الأربعاء   
   03 12 2025   
   12 جمادى الآخرة 1447   
   بيروت 13:21

أخطر الكائنات الحية في العالم طولها سنتيمتر واحد

لا يحمل سلاحاً، لكنه ينتقل بين البشر ويقتلهم بخفة القاتل المتسلسل، فهو الأكثر فتكاً على وجه الأرض، وبينما تتجه أنظار العالم إلى الحروب والعنف والحوادث والأوبئة والوحوش الضخمة ذات الأنياب، يظل البعوض، ذلك الكائن الهش، العدو القديم الذي يتفوق في حربه الصامتة ضد البشرية، حاصداً أرواح أكثر مما حصدت كل الحروب مجتمعة، فعدد ضحاياه كل سنة يصل حد تعداد سكان مدينة كبيرة مثل فرانكفورت أو جنيف. لكن يبقى السؤال الأهم كيف تحولت هذه الحشرة الضئيلة إلى أكبر تهديد لحياة البشر؟

بيئة خصبة

يوجد البعوض في كل القارات باستثناء القارة القطبية الجنوبية، حيث يعيش في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية والمعتدلة، ويخضع البعوض لدورة حياة معقدة تتضمن مراحل مائية وبرية، فهو يحتاج إلى كمية قليلة من الماء الراكد لوضع البيض في البرك أو الخنادق أو الحاويات والمستنقعات التي تعد بيئة مثالية لتكاثره بسرعة هائلة، حيث تضع الإناث بيضها في الماء، مما يؤدي إلى ظهور اليرقات والشرانق قبل التطور إلى البعوض البالغ، فهذه المياه الغنية بالمغذيات على نمو يرقات البعوض تمكنها من النضج والتحول إلى بعوض بالغ.

في الـ20 من أغسطس (آب) عام 1897 اكتشف طبيب بريطاني طفيلي الملاريا في معدة أنثى بعوضة “الأنوفيلة”، مقدماً بذلك أول دليل على أن البعوض ينقل الملاريا بين البشر. واليوم، وبعد أكثر من 125 عاماً، لا يعرف بالضبط عدد مرات لدغات البعوض سنوياً، إذ لا يبلغ عن معظمها، ولكن يقدر أن البعوض ينقل الأمراض إلى أكثر من 700 مليون شخص سنوياً، ما يؤدي إلى أكثر من 700 ألف حال وفاة، أي ما يقارب واحد من كل 10 أشخاص.

علمياً، البعوض لا يلدغ عندما يتناول وجبة الدم، وبدلاً من ذلك، يدخل خرطومه في الجلد، وبينما يبحث عن الدم، يقذف مزيجاً لعابياً من موسعات الأوعية الدموية ومضادات التخثر ومكونات أخرى مضادة للنزف في كل من البشرة والأدمة، إضافة إلى العوامل التي تحافظ على تدفق الدم أثناء الاحتقان، ويحتوي لعاب البعوض على بروتينات تعدل كل من الاستجابات المناعية الفطرية والتكيفية، وتتغذى البعوضة بطريقة تسمى التغذية بالرشفة، وتعني أنها لا تمتص كل الدم الذي تحتاج إليه من مصدر واحد، بل تتناول وجبات متعددة من مصادر متعددة، وهذا يعرض مزيداً من الناس للإصابة.

أمراض ينقلها البعوض

تعد الأرض موطناً لما لا يقل عن 3546 نوعاً من البعوض، ونحو 100 منها فقط تلسع البشر، ومن بين هذه الأنواع، هناك نوعان معروفان بقدرتهما على حمل الفيروسات المنقولة بالمفصليات، وهي المسؤولة عن أمراض مثل الحمى الصفراء وحمى الضنك وحمى شيكونغونيا ومرض فيروس “زيكا” الذي يقتل نحو 60000 شخص سنوياً.

فالملاريا التي تنتشر في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، هي مرض طفيلي تسببه طفيليات البلازموديوم وينقلها بعوض “الأنوفيلة”، وتشمل أعراض الملاريا الحمى والصداع والقيء، وقد تكون قاتلة، لذا تشير التقديرات إلى حدوث 263 مليون إصابة بالملاريا 597000 حالة وفاة بسببها في 83 بلداً حول العالم عام 2023.

أما فيروس “زيكا” فينتشر في أفريقيا وأميركا الشمالية والجنوبية وآسيا ومنطقة المحيط الهادئ، وينتقل من طريق بعوضتي “الزاعجة المصرية” و”الزاعجة البيضاء”،

ونأتي إلى الأكثر انتشاراً حمى الضنك التي توجد في أفريقيا وأميركا الشمالية والجنوبية وآسيا وأوروبا، وهي فيروس ينتقل من طريق بعوضة “الزاعجة المصرية”، إذ تتشابه أعراض حمى الضنك مع أعراض الإنفلونزا، وتشمل الأعراض الأخرى الحمى والصداع وآلام المفاصل والعضلات والغثيان.

وينتشر فيروس غرب النيل في أفريقيا وأميركا الشمالية وغرب آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، وينتقل من طريق بعوضة “الكيولكس”، وقد يكون فيروس غرب النيل قاتلاً، وتشمل أعراضه أشد أنواع الفيروس كالصداع والحمى وتيبس الرقبة والارتباك والغيبوبة والتشنجات وضعف العضلات. ويعد فيروس غرب النيل السبب الرئيس للأمراض التي ينقلها البعوض في الولايات المتحدة المتجاورة، ففي كل عام يصاب أكثر من 1300 شخص بمرض شديد يؤثر في الجهاز العصبي المركزي، ويموت أكثر من 130 شخصاً.

تضافر الجهود

يعد تغير المناخ والتوسع العمراني ومقاومة النواقل من أهم عوامل الخطر وراء تزايد تفشي طفيليات وفيروسات الملاريا حول العالم، وعلى رغم أن كل هذه الأمراض تنتشر من طريق إناث البعوض، فإنها فيروسات، باستثناء الملاريا التي تسببها الطفيليات. وتعد مكافحة الطفيليات أكثر صعوبة، لأنه على عكس الفيروسات التي تتكاثر باستخدام خلية مضيفة، تمر الطفيليات بمراحل حياة متعددة، وقد تعتمد على عائلات مختلفة لتطورها وانتقالها، وتصعب دورات الحياة المعقدة هذه استهدافها والقضاء عليها في مراحل مختلفة من تطورها.

المصدر: الاندبندنت