الثلاثاء   
   01 07 2025   
   5 محرم 1447   
   بيروت 20:36

كيف تمكّن الحرّ الرياحي من أن يكتب لقصّته مع الحسين نهاية جميلة؟

حيدر كرنيب

تمكّن عبيد الله بن زياد من إخماد ثورة مسلم بن عقيل، بعد أن لعب على وتر حسّاس للغاية، إذ أطلق حملة إعلامية واسعة بين أهل الكوفة بأنّ جيشًا مليونيًّا قادم من الشام من أجل إنهاء العصيان الذي أدّى إليه تواجد مسلم بن عقيل في الكوفة¹… وبعد استشهاد مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة، أرسل ابن زياد جيشًا مؤلّفًا من أربعة آلاف مقاتل، بقيادة الحصين بن نمير، إلى القادسية، على أن يقوم هذا الأخير بتنظيم المسالح والمضارب تحسبًّا لقدوم الإمام الحسين، كما أرسل الحصين سرية مؤلّفة من 1000 جندي بقيادة الحر بن يزيد الرياحي، لقطع الطريق على القافلة الحسينية².

وعلى الجانب الآخر، كان الركب الحسيني يسير نحو الكوفة، بعد أن كتب أهلها إلى الإمام الحسين بأن يأتي إليهم… وخلال المسير، ظنّ أحد أصحاب الإمام بأنهم أوشكوا على الوصول إلى الكوفة، بعد أن تراءى له نخلها وأسوارها، ولكن في الحقيقة، لم يكن ذلك الذي رآه نخلًا قط، بل كانت آذان الخيل وأسنة الرماح… عندها أدرك الحسين بأن جيشًا يسير ناحيتهم، أمر من معه أن ينعطفوا في مسيرهم قليلًا حتى يلاقوا القوم من وجه واحد³.

لم يكن أولئك الذين يسيرون باتجاه القافلة الحسينية سوى فرسان الحر بن يزيد الرياحي… والتقى الجمعان في موضع يقال له ذي حسم… وبمجرد وصول الحر وجماعته إلى الموضع الفائت ذكره، أمر الإمام أصحابه أن يسقوا جماعة الحر وخيولهم من الماء الذي كانوا قد ادّخروه خلال الطريق⁴. وبعد أن شربت الخيول والرجال، تواجه الحر مع الإمام، وأخبره بأنه أُمر أن لا يفارقه حتى يُدخله الكوفة، وينزل على طاعة عبيد الله بن زياد، ولكن الحسين رفض ذلك رفضًا قاطعًا، وأمر بالكتب التي كتبها إليه أهل الكوفة، فجاءه به عقبة بن سمعان، ولما عرضها على الحر وجنوده، أنكروا عليه جميعًا أن يكونوا قد كتبوا له⁵…

ازداد الوضع توتّرًا بين أبي عبد الله والحر، إلى أن توصّلا إلى حلٍّ مؤقّت يقضي بأن تسلك القافلة الحسينية طريقًا لا تدخلها الكوفة، ولا تعيدها إلى المدينة، ريثما يكتب الحر إلى بن زياد تقريرًا حول آخر المستجدّات⁶.

لقد كان الإمام الحسين حازمًا في موقفه، ثابتًا على عدم الخضوع لأيٍّ من يزيد أو ابن زياد، حيث تحدّثت الروايات بأن الحر أشار إلى الحسين بأن يكتب إن شاء إلى يزيد أو عبيد الله بن زياد، ولكن الحسين أبى ذلك⁷.

ثم سار الركب الحسيني إلى موضع يقال له عذيب الهاجنات، وكان الحر قد أمر فرسانه بأن يُبقوا الحسين وقافلته تحت مراقبتهم، فأخذوا يسايرونه تارة، ويمانعونه تارة أخرى… حتى نزلوا في عذيب الهاجنات، وإذ بأربعة فرسان يقبلون من بعيد باتجاه القافلة الحسينية، وكان هؤلاء الأربعة من أهل الكوفة الذين خرجوا لنصرة الحسين، وأحدهم نافع بن هلال، وعندما أخذوا يدنون منه، حاول الحر أن يقبض عليهم، لكونهم ليسوا ممن جاء مع الحسين من مكة، ولكن الإمام الحسين استطاع أن يحميهم، ومنع الحر من أن يقبض عليهم أو يعيدهم إلى الكوفة… وكان من هؤلاء الأربعة أن أطلعوه على خبر استشهاد قيس بن مسهر الصيداوي، فاسترجع الإمام وبكى عليه⁸…

ولما وصل كتاب الحر إلى ابن زياد، كتب إليه الأخير بأن يجعجع بالحسين حتى يرغمه على النزول في موضع لا حصن فيه ولا ماء⁹… ثم أطلع الحرُّ الحسينَ على ذلك، وحاولت القافلة الحسينية أن تتجه إلى نينوى أو الغاضرية، ولكن الحر حال دون ذلك¹⁰…

سئم زهير بن القين من هذه الوضعية، وأدرك حقيقة الخطر الداهم، فطلب من الإمام الحسين أن يسمح له ولأصحابه بقتال الحر ورجاله الآن، مؤكداً له بأن قتالهم أيسر عليهم من قتال من يأتي بعد ذلك، ولكن تلك الأمور لم تكن لتخفى على أبي عبد الله، فأكد لزهير بأنه يرفض أن يبدأهم بقتال، وجزاه عنه خيرًا.¹¹

وبعد ذلك، كانت عساكر عمر بن سعد قد بدأت بالوصول إلى الموضع الأخير الذي أنزل الحر فيه الحسين،¹² وعندما رأى الحر ذلك، أدرك بأن الأمور قد خرجت من يده، وأنها تسير نحو الأسوأ…

وكان من ذلك ما تعلمون، من محاصرة الحسين في كربلاء، ومنع الماء عنه، ومحاولة إكراهه على مبايعة يزيد… إلى أن بزغ فجر يوم عاشوراء، وكان الحر يستمع إلى الحسين وهو يعظ القوم ويُحذّرهم من التورّط بقتله، وكان قلب الحر يخفق بسرعة، وعيناه تتلألآن والدمع يعتصرهما، بسبب وضعية الحسين الصعبة. فتوجّه إلى عمر بن سعد وسأله إن كان حقًّا يريد أن يقاتل الحسين ومن معه، فأكّد له الأخير بأنه سيُقاتلهم قتالًا أيسره أن تسقط فيه الرؤوس وتطيح الأيدي، ثم سأله الحر إن كان يرضى بواحدة من الخصال التي عرضها عليهم الحسين، فأشار له ابن سعد بأنه لا يمانع ولكن عبيد الله يرفض ذلك، عندها أدرك الحر بأن الكارثة واقعة لا محال، وبعد حوار له مع قرة بن قيس، استجمع الحر نفسه، واتخذ قراره التاريخي، لقد ضرب الحر فرسه قاصدًا مخيم الحسين. ولمّا وصل إليهم جثا على ركبتيه بين يدي أبي عبد الله، وأعرب له عن ندمه عما قام به، وعن الحالة التي وصل إليها ابن بنت رسول الله، فغفر له الإمام كل ذلك، وأكد له بأن توبته مقبولة إن شاء الله¹³…

وكان الحر ممن قاتل بين يدي الحسين قتالًا شديدًا في ذلك اليوم، حتى قضى شهيدًا حرًّا كما سمّته أمه¹⁴ ، وليُسطّر لنفسه واحدة من أجمل قصص عاشوراء.

الهوامش:

1) اللهوف على قتلى الطفوف-ص 34

2) مقتل الخوارزمي ـ الجزء الاول -ص327

3) مقتل أبي مخنف ـ ص 81

4) مقتل أبي مخنف ـ ص 82

5) مقتل الخوارزمي ـ الجزء الاول ـ ص 331

6) الكامل في التاريخ -الجزء الثالث -ص 408

7) المصدر السابق نفسه

8) تاريخ الطبري -الجزء الرابع -ص 306

9) الإرشاد للشيخ المفيد -الجزء الثاني -ص 83

10) مقتل الخوارزمي ـ الجزء الاول ـ ص 334

11)مناقب آل ابي طالب -الجزء الثالث -ص 247

12) البداية والنهاية -الجزء الثامن-ص 183

13) مقتل الشيخ عبد الزهراء الكعبي -ص 34

14) كتاب الفتوح- الجزء الخامس- ص 102

المصدر: موقع المنار