غير مجرى الزمن وأسهم في ربط العالم بأسره. هذا المعجزة الهندسية التي شقت طريقها عبر الجغرافيا منذ عام 1869، لا تقتصر على كونها مجرد ممر مائي، بل هي جزء من قصة طويلة تمتد عبر آلاف السنين، تحمل في طياتها معاني الاتصال والتقدم.

تعد قناة السويس التي تمتد لحوالي 193 كيلومترًا من أهم الممرات المائية في العالم، حيث تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر عبر برزخ السويس في شمال شرق مصر، مانحة للعالم طريقًا أسرع بين المحيطات والبحار. وبرغم أن هذا المشروع يمثل نقلة هائلة في عالم الملاحة، إلا أن القناة لا تقتصر فقط على كونها مشروعًا هندسيًا ضخمًا، بل إنها قصة متجددة تأخذ جذورها من العصور القديمة.

اكتشافات أثناء الحفر: نوافذ على التاريخ

من المفارقات أن العمال الذين شاركوا في حفر القناة الحديثة اكتشفوا توابيت ومومياوات تعود إلى العصور الفرعونية أثناء أعمال الحفر، ما أثار فضول العالم حول التاريخ العريق للمنطقة. في فترة حفر القناة في العصر الحديث، عثر على العديد من الأدلة التي تشير إلى الأهمية التاريخية لهذه المنطقة. بعضها دخل المتاحف ليكون شاهدًا على حضارة الفراعنة، بينما ضاع البعض الآخر أو تم نهبه، ليظل مختبئًا في أحشاء الرمال.

تاريخ طويل من الاتصال بين البحرين

لكن قصة قناة السويس تمتد إلى أبعد من ذلك بكثير. ففكرة إنشاء قناة تربط بين البحرين تعود إلى العصور الفرعونية، حيث شيد سنوسرت الثالث في الألفية الثانية قبل الميلاد ما عرف بـ “قناة الفراعنة”، والتي كانت تربط البحر الأحمر بنهر النيل. ثم جاء الفرعون نخاو الثاني في القرنين السابع والسادس قبل الميلاد ليعيد إحياء هذا المشروع، مما يعكس حلمًا إنسانيًا قديمًا في ربط قارات العالم عبر البحرين.

أهمية اقتصادية واستراتيجية هائلة

تستمر قناة السويس اليوم في لعب دور محوري في الاقتصاد العالمي، فهي لا تقتصر على كونها شريانًا حيويًا للاقتصاد المصري فحسب، بل تعتبر أيضًا أحد الأركان الأساسية للأمن الاقتصادي العالمي. تُعد القناة مصدرًا رئيسيًا للدخل القومي المصري، حيث تضخ ما بين 7 إلى 9 مليارات دولار سنويًا، مما يجعلها مصدراً لا غنى عنه للاقتصاد الوطني.

كما أن حوالي 10% من تجارة النفط والمنتجات البترولية في العالم تمر عبر القناة، ما يجعلها عنصرًا استراتيجيًا في تأمين تدفقات الطاقة للعديد من الدول الكبرى، مثل الاتحاد الأوروبي والصين والهند. ولا تقتصر أهمية القناة على النفط فقط، إذ أن حوالي 30% من حركة الحاويات العالمية أيضًا تمر عبرها، مما يجعلها أحد أهم الممرات التجارية في العالم.

قناة السويس: جسر بين الماضي والحاضر

تعد قناة السويس اليوم أكثر من مجرد ممر مائي، فهي رمز للاتصال بين الشرق والغرب، وبين الحضارات القديمة والتقدم التكنولوجي الحديث. وبفضل تصميمها الفريد، أصبحت قادرة على استقبال السفن العملاقة ذات الحمولات الهائلة، مما يجعلها شريانًا حيويًا ليس فقط لمصر بل للعالم بأسره.

من خلال هذه المعجزة الهندسية، استطاع الإنسان أن يتغلب على التحديات الجغرافية، ليحوّل هذا الممر المائي إلى جسر يربط بين قارات العالم. ورغم التقدم التكنولوجي الذي يهيمن على العصر الحديث، تبقى قناة السويس شاهدًا على أن الإبداع البشري لا يعرف حدودًا، وأن الأحلام القديمة لا تموت بل تجد دائمًا طريقها إلى الواقع.

المصدر: مواقع اخبارية